تحتضن قرية "بعمرة" في محافظة طرطوس رواد الفكر والثقافة، حيث تنشط فيها المكتبات والمعارض التي تعنى بالعلم والفنون، بهدف تنشئة جيل مثقف بعيداً عن ضوضاء الإنترنت، ناهيك عن الحكايات المكتوبة على حيطان القرية القديمة التي تسرد تاريخها.
أنشطة ثقافية
يستوقف الزائر للقرية كثرة الأنشطة الثقافية والتي توجت بتأسيس النقطة الثقافية، وحسب ما تؤكد "أريج عبد الرحيم" /46/ عاماً خريجة أدب عربي، وهي مديرة النقطة فإن بدايات التأسيس كانت عام 2017، حيث ضمّت في البداية عدداً محدوداً من العاملين، إلى أن توسعت وازداد عدد المتطوعين فيها، فتم تشكيل هيكل إداري مؤلف من مدير ومسؤول ديوان، وتم إنشاء مكتبة عامة ومكتبة للأطفال، بالإضافة إلى أنشطة أخرى توزعت فيها المسؤوليات تباعاً".
تقول" عبد الرحيم" إن التسمية وحدها كفيلة بالإشارة إلى مدى الانفتاح الثقافي للقرية، وحب الاضطلاع على آفاق رحبة من الثقافة والثقافة المتبادلة، لأن غاية الكادر الرئيسية هي إغناء الثقافة لدى أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم، وضخّها على شكل أنشطة ثقافية تربوية.
وتؤكد "عبد الرحيم" على تميز القرية ثقافياً حيث نجحت بفعالياتها الثقافية الفنية المقامة سنوياً، ومن ضمنها "مهرجان السنابل" الذي أثبت على مدى سنوات تميزه ونجاحه، في تعزيز الحضور الثقافي، بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية من خلال تأهيل ملعب في القرية، والذي يعنى بتدريب ولعب رياضة كرة القدم، وتكلل بدوري بعمرة لكرة القدم، وبات ينافس الفرق الرياضية الأخرى في قرى المحافظة .
خير جليس
تشير رئيس النقطة الثقافية في القرية إلى النشاط الثقافي المخصص للأطفال بعنوان :" الكتاب خير جليس" وهو من أهم العناوين التي تعمل النقطة على رعايتها، من خلال تسليط الضوء على أهمية الكتاب، والمثابرة على المطالعة وعدم استبدالها بأي وسيلة ترفيهية أخرى، وذلك بمشاركة عدد كبير من الأطفال بالمرحلة الابتدائية الذين تفاعلوا مع الحدث ونشاطه.
وتأمل "عبد الرحيم" في تأمين مقر متواضع يعنى بالنشاطات المذكورة، وتوجه شكرها لمديرية الثقافة في طرطوس التي تغطي معظم المستلزمات المالية، ممثلة بالأستاذ "كمال بدران". وبرأيها يبقى التعاون في العمل والتفاني فيه من أهم المقومات التي تخفف نوعاً ما من العوائق المالية وغيرها، ونجاح الأنشطة شاهد على متابعة طريق التطوير والارتقاء بهذه النافذة الثقافية لتؤدي دورها الفعال ثقافياً ومجتمعياً كما يجب.
"ضحكات" للأطفال
في نفس السياق شاركت الفنانة "ياسمين حسامو" عضو اتحاد الحرفيين- جمعية الحرف التراثية، والحاصلة على شهادة خبير في الحرف التراثية بالضغط على النحاس من الاتحاد الأوروبي، شاركت في النشاط الفني الخاص بالأطفال والذي لا يقل أهمية عن النشاطات الثقافية الموجهة لبناء شخصية سليمة للطفل.
تشير "حسامو" في حديثها "لمدونة وطن" عن مشاركاتها من خلال معرض "ضحكات" الفني بدورته الخامسة في "مهرجان السنابل" وبدورته الأولى المستقلة ضمن نشاطات النقطة الثقافية للأطفال، وبدعم مديرية الثقافة بطرطوس، وبتعاون الموظفين القائمين في النقطة، ليكون خلاصة رحلة جميلة من جلسات الرسم، أقيمت طوال فترة الصيف، وضم المعرض 65 لوحة تقريباً من الرسم المائي (الإكليريك) ولوحات الريليف البارز المذهب، صنعها الأطفال بأياديهم المبدعة، بأعمار تفاوتت من 4 سنوات إلى 12 سنة، حيث قدموا نتائج فاقت التوقعات مقارنة بأعمارهم الصغيرة ليعطيهم هذا النشاط مساحات من الاطمئنان، ويطلق عنان إبداعهم الكامن، ما أعطى نتائج كانت مبهرة عبرت عن شخصياتهم الطفولية الدافئة.
وتشير إلى الأفق الواسع الذي ميز الأطفال من خلال حوارات تشاركية تبادلوا فيها الأفكار والرؤى للواقع من منظورهم، ليكون الرسم أسلوباً تربويا غير مباشر، يعزز ثقة الطفل بنفسه، وتلفت وتنوه "حسامو" إلى التفاعل المجتمعي الأهلي في قرية "بعمرة" ومتابعة الأهالي لمواهب أطفالهم ومنها الرسم، بالإضافة إلى مشاركتهم أجواء المعرض وافتتاحه.
وتختتم الفنانة "حسامو" حديثها بالتأكيد إلى أن غاية معرض (ضحكات) وكل المعارض السابقة هي رفع مستوى ثقة الطفل بنفسه وبقدراته وإنجازاته التي تستحق الإضاءة والوقوف عندها باهتمام، لنرفع بذلك من مستوى طموحه ونوّسع أفق أهدافه المستقبلية بثقة ومحبة.
وتأمل أن يلتفت المعنيون في المعارض القادمة إلى حل مشكلة النقل والمواصلات التي تعتبر مشكلة رئيسية أعاقت مشاركة النقطة الثقافية في معارض مشابهة، ضمن مراكز ثقافية أخرى في المحافظة .
نجاح مستمر
الشاب "طارق ديب" أحد أعضاء هيئة النقطة الثقافية في القرية يرى أن النقطة أضافت الكثير من خلال التفاعل الملحوظ الذي نراه عند الأطفال أثناء النشاط، مما يؤكد على أن هناك بصمة جميلة طبعت في عقولهم، والدليل هو رغبتهم المستمرة بزيارة النقطة واستعارة الكتب منها للمطالعة، وكذلك الحال بالنسبة للفئات العمرية الأخرى، والتي تكللت
بدعم كبير من قبل الأهالي الذين احتضنوا النقطة وسجلوا دوماً حضوراً لافتاً فيها.
ويشير "ديب" إلى مدى التعاون والتنظيم في العمل بين الفريق، الذي أشرف على عدة نشاطات ناجحة كالمحاضرات والندوات، والأمسيات والعروض، إضافة إلى أنشطة ترفيهية تثقيفية للأطفال، مؤكداً ضرورة تأمين مقر مناسب لهذه النشاطات التي تتطور باستمرار، ومن وجهة نظره يرى أن النقطة الثقافية بأنشطتها قادرة على صنع مستقبلٍ واعد للمجتمع رغم كل الصعوبات.