في وسط سوق "سلمية" يقع محله الذي تشعر فيه بدفء الماضي، كأس الشاي حاضرة باستمرار وصوت الراديو يشغل المكان ممزوجاً بدوران ماكينة الخياطة. مختص بخياطة "الجلابيات" الرجالية، زبائنه من كل مكان، والبسمة ترتسم على وجهه وهو يستقبلك.
إنه الخياط "محمد أحمد الخطيب" والمعروف بـ "أبي جمال" ابن "سلمية" المولود في العام /1930/ والذي التقاه موقع eHama في محله يوم الاثنين 29/12/2008 ليحدثنا عن بداية عمله بهذه المهنة بالقول: «في البداية كنا نعمل في الزراعة، تزوج أبي وأنجب، فتركنا الأرض، وجئت هذه المهنة بعد أن سبقني أخي "يوسف" الأصغر إلى هذه المهنة، تدربت على يده، وفي خلال سنة واحدة اكتسبت مهارة الصنعة، فتشاركت مع أخي لست سنوات، كان ذلك في العام /1954/م كنت حينها متزوجاً وأصبحت أكثر من قبل بحاجة لدخل يعيلني وأسرتي، بعد شراكتي مع أخي قررت أن أشق طريقي لوحدي فبحثت عن دكان وكان ذلك في العام /1961/م ووفقني الله وانتقل هذا المحل من ملكية صاحبه إلى ملكيتي بعد أن كنت أدفع أجراً سنوياً وقدره /300/ ليرة سورية في ذلك الوقت».
إنه أحسن خياط جلابيات في "سلمية" وهذه الجلابية التي أرتديها هي من صنعه
عن اختصاصه في مجال الخياطة الواسع يقول: «مهنتي خياط عربي، أي مختص بخياطة الجلابيات الرجالية، إضافة لخياطة البنطال أيضاً، أحببت هذه المهنة، فقد علمتني الصبر والروية، لكن من مخاطرها ألم في العمود الفقري، وضعف في البصر، ولكن ما من مهنة إلا ولها شجونها».
وعن أنواع الأقمشة التي يحبذها الزبائن قال: «في الوقت الحالي أكثر أنواع الأقمشة المرغوبة والتي تلبي رغبة الزبون هي الأقمشة الهندية، فيما مضى كان القماش الانكليزي هو النوع المفتخر، لكن سعره غالٍ جداً وقد يصل سعر المتر منه إلى /1500/ ليرة سورية، في حين تصل كلفة الجلابية المصنوعة من القماش الهندي بين /700 و1400 /ليرة سورية، إذا سألتني عن القماش السوري أقول لك هو من أفضل الأنواع لكنه غير متوفر وهو للتصدير».
وعن أشياء تخص صناعة الجلابية يقول السيد "محمد الخطيب": «بعد خياطتها نقوم بتزيين الجلابية فيما يسمى (تخريجة) وغالباً ما تكون الخيطان المستخدمة من القطن، ويجب أن يتوافق لون الخيط مع لون الجلابية، هناك (تخريجة كاملة) وهناك (ربع تخريجة) و(نصف تخريجة) و(ثلث تخريجة). لا يمكن لهذا الزي أن يندثر كما يتوقع البعض، فالجلابية تراث ولن تنقطع عن الوجود، هناك من يحبذ لبسها، وهناك من يرفضها، ولكن ليس هذا دليلاً على أنها ستندثر يوماً ما، لذا لا أخاف عليها أبداً، ومتى وقفت عن الخياطة سأحول هذا المكان لبيع الأقمشة والجلابيات الجاهزة. من أبنائي من تعلم هذه المهنة لكنه لم يتعلم صناعة الجلابية، تحولوا كما نقول للخياطة الإفرنجية».
وعن أفضل جلباب قام بخياطته يقول: «قمت بخياطة جلابية عربية وقدمتها هدية لسمو الأمير "كريم آغا خان" وصنع (الدامر) الأخ "خضر فخور"، أعتبر هذه القطعة من أفضل ما صنعت».
وبينما كنا في الحديث معه جاء أحد أصدقائه وهو السيد "تميم علي عبيدو" وهو من مواليد /1927/م سألناه عن "أبي جمال" وخياطته فقال: «إنه أحسن خياط جلابيات في "سلمية" وهذه الجلابية التي أرتديها هي من صنعه».
ولأن الجلابية هي من التراث كما قال السيد "محمد الخطيب" نتمنى ألا تندثر مثل هذه الأزياء لأن عبق الماضي يسكن بين خيوطها.