الخبرة التراكمية العالية والمهارة بالتعامل مع أصعب الصيانات الإنشائية التي تطول جميع أجزاء السفينة، وانخفاض التكاليف المادية والدقة في مواعيد الاستلام والتسليم، كل ذلك دفع القبطان "علي العال" لإحضار السفينة الأجنبية التي يديرها لميناء "بانياس" لصيانتها وإعادة تعميرها.
عوامل جذب
يشير القبطان "علي" إلى أن عمليات صيانة وتعمير سفن الشحن المتوسطة والكبيرة التي يقوم بها صناعيون متخصصون وحرفيون مهرة في ميناء مدينة "بانياس"، اكتسبت شهرة وصيتاً واسعاً، وذلك بالرغم من عدم توفر كامل البنى التحتية المساعدة في الميناء كونه ميناءً للصيد والنزهة فقط، ما جعل الميناء قبلة للسفن المراد تعميرها.
ويرى القبطان "علي" أن صناعة السفن وتعميرها في ميناء "بانياس تتفوق في كثير من تفاصيلها على ذات الصناعة في الموانئ العربية والإقليمية ، فضلاً عن انخفاض التكاليف حيث تعمد الخبرات المحلية في الميناء على إعادة تدوير بعض المعدات والقطع الهيكلية، ناهيك عن أجور الترصيف البحري المناسبة جداً والتي تساهم أيضاً بانخفاض التكاليف العامة لعمليات التعمير.
مهارات وخبرات
وتشكل مهنة تعمير السفن واحدة من أهم المهن البحرية التي تميز بها السوريون في مدينة "بانياس" منذ عقود طويلة، وذاع صيتهم في مختلف الدول العربية والإقليمية، وبات العاملون فيها بمختلف اختصاصاتهم مطلوبون للعمل في أهم الأحواض البحرية الجافة الخاصة بصيانة وصناعة السفن، فيما يعد الحرفي "جلال طه" بمثابة شيخ كار صيانة وتعمير السفن لمدونة وطن، وهو الذي تم طلبه للعمل في عدة دول عربية وإقليمية مختصة بهذا النوع من الأعمال البحرية، ويكاد يكون من أهم العاملين في هذه المهنة المتوارثة بالنسبة لأسرته.
عُرفت ورشة العمل الخاصة بالحرفي "طه" بالتزامها بالمعايير العالمية للسلامة البحرية، رغم أن تعلمه للمهنة لم يكن أكاديمياً، وإنما كانت بالممارسة واكتساب الخبرة من العمل بالمعدات والآليات الثقيلة وعمليات صيانتها، ليتعلم فيما بعد عمليات قراءة المخططات الهندسية البحرية وآلية ضبط التوازن للسفينة مهما كبرت حمولتها، فالسفن تقاس أحجامها بحمولتها.
الخبرة التراكمية المكتسبة بالعمل والمستمر منذ أن كان يافعاً صغيراً، لم تبقَ حكراً عليه وحده بل ساعد على إكسابها لمن يرغب ويحب العمل البحري، فبات معلماً لجميع الراغبين بالعمل وتعلم المهنة، التي يعد الانضباط والالتزام والصدق والمهارة أهم قواعدها، حسب قوله، ما شكل بالنسبة له أسرة كبيرة قوامها نحو /500/ حرفي ومساعد حرفي في ورشته الصغيرة أو كما يسميها بأسرته الثانية، وهذا ما جعل منه علماً في عالم صيانة وتعمير السفن.
صناعة وتعمير
سفن أجنبية وعربية ومحلية كثيرة أشرف الحرفي "طه" على إنشائها بأبسط الإمكانيات، منها "تشرين- بشار- عبود- فرح ستار1- فرح ستار2"، والكثير منها صنعها من ألفها إلى يائها وفق مخططات هندسة بحرية عالية الدقة والاتقان، يقرؤها خلال العمل كما يقرأ أي ورقة عادية بسيطة، ويعتمد في هذه القراءة على خبرته التي تأطرت بعلاقاته المحلية والعربية والإقليمية، وعمله فيها مع مختصين وفنيين من مختلف الجنسيات والمستويات المهنية، فأصبح العمل بالنسبة له إجراءً روتينياً، ما دفعه لتطويره دوماً، حيث بات يضيف أجزاء ضخمة على سفن يرغب أصحابها بإجراء تعديلات عليها، كأن يضيف عدة عنابر على مؤخرة السفينة، أو أن يغير في مواصفاتها وطبيعة حمولتها من شحن مواد ثابتة إلى شحن مواشي، وهذا يتطلب منه دراسة مختلفة لنجاح العمل والنتائج.
إعادة تدوير
نجاحه في عمليات بناء وصيانة وتعمير السفن رفعت من أسهم ورصيد الحرفي "طه"، وهو أهلّه لكسب الرهان وإعادة تدوير المواد الأولية والاستفادة من الموارد المتاحة، حيث تمكن من تقطيع سفينة متوسط وإعادة تدوير المواد الناتجة عنها لبناء سفينة أخرى بمواصفات بحرية عالية الجودة، وهذا ما أكسبه شعبية وصيتاً في عالم صناعة السفن وتعميرها، ناهيك عن الالتزام الذي يبديه خلال العمل بينه وبين الحرفيين العاملين لديه، وبينه وبين مدراء السفن المراد تعميرها، وهذا كان له الأثر الإيجابي الكبير في توفير التكاليف والأعباء المادية التي يدفع غالبها بالقطع الأجنبي.
يؤكد القبطان "خليل بهلوان" مالك سفينتي "فرح ستار1و2"، أن الحرفي "جلال طه" أتم بناء السفينتين بما يتطابق مع معايير ومتطلبات السلامة البحرية وفق النظام العالمي بأدق التفاصيل وبزمن قياسي، رغم ضعف الإمكانيات المتوفرة بين يده محققاً وفراً مالياً وزمنياً كبيرين، حتى أنه يقاطع المخططات الهندسية مع خبرته لاكتشاف أي خلل مهما كان بسيطاً، ويقوم بتعديله ومعالجته فوراً، وتمنى أن يتم دعم هذه الصناعة المحلية بتقديم التسهيلات للحصول على الطلاء البحري الخاص والمحروقات بمختلف أنواعها والألواح المعدنية، والتي تدخل جميعها في العمل، حيث يلاحظ ضعف في تأمينها والحصول عليها، مما يؤثر على العمل بشكل عام.