تعبر الأمثال عن فلسفة الشعوب، وثقافاتها الشفوية المنقولة بالتواتر، وقد تناول الكثير من الباحثين دراسة الأمثال وتدوينها، ولكن بالرغم من ذلك ظل الكثير منها حبيس الصدور، ماتت بموت قائليها ومتداوليها، ومصدر هذه الأمثال ناتج عن خبرات الأولين، وحكمتهم في معالجة الأمور والتفاعل معها، ففي المثل حكمة، وعبرة، وتجربة.

موقع eRaqqa التقى مع الباحث "حمصي الفرحان الحمادة"، الذي حدثنا عن مصادر الأمثال التي يتناولها "الرقاوية" في أحاديثهم وأقوالهم، بقوله: «إن للتأثيرات اللغوية، المتولدة من علاقات الشعوب مع بعضها البعض والمتمثلة بالعلاقات التاريخية والروحية، الموقع الجغرافي. استدعى وجود الكثير من الألفاظ الفارسية، والتركية، في لهجتنا وغيرها، مثلاً: (فلان ما عنده ألا الانكري) فكلمة (انكري) كلمة "فارسية" تعني العصا الحديدية المعقوفة، التي يستخدمها صاحب الفيلة لضربها، ونهرها، ويكون وقعها مؤلماً، ونقول مثلاً: (عند طكة الخاشوقة)‏، وكلمة (خاشوقة) كلمة تركية، ومعناها ملعقة الطعام، ويضرب المثل في الطفيلي الذي يحضر حال تقديم الطعام. وهذه الألفاظ الدخيلة على لهجتنا لا ترد بكثرة في أمثالنا وأقوالنا نحن أهل "الرقة"، وذلك لقلتها، فلهجتنا، وبكل فخر هي من أقرب اللهجات العامية للعربية الفصحى».

ويمكن أن نرد أمثال وأقوال أهل "الرقة" لعدة مصادر منها: أولاً الأمثال الفصيحة: تعتبر الأمثال الفصيحة مصدراً هاماً من مصادر الأمثال العامية، فنلحظ أن هناك تشابهاً كبيراً بينهما، إن لم يكن بالمبنى، فبالمعنى حتماً، ويطرأ على البعض منها تحوير بسيط بالمفردة، وذلك يرجع للهجة، وهذا إن دل فإنه يدل على العلاقة الروحية الممتدة عبر الأجيال، ما بين أهالي "الرقة"، وما بين أجدادهم العرب، وذلك رغم تباعد السنين، وتغير الظروف المعيشية، والمعطيات التاريخية

ويتابع "الحمادة" قائلاً: «ويمكن أن نرد أمثال وأقوال أهل "الرقة" لعدة مصادر منها: أولاً الأمثال الفصيحة: تعتبر الأمثال الفصيحة مصدراً هاماً من مصادر الأمثال العامية، فنلحظ أن هناك تشابهاً كبيراً بينهما، إن لم يكن بالمبنى، فبالمعنى حتماً، ويطرأ على البعض منها تحوير بسيط بالمفردة، وذلك يرجع للهجة، وهذا إن دل فإنه يدل على العلاقة الروحية الممتدة عبر الأجيال، ما بين أهالي "الرقة"، وما بين أجدادهم العرب، وذلك رغم تباعد السنين، وتغير الظروف المعيشية، والمعطيات التاريخية».

حمصي فرحان الحمادة

ويورد "الحمادة" بعض الأمثال التي تبين ذلك بقوله: «المثل المعروف والمتداول عند الرقيين (الحق مبجينك لا تلحق مضحكينك) نجد له مقابلاً بالأمثال الفصحى كما عند "العسكري" في الجمهرة (أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك)، ومعناه اتبع من يخوفك عواقب إساءتك لتحذرها فتنجو، ولا تتبع أمر من يؤمنك الخوف، فيورطك ونجد مثلاً (كل شاة معلقة من كرعوبها)، ونجد له مقابلاً من الأمثال العربية الفصحى كما عند "الزمخشري" و"ابن عبد ربه" (كل شاة برجلها تناط) ومعنى المثل: أن كل إنسان مسؤول عن عواقب، ونتائج تصرفاته، ونجد أن الكثير من هذه الأمثال يتطابق مع الأمثال الفصيحة بالمعنى، مثلاً (تيس المرعز راح تا ينكرع رجع مكروع) مقابله كما عند "الميداني" (ذهب الحمار يطلب قرنين فعاد مصلوم الأذنين)، ويضرب المثل لمن يقدم على أمور هي أكبر من إمكانياته فتؤدي إلى فشله».

