وحيدة هي أشجار التين التي ما زالت تحتفظ بحكايا الآباء والأجداد، لتقصها على من جاءها إلى الكروم من أحفادهم قاطفاً لثمارها، فرائحة من غرس نبتتها في كروم جبل العرب، منذ منتصف القرن التاسع عشر، ما زالت تنثر عطرها في كل الأرجاء، ليشتمها الأبناء وليبقى نهر الحياة جارياً من دون انقطاع.

ذكريات عابرة

يقول المزارع السبعيني "رامز مفرج" لمدونة وطن eSYria": "مع إشراقة شمس آب وبعد أن تصبح أكواز التين عسلية المذاق، ينطلق الأب من بين أبنائه إلى الكرم أو البستان حاملاً سلته المخصصة للتين والعنب، لياتي بها إليهم مملوءة الثمار".

يتابع الرجل السبعيني حديثه وكله شوق لأيام ذلك الزمن الجميل، حيث كانت الترويقة الصباحية لا يحلو طعمها إلا تحت أغصان تلك التينة، التي يكاد لا يخلو منها منزل من منازل قرى وبلدات "السويداء" القديمة، فأشجار التين على ساحة المحافظة ليست وليدة اليوم، فقد أبصرت نور الولادة الزراعية، منذ أن وطأة أقدام من جاء جبل العرب ساكناً، فمن يتصفح السجل الزراعي لأشجار التين، حسب قوله، سيكتشف أنها من أقدم الأشجار المثمرة التي غرسها من سكن هذه المنطقة.

رامز مفرج

ولأشجار التين وثمارها ذكريات مع الأهل لا تزال محفوظة في دهاليز بيوتهم القديمة، يستذكرها "مفرج" بشيء من الحنين، "فرائحة التين المجفف التي قامت بتصنيعه الأمهات والجدات مع بدايات القرن العشرين، ما زالت تعبق مسكاً وطيباً في أرجاء البيوت القديمة، نتذكرها ونتوق إليها شوقاً كلما صادف مرورنا من أمام هذه الأشجار المعمرة، التي افتقدت أنيسها وونيسها في تلك الكروم، فمن يجالسها ويستنطقها من الأحفاد عن حكايا تلك الأيام وأحداث ذلك زمان، فستجيبه أغصانها التي ما زالت روح الحياة تنبض بها عن ذكريات من عبر ومر واتكأ تحت ظلها".

طقوس متوارثة

بدورها تستعيد السيدة "أم غسان" ذكريات أيام مضت كانت تقضيها بصحبة الأهل في كروم التين، وتقول: من منا نحن جيل الأربعينيات والخمسينيات لا يتذكر كيف كانت أمهاتنا وجداتنا، يذهبن كل يوم جمعة إلى كروم التين، ليقطفن الثمار التي استوت، وليعدن بها إلى المنزل، ويبدأن بصناعة التين المجفف، التي تعد من العادات المتوارثة منذ القدم عند أهالي "السويداء"، فبعد قطاف التين الأخضر يتم تيبيسه على أسطح المنازل الطينية، وفي كثير من الأحيان كانت المرأة الريفية إضافة لتجفيف التين، تقوم بصناعة مربى التين".

السيدة أم غسان مفرج

وتعود السيدة بذاكرتها إلى الوراء ثلاثين عاماً لتقول: "لا تزال رائحة مغلي التين المعطر باليانسون ساكنة في كل زاوية من زوايا بيوت الأهل".

دواء وغذاء

وتعد زراعة التين في "سورية" عموماً وفي محافظة "السويداء" خاصة، قديمة وتعود للقرن التاسع عشر، وهي متعددة الأنواع منها البياضي والخضيري، وكعب الغزال، والغزلاني الخ.

ويشير مدير زراعة السويداء المهندس "أيهم حامد إلى أن التين يتمتع بفوائد صحية عديدة لكونها غنية بالفيتامينات والمعادن والألياف، إضافة لاحتوائها على نسبة كبيرة من السكر والأملاح المعدنية الرئيسية، مثل الكالسيوم والفوسفور وفيتامين سي، ولها فوائد صحية مثل التخلص من حب الشباب والبثور والوقاية من الإمساك وارتفاع ضغط الدم والحماية من سرطان البروستات، ويفيد العصير الأبيض المأخوذ من حامل ثمرة التين غير الناضجة في علاج الجهاز التنفسي، فهذا العصير له تأثير قابض، ويعالج التين الإمساك ويفيد بشكل خاص الحوامل وكبار السن.

و يختم "حامد" حديثه بما تتميز به أشجار عن غيره من الأشجار المثمرة بقدرتها على الحياة في مواقع بيئية مختلفة من السهل إلى الجبل.