لم تغب الحاكورة عن حياة أبناء جبل العرب، وهي المساحة التي تزرع أمام المنزل الريفي وذلك لاستثمارها في إنتاج الخضار وتغطية الاحتياجات المحلية، واليوم يعود الاهتمام بها بشكل أكبر بعد ارتفاع اسعار الخضار في الأسواق.

تراث أصيل

حول طبيعة الحاكورة في تاريخ وواقع جبل العرب يوضح الكاتب والباحث التراثي "محمد طربيه" لموقع مدونة وطن eSyria أن الحاكورة أمام المنزل هو نمط اجتماعي تاريخي يدخل في فن العمارة بتراث جبل العرب، إذ قل ما تجد منزلاً في المناطق الريفية أو ضمن مساحات المدينة الواسعة إلا وتجد حاكورة ملحقة، أو ما عرفت لاحقاً بالحديقة المنزلية، ولكن هناك فوارق في طبيعة التسمية واستثمارها.

ويضيف: "تعد الحاكورة اليوم حاجة ملحة بعد فترة الاستكانة التي أصابت الناس خلال العقود الماضية، والابتعاد عن الإنتاج الزراعي والشراء المباشر من الأسواق، ولكن مع زيادة تكاليف الإنتاج ومستلزمات العمل الزراعي وارتفاع أسعار الخضار والفواكه بشكل كبير، ومع ضعف القوة الشرائية وانعكاسها السلبي على الحياة المعيشية اليومية، عاد الكثيرون لاستثمار المساحات المهجورة من بيوتهم في المدينة والريف وزراعتها من جديد، وسد الفجوات الغذائية، خاصة وأن معظم الخضار التي تأتي بغير موسمها معظمها يحتوي على بقايا كيميائية، وبالتالي رأى الناس أن تغطية احتياجات الأسر من الخضار وبعض الفاكهة، لا تتم إلا من خلال استثمار وإعادة زراعة الحواكير، وهو التقليد التراثي الذي استخدمه الأهل سابقاً وكانوا يعتمدونه لتأمين المؤن خلال مواسم العام كل فصل على حدة".

المهندس جواد شرف

دعم الانتاج

الحاكورة بجانب المنزل

المهندس الزراعي "جواد شرف" الباحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، مركز "السويداء" يرى أن أحدث الدراسات الاقتصادية المتعلقة بالقطاع الزراعي، أشارت أن كل مساحة مستثمرة في المنزل تصنف ضمن الحيازات الزراعية الصغيرة أي المنزلية بحيث لاتتجاوز مساحتها 300 متر، وهي تنتج يومياً ما لا يقل عن أربعة كيلو غرام من الخضار، وهذا مؤشر على أن الأسرة الواحدة المؤلفة من أربعة أشخاص يمكن أن تسد احتياجاتها الغذائية، وتحقق نوعاً من الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الضرورية، إن كان خضاراً أو فاكهة.

وينوه المهندس "شرف" إلى أن تاريخ محافظة "السويداء" وبيوتها القديمة ورغم الزحف العمراني، ظلت فيها الحاكورة هي النمط التقليدي التراثي التاريخي السائد، بحيث قل ما تجد مكاناً في أحياء المدن، أو المناطق المتطرفة من المدينة إلا وتجد منازلها محاطة بحاكورة مزروعة بأنواع وأصناف متنوعة من الخضار واشجار الفاكهة.

الباحث محمد طربيه

ويضيف: "هي ظاهرة مميزة لو أحسن استثمارها لتغطية السوق المحلية من الحيازات الصغيرة، وهي تدعم الإنتاج المحلي كما في المشاريع الصغيرة التي من شأنها تنشيط الاقتصاد والحركة الشرائية بأقل التكاليف والأسعار على المستهلك، ويمكن القول إنها تدخل في تنمية الإنتاج المحلي وتشكل نسبة من شأنها رفد الاقتصاد الوطني".

اكتفاء ذاتي

بدوره يشير "جودت كمال" وهو من أهالي مدينة "السويداء" إلى أن الحيازات الزراعية التي عرفت قديماً بالحواكير، عادت اليوم لتسد احتياجات العديد من الأسر، بعد ارتفاع أسعار الخضار، حيث عاد كثيرون لزراعة ما يمتلكون من حيازات صغيرة واستثمارها في الزراعة، واستخدام أساليب الري بالتنقيط لزيادة الإنتاج بعد أن أثبتت الدراسات الحديثة أن استخدام الري بالتنقيط مع زراعة مساحة بسيطة لا تتجاوز مساحتها خمس عشرة ضرب خمس عشرة متر تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضار وبعض أشجار الفاكهة.

ويختم "كمال" حديثه بالقول: "أنا شخصياً أقوم بزراعة حاكورة في منزلي من أنوع الخضار كالبامياء، والبندورة، والنعنع، واليقطين، وغيرها، وهناك من يزرع النباتات الطبية، وكذلك الأشجار المثمرة مثل الزيتون أو الكرمة، وفق طبيعة المنطقة وملائمتها للزراعة"..