ساعدت البنية الجيولوجية عبر آلاف السنين في تشكل الكهوف والمغاور الطبيعية، خاصة في الجبال الساحلية التي يضيتياهي عدد مغاورها تلك الموجودة في العالم، منها ما تم اكتشافه، ومنها مازال غامضاً بانتظار استكشافه وتوثيقه .

جارة الأنهار

الباحث "بسام القحط" الخبير بتاريخ منطقة صافيتا بشكل عام، تناول في بحوثه البنية الجيولوجية للمغاور من خلال جولات ميدانية، وثق فيها العديد من المغاور الطبيعية التي استخدمها البشر على مر العصور القديمة والحديثة، خاصة في عصر ما قبل التاريخ.

ويشير "القحط" إلى أن هذه المغاور هي كلسية قريبة أو متلاصقة لوديان الأنهار كنهر العروس ونهر الأبرش ونهر الغمقة التي عادة ما تغمرها أو تتعرض للفيضانات عند ارتفاع المد.

مغاور منسية

ويرى أن تشكل المغاور في هذه المنطقة جرى في حقب جيولوجية مختلفة، أشهرها على مستوى سورية "مغارة الضوّايات" في مشتى الحلو، القريبة من النبع، أحد روافد نهر الأبرش، وتعتبر من أقدم المغارات المكتشفة في سورية والعالم، يقدر عمرها بأكثر من 70 مليون عام، وسميت بهذا الاسم لاحتواء سقفها على ثقوب تضيء مدخل المغارة، ويصل طولها إلى عدة كيلو مترات تحت الأرض، حيث الترسبات الكلسية والصواعد والنوازل، وتعتبر من أهم المعالم السياحية لمنطقة مشتى الحلو.

منسية ومهملة

بجانب المنبع، وقريباً من منطقة صافيتا، وتحديداً في وادي بساتين مشتى عازار، تتوزع بعض المغاور الصغيرة التي تتبع لمنطقة تلكلخ، عند طاحونة "العمولة" المائية القديمة، ففي قرية "الجب" التي تصب منابعها في النهر الكبير الجنوبي عند قرية "خربة الأكراد"، هناك مغارة صغيرة في محيط النهر الرافد للعروس وهو نهر المتراس، في حرش بلدة "البارقية"، وبحسب "القحط" يوجد مغاور في قرية "مجيدل" حيث ينابيع المياه وبجانبها طاحون الفرق القديمة التي تسمى" عين العسل".

الباحث بسام القحط

من العصر الحجري

مغاور تحتاج الى الاكتشاف والتوثيق

يشير "القحط" في حديثه لمدونة وطن إلى مغارة "المتومة"، موقع "روزنة"، التي تقع في وادي نهر الغمقة مباشرة، على مسافة 3 كم شمال مركز مدينة صافيتا، وهي تعود للعصر الحجري، وأعيد استخدامها في الفترتين الفينيقية 1000ق.م – 330م، والحقبة الصليبية 1097 - 1303 م، ما يؤكد وجود استيطان بشري كثيف في وادي نهر الغمقة، منذ العصر الحجري المتأخر حتى الوقت الحاضر، وتعتبر المغاور والمعالم الأثرية الأخرى خير دليل على ذلك، وتحافظ مغارة المتومة على شكلها النموذجي حتى اليوم .

مغارة الوادي

تقع مغارة الوادي في وادي نهر الغمقة، في الوادي المطل على حوض الغمقة، في الشمال الأقصى من قرية "المندرة" التابعة لمنطقة صافيتا، وهنا يبين المهندس الجيولوجي "فؤاد رحمون" أن الخريطة الجيولوجية للموقع تسمى بوادي "الجرواين"، ويطلق عليها أبناء المنطقة "مغارة وادي جراوين" لأنها ملاصقة لكتف الوادي المذكور، وأعمق منه بـ 15 متراً أو أقل.

