لم يكد يمضي سوى ثلاثة أعوام فقط على إطلاقها مشروعاً لزراعة الزعتر الخليلي، حتى تمكنت المهندسة "فاتنة النمر"، من الوصول إلى مبتغاها في نشر زراعة هذه النبتة العطرية الطبية، والتي حققت من خلالها مورداً مادياً جيداً، وفيما كانت البداية من قطاف وتجفيف أوراق وأغصان الزعتر الذي زرعته في حديقة منزلها أولاً، توسعت "النمر" بتجربتها ليصبح مشروعها الخاص الذي تسعى إلى تعميمه لكل راغب بالزراعة.

فكرة المشروع

انطلقت فكرة زراعة الزعتر لدى "النمر" من الحاجة لزراعة نباتات تتأقلم مع البيئة، واعتمادها كمصدر لإنتاج مواد غذائية وطبية، وهكذا اختارت بدايةً زراعة نبات الزعتر الخليلي باعتباره نباتاً معمراً ويتأقلم مع ظروف البيئة الجافة كبيئة محافظة "السويداء"، ويبقى في الأرض الدائمة حتى سبع سنوات، فهذه حالة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها لإنتاج مشروع ينبه لفائدة النبات وإمكانية إنتاجه بالاعتماد على إجراءات زراعية قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

تم الإعلان عن انطلاقة المشروع بمبادرة توزيع مجاني لشتول الزعتر الخليلي، ثم من خلال المبادرة تم توزيع أكثر من ثلاثة آلاف شتلة لأماكن مختلفة وخاصة للحدائق المنزلية، كل ذلك بهدف نشر زراعة هذه النبتة المميزة الجميلة بشكلها والغنية بفوائدها والاقتصادية بربحيتها، إضافة إلى أهميتها من حيث إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي لكل أسرة من مادة زعتر المائدة مستقبلاً

المهندسة "النمر" التي باشرت العمل في بقعة لا تزيد على حديقة صغيرة بجانب مسكنها، عملت على تطوير الفكرة لإيجاد مشروع خاص بالزعتر الخليلي مستفيدة من بذور أصيلة من مشروع "استدامة" الذي سبقها لهذه التجربة.

المهندسة فاتنة النمر في مشروعها عطر الأرض

تقول المهندسة: «يحتاج الزعتر إلى القليل من العناية في المراحل الأولى من زراعته، وهو نبات مقاوم للأمراض والحشرات ولا يحتاج للتسميد الكيماوي، لكنه محب للأسمدة العضوية، يعتبر ذا إنتاجية جيدة بدءاً من السنة الثانية للزراعة، حيث ينتج الدونم الواحد حوالي مئة وخمسين كغ إلى مئتي كيلو من الورق الجاف، لذلك قمت بمساعدة عائلتي بتجهيز الأرض وبناء خزان الماء و مد شبكة ري التنقيط، وكانت البداية عندما قمت بزراعة بذور الزعتر التي تم الحصول عليها من مشروع "استدامة" كمصدر موثوق لضمان النوع (الزعتر الخليلي origanum syriacum) وأنا ممتنة لعطائهم الكريم».

عطر الأرض

أطلقت المهندسة "النمر" على المشروع اسم "عطر الأرض"، وكانت البداية في شهر تشرين الأول من عام 2020 بزراعة الشتول، والتي نقلتها إلى الأرض الدائمة بنهاية شهر أيار 2021، حيث تمت العناية بها من تسميد عضوي وري وتعشيب وكافة الإجراءات الزراعية التي تابعتها وهي الآن في بداية الموسم الثالث.

قطاف أغصان وأوراق الزعتر

تبنت "النمر" مشروع نشر الزعتر الخليلي لعدة غايات -كما تقول- أولها التعريف بالنبتة، وثانيها توسيع انتشارها، فضلاً عن تقديم فرصة اقتناء الشتول في كل منزل والتوسع لتحقيق الاكتفاء الذاتي فكانت المبادرة بنشر شتول مجانبة باكورة إنتاج مشتلها.

