تشكل ساحة الفرسان في قلب مدينة "السويداء"، معلماً اجتماعياً وتاريخياً، فهي وإن جاء تشييدها بالشكل التي هي عليه قبل نصف قرن تقريباً إلا أنها حملت العديد من الحكايات والمواقف التي تختزنها الذاكرة الجمعية، بين الماضي والحاضر.

حكاية الفرسان

يشير الباحث "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع مدونة وطن eSyria أن الدراسات التاريخية للعديد من الباحثين حصرت تسميتها وفق لقبها "الفرسان"، إذ كانت تستثمر من أهالي "السويداء" منذ سكنى الجبل قبل ثلاثة قرون كميدان لسباقات الخيل واستعراضها أو لتدريب الفرسان، وكانت تمتد منها وصولاً من مكان الطريق الشرقي الواصل إلى مكان الهندسة حتى طريق المشفى الوطني اليوم.

ويتابع "طربيه" حديثه بالقول: "كانت التجمعات الأهلية تقام عليها سواء للأفراح أو الأتراح، وبجوانبها كانت تحتوي على مطحنة، لذلك كان أغلب أفراد المجتمع تاريخياً يطحنون قمحهم على الخيل، أو يملؤون الماء بجرار توضع على جراب الخيل، وهذه الخيول كانت تجتمع جميعاً في الساحة، ولهذا سميت "ساحة الفرسان"، وبعد صدور قانون الإدارة المحلية وضعت الخطط اللازمة لتطوير الساحة".

الباحث محمد طربيه

ويشير الكاتب "طربيه" إلى العلاقة المجتمعية التي تربط هذه الساحة بتلك الأحداث والوقائع التي كانت تجري، مثل لقاء المجتمع الأهلي لحل النزاعات الخلافات، فأثناء حل تلك النزاعات كانت تحدث إشكاليات اجتماعية وخلافات وتحل بها، وهكذا أخذت طابع الفرسان والفراسة في إيجاد الحلول الناجعة في اللحظة المناسبة.

تطور عمراني

بدوره يوضح "أكرم حديفة" عضو مجلس محافظة "السويداء" ومدير البريد الأسبق المجاور لساحة الفرسان، أنه ونتيجة للزحف العمراني الذي طرأ بعد صدور قانون الإدارة المحلية، تم وضع الخطط الهندسية الخاصة بالساحات والحدائق، وقد خضعت ساحة الفرسان إلى مخطط هندسي حمل أشكالاً متنوعة تحمل دلالات مختلفة، لتكون معلماً ذا دلالة للقادم من الجهات الأربع داخل مدينة "السويداء" وخارجها.

جانب من ساحة الفرسان

ويضيف "حديفة": "دخلت الساحة الحياة الاجتماعية مجدداً حيث بات يتم التجمع او الاستدلال من خلالها، خاصة وأن هناك دوائر رسمية باتت محيطة بها مثل دائرة البريد والذي يشغل مبناه مساحة واسعة بجانب الساحة، وهناك أبنية سكنية وغيرها من الخدمات المجتمعية، ويتفرع من الساحة ستة مفارق تتفرع كل منها باتجاه لتصل لحي من أحياء المدينة، وهذا ما أكسبها خصوصية منذ نصف قرن إلى يومنا هذا، أما قبل ذلك فقد كانت ساحة ترابية محاطة بمطحنة تعود ملكيتها إلى "آل أبو الفضل"، ويحيط بها السكن وخاصة العائلات المعروفة بالسويداء "آل الفقيه".

رمز للشهادة

يذكر الصحفي والموثق "رياض نعيم" أن ساحة الفرسان المشهورة والمعتمدة منذ ما ينوف عن نصف قرن لم تكن تسميتها عبثاً بالفرسان، فقد حملت أحداثاً تاريخية مهمة في التاريخ المعاصر، وكان للشهادة والشهداء مكانة فيها، فهي رمز للفروسية والنضال التاريخي وكذلك هي اليوم معلمٌ من معالم تجسيد قيم الشهادة والشهداء، ولذلك فقد اتخذت القرارات اللازمة على أن تسمى حديثاً باسم ساحة الشهيد العقيد الطيار "كمال جدعان العبد الله" الذي استشهد في السادس عشر من شهر كانون الثاني من عام 2014، وتم تدشينها بشكل رسمي وشعبي وأهلي، وهي اليوم باتت معروفة بهذا الاسم إضافة لاسمها الراسخ في الذاكرة الشعبية والأهلية باسم "ساحة الفرسان" لتكون امتداداً حقيقياً يصل الماضي بالحاضر، ومعلماً وإرثاً تاريخياً ووطنياً يحمل بين حجارته البازلتية الكثير من الحكايا الاجتماعية الوطنية.

الموثق رياض نعيم