يعود تأسيس أول مجلة في مدينة "سلمية" إلى عام 1955، حيث أسس الباحث الراحل الدكتور "مصطفى غالب" مجلة "الغدير"، والتي استقطبت  نخبة من أدباء "سلمية" ومن الأدباء السوريين، واستمرت بالصدور بشكل نصف شهري حتى عام 1963.

صرح فكري

تأسيس المجلة سبقه إصدار الباحث الراحل أول كتاب له عام 1953، كما افتتح عام 1954 مكتباً للدعاية والنشر في "سلمية" وحاز على عضوية الجمعية الملكية البريطانية عام 1957.

الباحث "غالب المير غالب" ابن الدكتور الراحل "مصطفى غالب" يتحدث عن إرهاصات إصدار المجلة والظروف التي رافقت تأسيسها ويقول: "بعد خروج الاستعمار الفرنسي من "سورية" برزت الصحافة كإحدى القنوات الثقافية المهمة، كونها ساهمت في بلورة وإظهار الواقع الاجتماعي والسياسي في ظروف تاريخية دقيقة، حيث لعبت الصحاب حينها دوراً مهماً في تنمية الوعي تجاه الدعوة إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية، بالإضافة إلى تبنيها عملية التطوير ضمن أطر قومية، كما شاركت الصحافة في تأسيس أرضية أدبية وسياسية وثقافية متنوعة ومنتشرة في أغلب الأراضي السورية، وأعطت من نتاج فكرها أراءً متعددة تلقاها المواطن السوري بوعي ورحابة صدر، لأنها أعطته حرية الاختيار بين مجمل الطروحات الفكرية المتداولة وقتها.

من اليمين الباحث غالب مصطفى غالب والصحفي الإعلامي أمين ميرزا

ويضيف "المير": إنه في فترة الخمسينيات عملت الصحافة السورية مجتمعةً على التصدي للمشاريع الاستعمارية الناشطة ذلك الوقت، والهادفة في مضمونها إلى إفراغ الثقافة السورية من مفهومها الصحيح الداعي إلى التعددية الفكرية، تلك البوتقة الوطنية التي تضم التراث التاريخي والذاكرة الوطنية لهذه الأرض التي شهدت ومنذ آلاف السنين قيام حضارات عظيمة لاتزال آثارها تكتشف كل يوم

في هذه البيئة المتنوعة، يقول "المير": "ولدت "الغدير" في 25 كانون الأول 1955، لتكون صرحاَ فكرياً في "سلمية" وواحة ثقافية علمية وفكرية تبتعد عن التقوقع والجمود الفكري، وهكذا كان هدف الدكتور "مصطفى غالب" الذي تمسك به، مؤمناً بأن الصحافة طريقها غير مفروش بالورود بل هو متخم بالعراقيل والصعوبات".

الشاعر حسين الحموي

شهادات إعلامية

المحامي علي قنوع

الإعلامي "أمين ميرزا" وهو عضو المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين السوريين، يشير إلى أن مجلة "الغدير" كانت تعد المنبر الثقافي والأدبي والتراثي الوحيد في "سلمية"، مدينة القمر والأدب والشعر، ولعبت دوراً رئيسياً منذ تأسيسها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي على صعيد الثقافة والأدب، واستقطبت نخبة من الأدباء والمثقفين ومنهم مؤسسها ورئيس تحريرها الباحث الدكتور "مصطفى غالب"، والمؤلف والشاعر "عارف تامر"، وكانت منطلقاً للعديد من الكتاب والشعراء ("سليمان عواد"، "محمد الماغوط"، "فايز خضور"، "موفق" و"يوسف عادلة"، و "عبد الكريم حافظ").

ويبين "ميرزا" أن نشاط المجلة لم يقتصر على "سلمية" بل شمل كافة المحافظات السورية والعالم العربي، من خلال شبكة من الكتّاب والمراسلين، وتعددت مواضيعها بين الأدب والأبحاث الفكرية والفلسفية والتراثية والأخبار المتنوعة، وتغطية المناسبات الوطنية والاجتماعية والأفراح والأتراح وتهاني الطلاب الحاصلين على الشهادات المتنوعة.

أسماء وأقلام

بدوره المحامي "علي قنوع"  79 عاماً، يستعرض في حديثه للمدونة أسماء نخبة من الكتاب والمفكرين الذين أغنوا المجلة بأقلامهم، حيث برز من "سلمية": "يوسف النجار", "إبراهيم فاضل"، "إسماعيل المير سليمان"، "إسماعيل عامود"، "حسن القطريب"، "محمود أمين"، "سليمان عزوز"، "يوسف حسينو"، "إسماعيل عدرة"، "عبد الكريم إسماعيل"، "سليمان عواد"، "فايز خضور"، "خضر الحمصي"، "عبد الكريم حافظ".

ومن خارج "سلمية" : "الياس قنصل"، "عبد الله الشيتي" "جان الكسان"، "محمد علي الزعبي"، "مصطفى الخش"، "ناظم القدسي"، "عبد الوهاب حومد"، "عدنان الأتاسي"، "وليد مدفعي"، كما عمل فيها الشاعر "محمد الماغوط".

ويكشف كيف أن المجلة فسحت للمرأة السورية المجال الواسع على صفحاتها، لتعبر عن أرائها ولكي تعرض همومها ومشاكلها وقضاياها الخاصة لإنصافها وإعادة حقوقها إليها، ومن أهم الأقلام: "جهان المير سليم"، "لميس محمود"، "جمانة غانم"، "منور فوال"، "سمية حجارين"، أقلام نظيفة أطلقت صوتاً حراً احترمه القارئ وتفهمه.

في الذاكرة

عن ذكريات عمله في المجلة يتحدث الأديب "حسين الحموي": "كنت شاباً صغيراً ألتقي الباحث الراحل "مصطفى غالب" في مكتبه الواقع غرباً على طريق "حماة" خلف السينما على الجانب الأيمن، جانب عيادة الدكتور "فاتح المير"، وكان يعج بالكتب حتى العنق، كنا نجلس لدى مصلح الإلكترونيات من "آل الصليب" عندما يكون الأديب "مصطفى" منشغلاً في التأليف أو القراءة، وقتها كنا فتياناً" .

ويضيف: "تندرج "الغدير" في عداد المجلات السباقة بوضع اللبنات الأولى للثقافة والإعلام ليس في "سلمية" فحسب بل في سورية، وباعتبارها رائدة وصاحبها رئيس التحرير الدكتور" مصطفى غالب" باحث جاد وكاتب مهم، له علاقات اجتماعية راسخة بتواضعه ومحبته وأخلاقه العالية، فقد سجلت المجلة حضوراً جلياً ومتميزاً على الساحة الأدبية والتاريخية، واستطاع الأديب الراحل خلال مرحلة قصيرة الخروج بها إلى مستوى القطر، لتنوع مواضيعها ما بين تاريخية وتراثية، ومواضيع فكرية متعددة واجتماعية وأدبية وفنية".

يذكر أن الباحث الدكتور "مصطفى المير غالب" ولد في قرية "بري الشرقي" 1923 وتلقى علومه الأولى على يد والده "غالب"، وتوفي عام 1981.