بين "اللاذقية" و"جبلة", شاطئ يملك كثيراً من المقومات الجمالية, والبيئية, والاقتصادية هي الأميز على الشاطئ السوري, كان في الماضي القريب مهملاً, والآن هو تحت دائرة الضوء من جميع النواحي.

بطول يصل إلى قرابة (15) كم, جنوب مدينة "اللاذقية", يمتد خليج بحري يصلها بمنطقة "الشقيفات", على مسافة قريبة من مدينة "جبلة". شاطئه غني بالرمال الناعمة, بعرض قد يصل 80 متراً, تخترقه مجموعة من الأنهار الصغيرة والكبيرة, بدءاً من النهر الكبير الشمالي جنوب مدينة "اللاذقية", مروراً بأنهار أخرى كنهر "الصنوبر" وأخرى عديدة, ساعدت في نثر كثير من الرمال, جنباً إلى جنب مع أخرى لفظتها الأمواج أثناء تكسرها الروتيني على الشاطئ, مع كثير من الأشياء التي ضاق بها جوف البحر, من أصداف وقواقع وأخشاب.

وفي حين غابت المشاريع السياحية عنه لفترة من الزمن, فقد أمنت فيه بعض الكائنات البحرية إلى حد بعيد, فعاشت, وتكاثرت, كالأسماك المختلفة, وسرطان الماء, والسلاحف البحرية الخضراء, التي وجدت في رماله الناعمة مكاناً جيداً لوضع البيض, وإكمال دورة الحياة, بعيداً عن الأثر المباشر للإنسان.

الاطفال يصنعون سلاحف من الرمل

ويمارس الصيادون عملهم هناك دون تأثير بالغ على الحياة البحرية, جنباً إلى جنب مع جمعيات تهتم بالبيئة, حيث "الجمعية السورية لحماية البيئة المائية" نقطة مراقبة لرصد تحركات السلاحف المائية الخضراء, والسلاحف ذات الرأس الكبير المهددة بالانقراض, واعتبر هذا المكان من أهم شواطئ التعشيش لهذه المخلوقات في البحر المتوسط, ويعرف الصيادون جيداً مدى التنوع البيئي في ذلك المكان, فكثيراً ما يصادف المرء مراكب, وشباك على الشاطئ, على الرغم من أنهم يفضلون الصيد ليلاً على ضوء القمر, وقد تحدث لنا أحد الصيادين وهو "خليل عيسى" عن ذلك بالقول: «لقد عرف عن هذا الشاطئ بنظافته, مقارنة مع مناطق أخرى, ولذلك نحن نأتي إلى هنا للصيد, فالبحر وخيراته ملك للجميع, وهو يجود علينا بأنواع متعددة من الأسماك, تختلف من موسم لآخر, كما أننا كثيراً ما نصادف أحياء بحرية متنوعة تعلق بشباكنا, منها الجيد ومنها المخرب, كالسلاحف البحرية فهي تخرب الشباك نظراً لقوتها, فنضطر لإخراجها, ورميها بالبحر مجدداً».

في الآونة الأخيرة عادت تلك المنطقة إلى الواجهة السياحية في البلاد, بعد انشغال المرافق الأخرى بعمليات الترميم, أو إعادة التأهيل السياحي, وبدأ الناس يتوافدون إليه بقصد السباحة في مياهه النظيفة, والاستمتاع بدفء شمسه ونعومة رماله.

مقر الجمعية السورية لحماية البيئة المائية

ومع انقضاء الموسم الصيفي يدخل الشاطئ استراحته السنوية, حيث ينخفض عدد زواره بشكل ملحوظ, وتشكل هذه الاستراحة مرحلة استعادة التوازن البيئي, حيث ترتفع الأمواج, وتنظف الشاطئ من المخلفات التي رماها بعض المهملين من الناس.

المجتمع الأهلي أدرك بعد حين أن هذه الأمواج لم تعد قادرة على تنظيف الشاطئ, بل هي أيضاً تعاني من أسباب التلوث, بما تحمله من نفايات ألقتها السفن العابرة بالبحر, فنشطت الجمعيات الأهلية لتنظيفه, وكان آخرها حملة التنظيف التي أقيمت بتاريخ 18/7/2008م, كما وجهت الأنظار السياحية إليها بشكل جدي, إذ تحدث السيد "ناجي العطري" رئيس مجلس الوزراء لدى انعقاد المؤتمر القطري العام الرابع والثلاثين لنقابة المهندسين بتاريخ 5/4/2008م, عن هذا الشاطئ على اعتباره خامة سياحية واعدة للاستثمار, نتيجة ما يتمتع به من شاطئ رملي ناعم, وموقع استثماري مرغوب به, مشيراً إلى أن دراسات تعد لإنشاء أوتوستراد بحري, يصل بين مدينتي "اللاذقية" و"جبلة", بعدد من المنشآت السياحية

eLatakia استطلع آراء المهتمين بهذا الشاطئ, من مرتاديه ومن المهتمين به بيئياً, حيث تقول المهندسة "شيرين النقري" الناشطة في مجال البيئة عن إمكانية استثمار ذلك المكان:

«صحيح أن هذه المنطقة مهملة سياحياً, لكن لذلك مردوده الايجابي على الكائنات البحرية التي تعيش هنا, وعلى أية حال, هناك في المفاهيم السياحية الحديثة ما يعرف بالسياحة البيئية, حيث يأتي الناس لمشاهدة الكائنات التي تستوطن مكاناً ما, ولا مانع من أن يستخدم الشاطئ للسباحة, بالتوازي مع قيمته البيئية, وأن تنشأ فنادق متخصصة لهذه الموضوع, بشرط أن لا يؤثر ذلك على الكائنات الحية, وهذا ليس أمراً مستحيلاً بل يحتاج لقليل من التخصص السياحي».

كما تحدثت لنا "شذى حيدر" مدرسة لغة انكليزية قائلة: «لقد تقلصت الخيارات المتاحة أمام مرتادي الشاطئ, بسبب انشغال بعض النوادي البحرية بعمليات الترميم, أو لوجود مشاريع من أنواع مختلفة, وهذا المكان هو ملجأ وارف لعشاق البحر, ولكن يجب قبل كل شيء العناية بمشاعية هذا الشاطئ, ليكون بعكس باقي النوادي التي تضع حواجز تمنع الناس من الوصول إلى البحر دون دفع ثمن تذكرة للدخول, كما يجب توفر مراقبين يسعون إلى تطبيق القوانين التي تساعد على حماية الشاطئ من التلوث, والحفاظ على الحياة البحرية سليمة دون مس, فالمشاعية تشمل الكائنات الأخرى التي لها الحق بالعيش, عندها نكون قد حققنا إنجازاً يحسب لنا, بدل أن نملأ فجوة, ونكشف أخرى, ذلك إن قبلنا أن نتخلى عن أحد مميزات هذا الشاطئ مقابل استثمارات آنية».