لم تقتصر نجوميته في الغناء الشعبي على مسقط رأسه في محافظة "القنيطرة"، فقد امتد صوت المطرب الشعبي "أبو سلطان" عبر الجنوب في سهل حوران وجبله، حتى غدى فناناً ذائع الصيت لا تحلو مناسبات الأفراح ولا تكتمل إلا بوجوده.

ولد "أبو سلطان" واسمه الحقيقي "أحمد البداح" في قرية "الصمدانية" في محافظة "القنيطرة" عام 1947، ثم انتقل إلى" السماقة" بالجولان، وبعدها إلى بلدة "المليحة" بالغوطة، وذلك بعد النزوح وأقام فيها حوالي خمس سنوات، لينتقل بعدها لبلدة "شبعا" المجاورة.

عاش "البداح" كفيفاً وظل كذلك حتى الآن، وقد أطلق عليه والده "أبو سلطان" بسبب حبه للغناء والطرب وهو اللقب الذي لازمه واشتهر به حتى اليوم.

موهبة وبصيرة

يتحدث المطرب الشعبي عن بدايات إصابته بالمرض الذي لازمه طيلة سنوات عمره، ويقول: "أصبت بمرض الرمد الربيعي منذ كنت رضيعاً وعمري ستة أشهر فقط، وحسب ما علمت فقد أصاب هذا المرض أطفالاً غيري، لكنني لم اتلقَ العلاج المناسب حينها، فأصبتُ بالعمى وأنا صغير، ولكنني تسلحت بالعزم والإرادة مع حبي للغناء وإلقاء الكلمات، وتمرست على ذلك بين البلدات والقرى المجاورة حتى صقلت الموهبة بالتمرن وأصبحت مطرباً شعبياً في الجنوب من (درعا والسويداء والقنيطرة) وغيرها من المحافظات".

ويضيف: "كنت أمشي من قرية "السماقة" بالجولان، إلى قرية "القلع" لوحدي من دون مرافقة أحد ورغم أنني فقدت البصر، إلا انني كنت أعرف الطرقات بقدرة رب العالمين، حتى أنني ومنذ عشر سنوات كنت أزور دولاً مجاورة كالأردن ولبنان بمفردي".

من السهل إلى الجبل

بدأ "أبو سلطان" الغناء، منذ كان عمره 21 عاماً، وقد اشتهر بصوته الجبلي الصداح وطبقة صوته العالية، وحضوره الراقي خلال خمسة عقود ونيف من الزمان، قضاها بين ثنايا بازلت حوران، وهضاب الجولان القاسية، حتى تمكن من أن يصل بشعبيته وجماهيره الواسعة إلى النجومية المطلقة، وهو الذي شارك في حفلات ومناسبات عديدة شعبية ورسمية ووطنية، غنى للوطن وارتجل كلمات كثيرة في نفس اللحظة، لتغنى من بعده في أعراس أخرى، كما شارك بمهرجانات عديدة من أهمها مهرجان "الجولان الأول والثاني للتراث الشعبي".

استطاع الفنان "البداح" والذي وصفه البعض "بالذهب العتيق"، أن يمتلك جمهوراً عريضاً، ليس في "سورية" فحسب بل في الدول المجاورة، ويسجل له بأنه من أوائل المطربين الذين غنوا أغنية "ردي شعراتك ردة على ردة خلي شعراتك لراسي مخدة"، وهي التي غناها في التسعينيات، إلا أن ثمة من أخذها وغناها ونسبها لنفسه، حتى تمكن "أبو سلطان" بموهبته من تعديل أغنية "على الريش" التي تصدح بالأعراس ويعود أصلها إلى منطقة الخليج، فقام بتعديل بعض الكلمات، ثم صارت لوحة تراثية خالدة غناها عنه أغلب الفنانين الشعبيين في "سورية" و"الاردن"، وهي أغنية شعبية موجودة اليوم على وسائل التوصل الاجتماعي على اليوتيوب، هي وغيرها من الأغاني ولها آلاف المتابعين.

أقام مطرب الجولان، الكثير من الحفلات في "سورية" من شمالها لجنوبها، خصوصاً أنه يمتلك مقدرة على مواصلة الغناء لساعات طويلة من دون تعب، فخلّد بصوته (الدلعونا وزريف الطول والجفرا والهجيني والدحية والجوفية) ، والكثير من الأغاني التراثية، وذلك برفقة العديد من شعراء المجوز، فضلاً عن امتلاكه موهبة الغناء الارتجالي، وتعد أغاني "عالبير الغربي" و" يا زريف الطول" من أجمل ما غنى الفنان "أبو سلطان".

شعبية وتراث

حقق المطرب "أبو سلطان" خلال مسيرته التي استمرت لعقود، جماهيرية منقطعة النظير فبات أشهر من نار على علم.

يقول الأستاذ محمد الشحادة من أبناء القنيطرة: "أبو سلطان" صوت من الصعب تعويضه، تمكن بغنائه وشعبيته، أن يمتلك قلوب الناس.. عرفه الصغير والكبير، وباتت أغانيه تردد على كل لسان في السهرات والأعراس، فكلماته وأغانيه مستوحاة من التراث الشعبي، وهو أحد أعمدة الفن الشعبي كأقدم مطرب شعبي في جنوب "سورية" وشمال "الأردن"، ولا يكاد بيت من بيوت المنطقة يخلو من تسجيلات وحفلات "أبو سلطان"، بل حتى المغتربون من أبناء المنطقة أدخلوا صوته عبر التسجيلات في حفلاتهم ودبكاتهم، في بلاد الاغتراب بدول الخليج والدول الأوروبية".

وحول الأغنية الشعبية في التراث يرى الباحث في تراث الجولان "محمد الفياض" أن الغناء الشَّعبي موروثٌ مُتعدد المقامات، يلتقطهُ أَصحاب الموهبة وخاصة المُتمرسين والمُخضرمين في حقل الفن، بغية استثماره بقوالب جديدة تنتقلُ عبر الفضاءات الأخرى، لتصبح فيما بعد أغنية هادفة لها حقوق فكرية كالأدب والشعر ، خاصة أن المطرب الشَّعبي موهبة ولدت مع الحاجة.