الناقد السينمائي الفلسطيني المقيم في الأردن محمود الزواوي يجمع في كتابه "صناعة الأحلام" مقالات في أهم موضوعات السينما الأمريكية ويراعي دقة المعلومات وترابطها وتسلسلها التاريخي ويغطي قرنا من السينما منطلقا من معرفته الواسعة ومعايشته للسينما الأمريكية.
استطاعت السينما الأمريكية أن تفرض شكلا صار بمثابة موديل اصطلح عليه بالفلم الهوليودي. ولم يقتصر الموديل على نوعية الأفلام بل شمل شروط صناعة السينما إنتاجا وتوزيعا ونظاما دعاية.. وقد أثرت على السينما ثلاثة عوامل مهمة هي: الترفيه والتكنولوجيا والتجارة إذ تبلغ الإيرادات السنوية الأمريكية حوالي 55 مليار دولار.
هوليود هي ضاحية في لوس أنجيلوس، كان المخرج سيسل بي ديميل أول من اختارها موقعا لفلم رعاة البقر الصامت "رجل المرأة الهندية"، أغراه بها هدوءها وجودة مناطقها، ثم تحولت إلى عاصمة للسينما الأمريكية.
ازدهرت السينما الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى حينما تراجعت السينما الأوربية بسبب دخول مواد التصنيع في صنع البارود، ووجدت السينما الأمريكية نفسها بدون منافس، وقد انتقل إليها معظم صناع السينما من نيويورك هربا من تسلط شركة براءة الاختراعات السينمائية والتي حلت عام 1917 بموجب قانون منع الاحتكار.
لم يكن مفهوم النجومية معروفا في بدايات السينما، وكان معظم الممثلين من أفراد الفرق المسرحية الجوالة، وكان الجمهور يشير إلى نجومه بأوصافهم لا بأسمائهم، ولم يدرك المنتجون أن التكاليف الإضافية للنجم الذي كانوا يحاربونه، ستؤدي إلى زيادة إيرادات الفلم، وخرقت القاعدة عام 1910 بإدراج اسم فلورنس لورنس في أول حملة دعاية، وظهرت 1912 مجلات فنية متخصصة في أخبار السينما ونجومها الذين ارتفعت أجورهم من خمسة سنتات إلى 10000 دولار في الأسبوع.
دخل الصوت السينما الصامتة عام 1927 مع فلم "مغني الجاز" فماتت السينما الصامتة، شارلي تشابلن هو الوحيد الذي واصل تقديم الأفلام الصامتة حتى 1936، إلا أن الموسيقا التصويرية عرفت قبل ذلك في عام 1908 مع فلم اغتيال "دوق ديجايز" وكانت تتطلب دقة كبيرة في التزمين، وفي عام 1952 دخلت الأغنية السينما مع فلم "قطار الظهر".
يعدّ فن الرسوم المتحركة أمريكيا خالصا، يعود فضل ابتكاره إلى جيمس ستورات بركتون الذي طور أول فلم في عام 1906، ساعده رسام آخر هو ونسور مكاي، خاصة في فلمه "نيمو الصغير" أما الرسام رانولف براي فقد وضع فلم الكرتون في متناول الناس، ثم ابتكرت الشخصيات الكرتونية مثل باباي، وسوبرمان وودي ود باكر ومايتي ماوس وبيتي بوب، إلى أن ترسخ الكرتون كمدرسة مع والت ديزني مبتكر ميكي ماوس في عام 1937، مع إنتاج الفلم سنو وايت والأقزام السبعة الروائي الذي بلغت إيراداته 190 مليون دولار.وقد شهد الكرتون انبعاثا في التسعينات أدى إلى فوز بعضها بالأوسكار.
يمتد عصر هوليود الذهبي بين (1930-1946) أنتجت فيها "مصانع الأحلام" 7500 فلما وهي فترة اقترنت بنظام الاستوديوهات، الذي نظم عمل الإنتاج السينمائي وتحديد صيغة الفلم وطريقة توزيعه، وتوفير دور سينما وتكليف الكتاب بالتأليف، وكان الفلم يصور في فترة شهر أو أقل، ففقدت الأفلام طابعها الفردي وأصبحت تصنف وفقا لفئات عامة، ووضع مكتب الوزير هيز مجموعة مبادئ أخلاقية صارمة للحد من التجاوزات الأخلاقية (منع مشاهد الأغراء، الألفاظ النابية..) بعد أزمة عام 1933 الاقتصادية، لكن أفلام الستينات عادت إلى تناول ما كان قد حرّم في أفلام الثلاثينات.
