في عام /1978/ وخلال المسح الأثري الذي استمر شهراً في سورية، عُثر على آثار ومخلّفات للإنسان القديم في الساحل و"تدمر" ولكن دون العثور على هيكل عظمي له، وتبيّن خلال ذلك المسح وجود كهوف قديمة في المناطق الشمالية من القطر وتحديداً على الضفاف الشرقية لنهر "عفرين"، وقد أشارت بعثة سورية – يابانية إلى إحدى تلك الكهوف كموقع لتنقيباتها في العام/1988/ وبدأت العمل فيها فعلياً في العام/1989/ وهو كهف "دودرية" القريب من قرية "برج عبدالو" السياحية.

وبغية التعرّف على الكهف والاكتشاف الهام الذي تم فيه، التقى موقع eAleppo بالأستاذ "زكريا الحصري" عضو في الجانب السوري من البعثة السورية اليابانية المشتركة التي نقّبت في الكهف وذلك بتاريخ 7/9/2008 في منزله بمدينة "حلب".

في هذا المكان الذي تتوفر فيه الشروط المناسبة للسكن والاستيطان من ماء وأرض خصبة وحماية، اختار إنسان النياندرتال مسكنه، قبل حوالي مئة ألف سنة، فوادي "عفرين" الواقع في النهاية الشمالية القصوى للانهدام السوري – الأفريقي، كان بحسب المؤرخين الممر الطبيعي الذي سلكه النياندرتاليون خلال تحركاتهم من قارة "أفريقيا" نحو قارتي "آسيا" و"أوروبا"

يقول الأستاذ "زكريا": «في منتصف الانحدار الغربي لجبل "ليلون" حيث ينحدر "وادي دودرية" نحو الغرب بحافتين شاهقتين، يوجد "كهف دودرية" الأثري، على بعد /13/كم جنوب مدينة "عفرين"، وبارتفاع يبلغ /450/ م عن سطح البحر، يبلغ ارتفاع الكهف/60/ م وعرضه /40/ م وعمقه /50/ م، وله مدخلان شمالي يشرف على الوادي عرضه /8/ م وارتفاعه/5/ م، وجنوبي يشبه مدخنة طبيعية مفتوح باتجاه السماء».

كهف دودرية

ويضيف: «في هذا المكان الذي تتوفر فيه الشروط المناسبة للسكن والاستيطان من ماء وأرض خصبة وحماية، اختار إنسان النياندرتال مسكنه، قبل حوالي مئة ألف سنة، فوادي "عفرين" الواقع في النهاية الشمالية القصوى للانهدام السوري – الأفريقي، كان بحسب المؤرخين الممر الطبيعي الذي سلكه النياندرتاليون خلال تحركاتهم من قارة "أفريقيا" نحو قارتي "آسيا" و"أوروبا"».

«خلال سنين من العمل الذي قامت به بعثة سورية – يابانية مشتركة في الكهف – والكلام ما زال له - تم العثور على مجموعة من قطع عظمية لإنسان النياندرتال تعود إلى العصر الحجري القديم – الأوسط، ولكن المفاجأة كانت في العام /1993/ حين أزاح عمال البعثة التراب عن هيكل عظميّ كامل لطفل ٍ نياندرتاليٍّ بعمر السنتين، هو الأول من نوعه في "سورية" والأكمل في العالم، لقد كان الطفل المتوفى موضوعاً على ظهره ويداه ممدودتان وقدماه مثبتتان، وتحت رأسه بلاطةٌ حجرية، وعلى صدره وفوق قلبه أداة من حجر الصوّان ذات مغزى روحي وفكري!».

الهيكل العظمي للطفل المكتشف ( تاريخه حوالي 100 ألف عام)

يتابع الأستاذ "زكريا الحصري" حديثه: «لقد كانت العظام محطّمة، ولكن بجهد كبير وبمساعدة المختصين من أطباء وكيميائيين وفيزيائيين ومبرمجي الكمبيوتر، أُجريت المعالجات المطلوبة للحفاظ على الشكل الأصلي للطفل، وقد تمت إعادة تشكيل الهيكل العظمي له، وبسبب وجود أسنان لبنية فقد تبيّن بأن عمره حوالي العامين، وبعد التحليل والمقارنة مع الأطفال المعاصرين من أبناء المنطقة، يبدو الرأس كبيراً ومدوّراً وعظام الساقين ضخمةً والأنف عريضاً وضخماً جداً».

وعن أهمية هذا الاكتشاف قال: «إنّ لهذا الاكتشاف أهمية كبيرة، بحسب رئيسي البعثة السورية الدكتور "سلطان محيسن" والياباني الدكتور "تاكيرو أكازاوا" في محاضرتهما القيمة في جمعية العاديات "بحلب" بتاريخ 28/8/1996، وهذه الأهمية تتجلى فيما يلي: إنّ للاكتشاف أهمية علمية كبيرة كونه الأقدم من نوعه في "سورية" والأوّل في العالم، إضافةً إلى كونه يشير إلى عملية دفن شعائرية بسبب وضعية الدفن النظامية ضمن حفرة مستقيمة يدل على مغزى روحي وفكري (ديني) يعود إلى حوالي/100/ألف سنة، وكذلك فإن هذا الاكتشاف سيساهم في الإجابة على أسئلة عالقة كثيرة تتعلق بإنسان النياندرتال، من حيث أصله ومصيره، وعلاقته بالإنسان الحالي