تظل الآثار شاهدا على تاريخ البلد بكل أحداثه ومعاناته، هذا التاريخ الذي لن يكون بالاستطاعة التعرف عليه من مصادره إلا من خلال الآثار الباقية.. ومن أهم الآثار المتبقية في البادية الحمصية والتي تحكي لك حكاية تاريخ عريق للدولة الأموية قصرا الحير، الشرقي والغربي.
يقع قصر الحير الغربي في البادية السّورية على بعد حوالي تسعين كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من تدمر، وينسب بناء القصر إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، ويستدل على تاريخ هذا القصر من نقش على ساكف أحد أبواب الخان، وهو محفوظ حالياً في حديقة المتحف الوطني بدمشق وعليه الكتابة التالية "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بصنعة هذا العمل عبدالله هشام أمير المؤمنين أوجب أجره، عمل على يد ثابت بن ثابت في رجب 109هـ".
ويعد قصر الحير الغربي قصراً أموياً متأثراً بالفنون الساسانية وهو يمثل الفن السوري المنظور، وهو من أهم الأوابد التي تعود إلى العهد الأموي، الذي يشكل فترة أساسية في العصر الإسلامي. الهيئة الخارجية للقصر أشبه بحصن دفاعي، حيث له سور عال مزود بالأبراج، ولكلّ زاوية يوجد برج دفاعي عال مزود بفتحات لعلها للمراقبة أو للنبالة وهذا البرج مخطّطه ثلاثة أرباع الدائرة.
وشكل قصر الحير الغربي مربع طول ضلعه 70×71م وجداره الخارجي مدعم بأبراج مستديرة ماعدا الزاوية الشمالية الغربية حيث البرج البيزنطي الذي أعيد استعماله، وبأبراج نصف دائرية تدعم أواسط الجدران الثلاثة، عدا الجدار الشرقي حيث تنفتح بوابة يحيط بها من الطرفين برجان نصف دائريين مزخرفين، وبناء هذا القصر من الحجر إلى ارتفاع مترين ثم من الطوب والآجر مع عوارض خشبية، وتتصل البوابة بواسطة دهليز بالفناء المحاط بأروقة محمولة على عمد قديمة، ويوجد في وسط الفناء حوض صغير. وترتفع حول الفناء البيوت في طابقين، وترى قاعات القصر وحجراته مرتبة ضمن بيوت ستة مستقلة عن بعضها، بيتان في الجهة الشرقية ومثلها في الجهة الغربية وواحد في الجنوب وآخر في الشمال، ويحوي كل بيت من 8ـ13 قاعة أو حجرة.
ولقد اكتشف درجان خشبيان يؤكدان وجود طابق ثان، وكما عثر على درابزون رواق الطابق الثاني وهو عبارة عن قطع جصية منحوتة. وكانت بيوت الطابق الثاني وغرفه مطابقة لنظائرها في الطابق الأرضي، وكان النور يدخل إلى الحجرات عن طريق كوات، أما الفتحات الداخلية فكانت نوافذ عليها مشبكات جصية رائعة التكوين.
ابتدأت أعمال ترميم قصر الحير عام 1939 ثم تباطأت بسبب الحرب العالمية الثانية بعدها انتهت عمليات إعادة جزء من القصر في المتحف الوطني بدمشق عام 1950، ولقد أعيد بناء البرجين بارتفاع 14.45 متراً، كما شيد بيتان داخليان من بيوت القصر، وأنشئ في داخل الواجهة جناح مفتوح عرضت فيه بعض القطع الأثرية التابعة للقصر مع مجسمين، وفي الطابق العلوي أقيمت بعض الحواجز الحافلة بالتماثيل النافرة، وفي الداخل تركت قاعة كبيرة بدون تقسيم لكي تضم لوحتي الفريسك الشهيرتين مع بعض القطع الأخرى.
وفي عام 1974 تم إنشاء فرع آخر في متحف تدمر، عرض فيه بعض القطع المتبقية من آثار قصر الحير، وخاصة أجزاء من الرسوم الجدارية ومن المنحوتات والشبكيات. ولابد أن نذكر بأن واجهة قصر الحير الغربي هي اليوم واجهة المتحف الوطني بدمشق.
الآثار الباقية اليوم لقصر الحير الغربي هي الشاهد الأساسي على ما وصل إليه الأمويون في الفن المعماري والهندسي والزخرفي، ويجب على كل محب لبلده الحفاظ عليها من النسيان .