وظهرت موجات سينمائية مثل أفلام العصابات تبعتها أفلام الصحافة وأفلام السجون، والأفلام الغنائية والموسيقية والاستعراضية وأفلام رعاة البقر، وفي الأربعينات ظهرت أفلام الكوميديا الصاخبة والأفلام الاجتماعية والأفلام الحربية التي عكست روح العصر والأفلام الوطنية.
يقدم الكتاب عرضا تاريخيا للأفلام الاستعراضية، وأفلام رعاة البقر ويتوقف عند شخصيتين هوليوديتين هما طرزان وجيمس بوند. ابتدع الكاتب ادجار رايس بوروز شخصية "طرزان" في عام 1912، الذي كوّن إمبراطورية فنية، فقد قدم حتى الآن 53 فلما، بالإضافة إلى ألعاب ومجلات ومسلسلات وروايات وبلدة حملت اسمه تقع في ضواحي لوس انجلوس، تناوب على تمثيل دوره 21 ممثلا، أشهرهم جوني وايسمولر وبستر كراب وبروس بينيت وليكس باركر وجوك ماهوني.. ومعظمهم من الرياضيين المعروفين والوسيمين. العميل السري جيمس بوند ثاني أهم شخصية هوليودية سينمائية، حققت أفلامه إيرادات بقيمة 3.8 مليار دولار، تزخر أفلامه بالمطارات والمناظرو النساء الجميلات والمؤثرات الخاصة، بدأت سلسلة أفلامه مع "الدكتور نو" عام 1962 وتستند شخصيته إلى قصص قصيرة للمؤلف البريطاني ايان فلمنج، تعاقب على أدواره، خمسة ممثلين أشهرهم الاسكتلندي شون كونيري، والاسترالي جورج لازنبي، وروجر مور، وتيموثي دالتون، والايرلندي بيرس بروزنان.
يستعرض المؤلف الأفلام العشرة الأولى التي اختارها أبرز نقاد السينما وهي: رائعة الأمريكي أورسون ويلز المواطن كين -الدوار لالفريد هتشكوك الأمريكي- قواعد اللعبة للفرنسي رينوار– العرّاب لفرانسيس كوبولا- قصة في طوكيو للياباني ياسوجيرو اوزو- أوديسا الفضاء للأمريكي ستانلي كوبريك- المدرعة بوتمكين للروسي سيرجي ايزنشتاين- شروق الشمس للألماني فريدريك ميرناو-ثمانية ونصف للإيطالي فيللني- غناء تحت المطر للأمريكي جين كيلي.
أما أفضل الأفلام الأمريكية في القرن العشرين فهي حسب تسلسها الزمني: "مولد أمة" و" التعصب" لجريفيث– "البحث عن الذهب" و "الأزمنة الحديثة" لشارلي شابلن- "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" للويس مايلستون-"عربة الجياد" و"عناقيد الغضب" و"الباحثون" لجون فورد- "ذهب مع الريح" و"ساحر اوز" لفكتور فلمنج- - الدار البيضاء لاورسون ويلز- قطار الظهر لفريد زينيمان-رصيف الميناء لإيليا كازان -لورنس العرب لديفيد لين- حرب النجوم لجورج لوكاس.
أفضل الأفلام غير الأمريكية هي: متروبوليس لفريتز لانج الألماني-الوهم الكبير للفرنسي جون رينوار-سارق الدراجة للإيطالي فيتوريو دي سيكا-راشومون" و " الساموري السبعة" للياباني اكيرا كوروساوا- التوت البري" و"صرخات وهمسات" للسويدي انجماربرغمان – "ضربة" للفرنسي فرانسوا تروفو- "الحياة حلوة" للإيطالي فيلليني- "الصورة المكبرة" للإيطالي مايكل انتونيوني.