وتضيف: «تم الإعلان عن انطلاقة المشروع بمبادرة توزيع مجاني لشتول الزعتر الخليلي، ثم من خلال المبادرة تم توزيع أكثر من ثلاثة آلاف شتلة لأماكن مختلفة وخاصة للحدائق المنزلية، كل ذلك بهدف نشر زراعة هذه النبتة المميزة الجميلة بشكلها والغنية بفوائدها والاقتصادية بربحيتها، إضافة إلى أهميتها من حيث إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي لكل أسرة من مادة زعتر المائدة مستقبلاً».

خطار عزام ولقطات من تجربة الزراعة للزعتر

المشروع في سنته الثالثة يحقق عائدية جيدة، حسب قولها، حيث يتم التركيز في الموسم الحالي على تسويق الزعتر كورق أخضر يستخدم في التناول الطازج أو مع السلطات والفتوش أو حتى لصناعة الفطائر والمعجنات، وفي ذات الوقت يتم تجهيز قسم منه للتسويق كمجفف، حيث يؤمن المشروع فرصة عمل لأكثر من شخص من خلال أعمال التوريق و القطاف.

تعتبر المهندسة أن تكثيف مشاريع الزعتر ونشرها منزلياً على مستوى مشاريع كبيرة يساعد في استثمار الأراضي ويعد فرصة لإنتاج زعتر المائدة محلياً، مشيرة إلى طموحاتها المستقبلية للتوسع بزراعة أنواع أخرى من النباتات الطبية والعطرية والانتقال لمرحلة التصنيع الغذائي لمادة زعتر المائدة وتسويقه كمنتج جاهز للاستخدام.

مبادرة مجانية

مشروع الزعتر الخليلي الذي أطلقته "النمر" وجد تجاوباً واستحساناً لدى كثيرين منهم "خطار عزام " وهو موظف متقاعد، والذي تواصل معها للحصول على شتول مناسبة لحديقته المنزلية حيث زرع قرابة عشرين متراً بالزعتر الخليلي ورعاها لتستمر لغاية هذا التاريخ بشكل مناسب ومنتج.

يقول "عزام": «يحسب للمهندسة "فاتنة" جهدها في زراعة الزعتر ونشره، وقد استفدت من مبادرتها لتوزيع شتول مجانية على عدد كبير من المستفيدين، والأهم أنها تابعت تقديم الخبرة العلمية والإجابة على الاستشارات، مما ساعدني على المحافظة على الشتول والاستفادة منها في حديقة منزلي في قرية "تعارة".. أتمنى أن أتمكن من زيادة المساحة المزروعة حيث أن الإنتاج جيد ورعاية الزعتر عملية سهلة وغير معقدة».

توظيف الكفاءة

المهندسة "فاتنة" اتبعت العديد من الدورات التدريبية الفنية والتنموية الداخلية والخارجية وأهمها دورة تدريبية في "اليابان" من خلال برنامج التدريب المشترك بين "يونيتار هيروشيما" ومكتب الأمم المتحدة الإنمائي في "سورية" تحت عنوان "الابتكار من أجل التنمية الريفية"، كما تعاونت مع العديد من المبادرات المجتمعية لنشر زراعة بعض النباتات أهمها مبادرة "معاً للاكتفاء الذات".

تبقى الإشارة إلى أن صاحبة المشروع من مواليد عام 1979، درست دبلوم هندسة زراعية، وهي موظفة في مديرية زراعة "السويداء"، وهي عضو في مجلس نقابة المهندسين الزراعيين لدورتين متتاليتين، وتعمل في مجال الشؤون البيئية وحالياً رئيسة لجنة البيئة في جمعية تنمية المجتمع المحلي، وجرى تكريمها من قبل عدة جهات رسمية ومجتمعية.