رئة المحافظة وعنوان الهدوء والجمال العلامة الفارقة في خريطة السياحة الصيفية والشتوية محلياً وعربياً وحتى عالمياً أنها منطقة صافيتا المشهورة بجبالها الخضراء وينابيعها العذبة.

تنوع أخضر

يقول المهندس الزراعي "علاء علي" في مشتى الحلو: إن غابات صافيتا من أجمل غابات سورية المنتشرة على مساحات شاسعة, تعيش فيها أنواع لا تحصى من الأشجار والنباتات منها الحراجي ومنها المثمر, وتحتوي على أعشاب حولية ومعمرة شتوية, لكنها تعرضت على مدى سنوات للعديد من العوامل التي أدت إلى تراجعها كالحرائق, أو نتيجة المناخ والاحتباس الحراري والجفاف من جهة, أو عوامل من صنع الإنسان نفسه كاستنزاف المساحات الخضراء في سبيل تشييد المباني أو الرعي الجائر من جهة ثانية. ولفت "علي" إلى انتشار العديد من الأشجار في المناطق الحراجية ضمن غابات صافيتا والقرى المحايدة لها كأشجار الصنوبر, الريحان, القطلب, السنديان, الزعرور, الآس, الغار والبلوط. وتضم أيضاً أشجار مثمرة كالتفاح, اللوزيات, دراق, سفرجل, عنب, تين, رمان, زيتون ولا يخلو الأمر من بعض الأشجار الدخيلة مثل الأكيدنيا والكيوي والبندق، ناهيك عما تنعمه الأرض من الأعشاب البرية التي تنمو في الطبيعة وتصلح للغذاء البشري كلسان الحمل والخبيزة والسلبين وغيرها أنواع بتسميات متعددة .

رافق هذا التنوع الكبير في البساط الأخضر وجود كائنات حية تعيش فيه لتكتمل دورة الحياة البيئية, فضمت أنواعاً متنوعة من الحيوانات البرية كابن آوى, غرير العسل, والزواحف بأنواعها, والسنجاب البري والسلحفاة والثعلب والضبع والخنزير كذلك القنفذ وابن عرس وبعض أنواع الطيور كالدرغل والسمّن والحجل والغراب والشحرور, بالإضافة إلى أبو الحناء, البلبل, الباشق, النسر وغيرهم الكثير, كذلك حيوانات مدجنة مثل الأبقار والماعز والأغنام ومزارع الدجاج وغيرها .

المهندس الزراعي في إرشادية المشتى علاء علي

قدسية المكان

محمية جبل النبي متى

حسب "علي" تشتهر منطقة صافيتا بجبالها الحراجية, يذكر منها "جبال عين عفان" التي تقع على طريق عام بين صافيتا ومشتى الحلو, وتحتوي على الأشجار الحراجية مثل السنديان والصنوبر الثمري والصنوبر البيروتي والكينا والبلوط وتبلغ مساحتها 15هكتاراً, بالإضافة إلى عدة قمم جبلية أخرى مثل جبل النبي متى ذي الينابيع التي يزيد عددها على 300 نبع .

وجبل السيدة العذراء, الذي يرتفع 600 متر عن سطح البحر, يقع في الجهة الشمالية الغربية من قرية الكفرون، ويعد محجاً للمؤمنين من كافة الطوائف حتى اليوم. وتزامناً مع أهمية الجبل التاريخية والدينية, استحوذ جبل السيدة على عدسات المصورين والزوار نسبة إلى جمال المنظر المحيط به والإطلالة الساحرة على الوادي والقرى التي فيه, كما توزعت على قمته أشجار السرو والصنوبر والغار. يقابله جبل السايح وجبل السن تغطيهما مجموعة من النباتات البرية وأشجار السرو والسنديان والبلوط والآس ويتموضع جبل المشتى في الجهة المقابلة له .

قمة جبل السيدة

مشروع حراجي

على طريق عام "شين - مشتى الحلو" تقع غابة "ظهر القصير" التي تقدر مساحتها ب 1500 هكتاراً من المساحة الخضراء, بجهود الفلاحين الذين قاموا بتشجيرها قبل حوالي 35 عاماً كما يقول المهندس الزراعي "حنا حنا" من قرية بطار, فامتدت الغابة على بساط من الوديان والهضاب والسفوح ويبلغ ارتفاعها 1050 م عن سطح البحر. وقد بدأ العمل بمشروع ظهر القصير الحراجي عام 1970, وتمت زراعته بعدة أنواع من الأشجار, كان لشجرة الكستناء الحصة الأكبر بنسبة 35% مقارنة مع باقي الأشجار الأخرى, كما يضم مشروع "ظهر القصير" مواقع لم يمسها التشجير الصناعي كغابات حدية وبتيسة الجرد, التي تنتشر فيها أشجار الغار والسماق والزعرور والصفصاف وغيرها, مع الإشارة إلى غنى الغابة بالحياة البرية كالضباع والثعالب والأرانب, والعديد من الطيور. ويشير "حنا" إلى تأثير الغابة على مناخ المنطقة الذي يتميز ببرودته شتاء واعتداله صيفاً, حيث ترتفع كمية الهطولات المطرية والثلوج في فصل الشتاء. لتشتهر المنطقة بجوها النقي بعيدا عن الملوثات نتيجة كثافة الأشجار المذكورة و انتشار الينابيع, هذا المناخ الذي شجع على بناء المنشآت السياحية التي استقطبت السياح من جميع المحافظات .

مقصد سياحي

يتابع "حنا" حديثه بالإشارة إلى محمية جبل النبي متى من أهم المحميات في سورية, في محافظة طرطوس وتشكل بتنوعها البيئي والحيوي لوحة بديعة, مكللة بمناخ رائع و ثروة مائية تعد الأنقى في المنطقة, مساحة الموقع حوالي 650 هكتاراً من الأشجار الحراجية, اكتسح 200 هكتار منها لصالح شجرة الكستناء.

وتتميز هذه الغابة بوجود أشجار الصنوبر والكستناء وهي موقع تحريج اصطناعي متميز, تم تشجيره منذ عام 1976 بالأنواع النباتية المتنوعة والأشجار كالصنوبريات بأنواعها, وأشجار الأرز اللبناني, والسرو والشوح, وتعيش فيها حيوانات مختلفة كالخنزير والضبع والذئب والقنفذ, وأنواع طيور كالشحرور, الحجل, الباشق, النسر والغراب كما يوجد ضمن المحمية وعلى قمة الجبل بناء صغير يقال إنه ضريح النبي متى, بداخله قبر بطول ستة أمتار يزوره الناس المحليون للتبرك.

مورد رزق

"أبو إبراهيم" في العقد الثامن الذي اعتمد مهنة بيع المياه النقية من ينابيع جبل النبي متى والنبي صالح وبيعها في صافيتا وقراها المجاورة على مدى 26 عاماً, لتكون أنذاك المورد الاقتصادي الرئيسي له. وأثناء خط سيره اليومي على الطرقات العامة لاحظ تبدل جغرافيا المكان بوتيرة سريعة. بسبب اجتياح الإسمنت على حساب البقعة الخضراء وبناء الجمعيات السكنية أو المنشآت السياحية, ما ترك أثراً سلبياً في نفس الشيخ, هذه الجبال التي كانت مورد رزق لجميع العائلات في السابق, بما توفره من نباتات وأشجار برية إضافة إلى زراعة أوراق التبغ كوالده حيث يجتمع الرجال والنسوة لقطاف الأوراق في شهري تموز وآب, وتجهيزها ليتم بيعها , في طقس اجتماعي عائلي جميل.