تبلغ أجور بعض النجوم 25 مليون دولار مثل توم كروز وهاريسون فورد وتوم هانكس وايدي ميرفي ومن نجمات نادي الـ25 مليون جوليا روبرتس تليها في المرتبة الثانية كاميرون دياز (20 مليون)ونيكول كيدمان ودروباريمور وريس ويدرسبون( 15 مليون)، وهناك أمثلة على تضحيات بعض النجوم فحياتهم ليست كلها متعة، فالممثل توم هانكس نقص 25 كيلو غراما في فلم "المنبوذ" ليتناسب مع دور رجل ينجو من حطام طائرة في جزيرة نائية، و قضى أسابيع للتدرب على حياة الجنود لتمثيل فلم إنقاذ الجندي رايان، روبرت دينيرو زاد وزنه 30 كيلو غراما ليناسب شكل الملاكم جيك لاموتا في فلم الثور الهائج وقد كوفئ بالاوسكار، أما فنسنت دونوفريو فقد زاد وزنه 33 كيلو غراما في فلم الرصاصة القاتلة ليناسب دور الجندي الغبي البدين. ومن الأمثلة المشابهة سليفستر ستالون الذي زاد وزنه في فلم بلاد الشرطة، ودنزيل واشنطن الذي أمضى عامين في التدرب في حلبة الملاكمة في فلم الإعصار. ومثله لي سميث في دور محمد علي كلاي. ومن الأمثلة راسيل كرو الذي أمضى ستة أشهر في التدرب على المبارزة استعداد لدور ماكسيموس في فلم المجالد، وميريل ستريب التي استمرت عامين في التدرب على الكمان لدورها في فلم موسيقى الفؤاد.
تأكل هوليود نجومها الصغار، وقد وقعت مآسي للنجوم الأطفال وأشهر الضحايا هما المغنية جودي جارلاند وناتالي وود. انتهت حياة الأولى بالانتحار في السابعة والأربعين، والثانية بالغرق في الثالثة والأربعين، بسبب الإدمان على المخدرات واستغلال الآباء لمواهبهم. ومن ذلك ما تعرض له الطفل ماكولي كالكين بطل "في المنزل لوحده" الذي تزوج وطلق في السابعة عشرة من عمره، وما تعرض له الطفل الأسمر جاري كولمان الذي رفع دعوى في المحاكم ضد والديه باستغلاله، وجاي نورث الذي كشف عن القسوة التي تعرض لها من خالته، وانتهى به الأمر بعد إدمانه المخدرات حارسا لأحد السجون.
يعكس المؤلف صورة مشرقة للعرب في هوليود بذكر كثير من نجومها العرب مثل سلمى الحايك التي رشحت لجائزتي اوسكار عن فلم فريدا، والممثل فريد مرعي الفائز بالأوسكار عن فلم اماديوس، ومايكل نوري بطل فلم الرقص السريع، وجورج نادر بطل أفلام المغامرات في الخمسينات والستينات، وداني توماس الفائز بجائزة آيمي التلفزيونية، وابنته مارلو توماس التي فازت بجائزة آيمي التلفزيونية مرتين، و"مايكل عنصرا" الذي اقترنت شخصيته بأدوار الهنود الحمر، وجيمي فار(فرح) وفيك تيباك (طباخ) وتوني شلهوب وجيمس ستيسي والممثلات كاثي نجمي وشانون اليزابيت وآمي يزبك وويندي مالك وكريستين الحاج والمغني بول عنقا الذي تحول إلى مليونير بعد أغنية ديانا والملحنة بولا عبدول والمغنية تيفاني، والملحن بول جباره، والمغني تايني تيم، والمغني فرانك زابا والمغنية شاكيرا وملك الجيتار ديك ديل، وفي ميدان الإخراج مصطفى العقاد وأسعد قلادة، وفي التأليف وليام بلاطي وكالي خوري الفائزين بالاوسكار.
يخصص الكاتب فصولا لأفلام رعاة البقر وجائزة الاوسكار وجائزة الكرات الذهبية والجوائز السينمائية الأخرى، وأهم الشركات السينمائية وغيرها من مواضيع السينما الأمريكية.
الكتاب: صناعة الأحلام – أهم محاور السينما الامريكية
الكاتب: محمود عبد الرحمن الزواوي
الناشر: وزارة الثقافة- دمشق-2007
يقع الكتاب في 380 صفحة من الوسط