ويضيف: "تنتمي المغارة إلى العصر الكريتاسي، طابق السينومانيان، حيث التشكيل الصخري الذي يطلق عليه جيولوجياً "تشكيلة صلنفة"، وسميت هكذا لأن بداية اكتشافها كان في صلنفة، وألحقت بها جميع التشكيلات المتشابهة من حيث التطابق الجيولوجي، حيث المدخل الأفقي على مستوى سطح الأرض، ويتوقع أن يكون لها امتداد باتجاه الغرب أو الشمال الغربي، وحتى الآن لم يعرف العمق الحقيقي لها، ويعتبر عمرها الجيولوجي من عمر مغارة نبع الغمقة ومغارة الشماميس، تنتمي للعصر الكريتاسي طابق السينومانيان".

ويصف"رحمون" مدخل المغارة البيضوي الشكل، والواضح للعيان عند الدخول، حيث المدخل الضيق، ثم تتسع في الوسط ما يقارب 7 أمتار عرضياً، وطولها حوالي 15 م، تضيق في العمق، إلا أن الزائر يتوقف عن السير بسبب الظلام الدامس، لافتاً إلى أن المغارة حالياً مهملة من الباحثين الجيولوجيين والطريق إليها وعر جدا. ويختتم حديثه بالإشارة إلى المجرى المائي العذب الذي كان بجانب المغارة، والذي تحول لاحقا إلى مجرور للصرف الصحي .

وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية نهر الغمقة تاريخياً، فهو نهر أروادي فينيقي بامتياز، ارتبط بمملكة أرواد منذ نشأتها في الألف الرابع قبل الميلاد ارتباطاً جغرافياً وتاريخياً ودينياً وحضارياً، خصوصاً عبر معبد (حصن سليمان) بيت أوخيخي وهو معبد جزيرة أرواد الأساسي في الفترة الفينيقية 1000 ق.م إلى 330 م.

من العصر الجوراسي

بعد هذا العصر هو ثاني العصور الثلاثة من حقبة الحياة الوسطى ودهر البشائر، ويعود إلى 145 مليون سنة مضت، وإلى هذا العصر تنتمي مغارة "مار الياس" في قرية الكفرون، شأنها في ذلك شأن المغاور التي تشكلت وتميزت بتشكل الصخور وفلزات الحديد، في الفترة التي تتراوح بين 85 إلى 135 مليون سنة سابقاً، ومع مرور الزمن تشكّلت الصواعد والنوازل لتصبح المغارة على شكلها الحالي اليوم، مع الإشارة إلى تحول المغارة إلى كنيسة منذ القرن السابع عشر.

نعمة ونقمة

في نفس السياق، يتطرق "رضوان عيسى" ابن منطقة صافيتا، إلى مأساة الشاب المرحوم "قيس الزرزور" الذي اختفى في مغارة عين الدلبة في ريف طرطوس وتم الإعلان عن وفاته بعد أيام، لتجتاح حكايات المغاور المجالس، حيث ينتشر الآلاف منها في البساتين الزراعية في محافظة طرطوس، منها المطمور أو الذي تم ردمه بطريقة غير احترافية ما يجعلها خطرة نوعاً ما، ومنها المغاور غير المكتشفة نهائياً، تنتظر هواة المغامرة أو المختصين، وهذه تشكل هي الأخرى خطراً على الأطفال أو اليافعين الذين يدفعهم حب الفضول إلى المغامرة.

وتعد المغاور مقوماً مهماً للسياحة البيئية، كمغارة الضوايات في مشتى الحلو، التي تلقى عناية واهتماماً كونها موقعاً جاذباً سياحياً لكن بالمقابل تتحول بعض المغاور إلى مكب للنفايات في بعض المناطق ما يؤثر سلباً على البيئة من جهة وعلى المياه الجوفية التي تمر بجانب المغاور، حيث يشرب منها الناس والبساتين من جهة أخرى .