ثم يضيف "الحمادة" بقوله: «وللقرآن الكريم تأثير كبير في فطرة أهل "الرقة"، نسمع مثلاً مستوحى من قصص القرآن الكريم، ويأتي على شكل دعاء، وهو (إنشاء الله نومة أهل الكهف...)، والأمثلة كثيرة في ذلك، ويضرب مثلاً للفقير المعدم شديد الفاقة والحاجة، ومثاله (فلان وضعه.. السماء والطارق)، فلقد ورد في القرآن الكريم (والسماء والطارق) سورة "الطارق" /آية1/، ومعناه في القرآن الكريم القسم بالسماء ونجم الطارق، أما القول العامي (ما يصير ألا الكاتبه الله)، فإنه إشارة واضحة إلى التسليم بقضاء الله وقدره، كما في الآية الكريمة: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) سورة "التوبة" /آية 15/، وكذلك للحديث النبوي الشريف تأثير واضح في ذلك، فنلاحظ أن بعض الأمثال الفراتية، ترد بمعناها إلى الأحاديث النبوية مثلاً (أني ما أجذف وأرد أرجع على جذافي)، فنجد أنه مستوحى من الحديث النبوي الشريف الذي يقول: (الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه)».

ثم يقول "الحمادة": «المصدر الآخر من مصادر الأمثال العامية في "الرقة" الشخصيات الأدبية والتاريخية القديمة، فهناك أعلام وشخصيات فاقت شهرتها الآفاق، وأصبحت مضرباً للأمثال كـ"حاتم الطائي" في كرمه، و"عنترة بن شداد" في شجاعته، يقول المثل العامي (فلان مسوي حالو مثل "عنتر"!)، ويضرب لمن يتظاهر بالشجاعة‏، وكثيرة هي الشخصيات التي تدخل ضمن سياق المثل عند "الرقاوية" ومنها مثلاً: (تجارة "جحا" على أهله)، فشخصية "جحا" شخصية حقيقية، ولكن الموروث الشعبي حولها إلى شخصية فكاهية، وقريبة للسذاجة المضحكة‏».

وعن تأثير البيئة في الأمثال، يقول "الحمادة": «يقال الشاعر ابن بيئته، وأقول إن المثل وليد بيئته ومحيطه، لأنه وببساطة لا يمكن فصل البيئة عن ذات الإنسان بكل ما تحويه من طبيعة، وجغرافية، ونباتات، وحيوانات، والمتتبع للأمثال الشعبية في "الرقة" يجد في مفرداتها الكثير من البيئة الفراتية ومنها: الفرا "الفرات"، "الزور".. الخ، ومثاله: (الفرس عتالة والمطرك من "الزور")، ويضرب لمن لا يهتم بالحاجة التي استعارها من الآخرين، فخرابها وعمارها سيان عنده، مثلاً: (ما كل فرا تنخاض)، ويضرب للتهديد، والتخويف، وهذا المثل لا نجده ضمن الأمثال الحمصية مثلاً، فهناك أمثال ترتبط في تلك البيئة ولا يعرفها إلا من عايش تلك البيئة، مثلاً (برد "حمص" بيدخل للعظام، وهو حقيقة معروفة، وسببها فتحة "حمص"، أما المثل "الشامي": (بس إجا آب قطاع العنقود ولا تهاب)، وذلك لشهرة "الشام" ببساتينها وعنبها (العنب الشامي)».

ويختتم "الحمادة" حديثه قائلاً: «من الطبيعي اعتبار البيئة مصدراً من مصادر الأمثال، وذلك لأن المثل يتكلم عن حقائق مادية ملموسة، إضافة إلى أنه يعتبر خلاصة تجربة الشعوب والأمم، فمثلاً حقيقة برد "حمص" مسألة عرفها (الحماصنة) عبر الأجيال، وذلك لارتباطها بحقيقة جغرافية واضحة للعيان، ونسمع مثلاً يدرج على ألسنة "الرقاوية" وهو: (فلان أحن من قطاة)، ويضرب للأب الحنون الرؤوف بعياله وصغاره، ولقد عرفت هذه الحقيقة العلمية من خلال وجود القطا في بيئتنا، وملاحظتهم له عن قرب، فهو يشتهر بحنوه على صغاره». ‏