انتشرت القلاع التاريخية في "سورية" عموماً وفي مناطق الساحل على وجه الخصوص، منذ آلاف السنين وما زال معظمها شامخاً حتى اليوم، ونتيجة مناعتها وتحصيناتها احتوى معظمها أقساماً لسجن المعارضين أو الزعماء الوطنيين، كما جرى استخدامها عبر التاريخ كسجن للخارجين على القانون.

سجن "أرواد"

يعود الباحث التاريخي "بسام القحط" في حديثه عن سجون هذه القلاع إلى أزمنة بعيدة، فقد أسس الفينيقيون في 1250 ق م – 64 ق م ثلاث ممالك على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وهي "أرواد" في الشمال و"صيدا" في الوسط و"صور" في الجنوب.

ويضيف: قلعة "أرواد" بُنيت على أعلى صخرة في الجزيرة، وتم تحصينها بأربعة أبراج توزعت على جدرانها المصاطب ومرامي النبال والمسننات الحجرية والمحارق، وكانت الجزيرة عاصمة المملكة الفينيقية الشمالية، وخلال تواجد الصليبيين في "سورية" 1097– 1302، أعادوا بناء القلعة لحماية قلاعهم في "طرطوس" و"صافيتنا" وغيرها، وكانت قلعة "أرواد" آخر موقع غادره الصليبيون في بلاد الشرق في أيار عام 1302.

الباحث التاريخي بسام القحط

ويبين الباحث "القحط" أن القوات البحرية الفرنسية احتلت جزيرة "أرواد" خلال الحرب العالمية الأولى في 30 أيلول عام 1915، وحولوها إلى مركز ناحية، كما كانت الحال عليه أيام العثمانيين كما حوّلوا أجنحة الطوابق السفلية للقلعة إلى سجن لحبس معارضيهم من الزعماء الوطنيين زمن الانتداب الفرنسي، حيث جرت العادة في العهود السابقة للانتداب الفرنسي على "سورية" على استخدام أحد أجنحة القلاع الحربية كسجن تيمّناً بالصليبيين 1097- 1303، والمماليك 1303- 1516 والعثمانيين 1516 – 1918، وطُبق هذا النظام في "أرواد" زمن الانتداب الفرنسي 1915-1946 لحبس الزعماء الوطنيين الذين عُذّبوا وعانوا مرارة الاعتقال، حتى حمل هذا السجن عن جدارة اسم "معتقل الأحرار"، وكان منهم "شكري القوتلي، عبد اللطيف البيسار (لبناني)، عبد الحميد كرامي (لبناني)"، وفي العام نفسه أودع في سجونها المحكومون من الديوان الحربي بعد اكتشاف نشاطهم، ليقوم كل من "فارس الخوري وسعيد الغزي" بالدفاع عنهم" مع الإشارة أن "الخوري والغزي" أدخلوا السجن ذاته في آب 1925، وفي تشرين الثاني من العام ذاته سُجن فيه العديد من الزعماء منهم "هاشم الأتاسي وسعد الله الجابري ومظهر أرسلان وعبد الرحمن الكيالي".

منفى "المرقب"

ويشير الباحث التاريخي "القحط" إلى انتشار السجون في قلاع عسكرية أخرى كقلعة "المرقب" وقلعة "قليعة" (قلعة الشيخ ديب حالياً)، وهي تقع بين "جبل النبي صالح والنبي متى"، وينوّه إلى بعض المصادر التاريخية المغلوطة التي تناولت برج "صافيتا" حيث إنه لم تصل أي معلومات موثقة عن استعمال قسم من البرج كسجن لأن للبرج بعداً روحياً يتمثل بالكنيسة الأثرية التي يزيد عمرها على 900 عام.

سجن قلعة أرواد

في نفس السياق يرى "مروان حسن" رئيس دائرة آثار "طرطوس"، أنه لا يوجد توصيف لوظائف معظم القلاع ضمن المواقع في المحافظة، إلا سجن "أرواد"، وسجن قلعة "المرقب" الذي اكتشفته البعثة السورية- الهنغارية المشتركة، فبعد توجههم بحراً خلال الحملة العسكرية بقيادة "ريتشارد قلب الأسد" ملك "إنكلترا"، و"فيليب أغسطس" ملك "فرنسا"، ومحاصرة "ريتشارد" لجزيرة "قبرص"، أوفد مقدم الاسبتارية "غارينيه" للتفاوض مع أمير "قبرص" البيزنطي "إسحاق كومينين" بغية تسليمها، لكنه نكث باتفاق التسليم مع الفرنجة، فتم أسره وسجنه في قلعة "المرقب" وتسليمه للاسبتارية حتى وفاته عام 1195، وتنتمي هذه الفترة لحكم الفرنجة، وفي الفترة المملوكية تحولت قلعة "المرقب" إلى سجن ومنفى للأمراء المتمردين، كما ورد في إحدى المصادر العربية.

للأسرى والجناة

ويشير "حسن" إلى سلسلة القلاع الداخلية في محافظة "طرطوس" التي تضم قلعة "العليقة" و"القليعة" وقلاع "القدموس والكهف والخوابي"، حيث بنى وسكن العرب المحليون معظمها، بخلاف سلسلة القلاع الساحلية التي قطنها الفرنجة، وبرأيه فإن الدافع من بناء القلاع هو التحصّن خوفاً من الاعتداء، بالإضافة إلى التذبذب الأمني على مدى التاريخ طمعاً بخيراتها وبموقعها الجغرافي المهم ناهيك عن الأسباب العسكرية الدفاعية، ليكون وجود السجن ضمن الحامية أو القلعة أمراً شبه مؤكد، تجاوزت غايته معاقبة الخارجين عن القانون، ليتسع على صعيد الحدود الإدارية التي تسيطر عليها حامية القلعة وقد تتوسع على صعيد الإمارة.

قلعة المرقب من الداخل

بدورها تقول "سماح ديوب" رئيسة شعبة آثار "صافيتا": في صدر الإسلام استخدمت البيوت كحبس للخارج عن القانون الذي كان يُقيّد بالسلاسل، وفي هذا السياق يقول "ابن العربي": "والحبس في البيوت كان في صدر الإسلام قبل أن يكثر الجناة، فلما كثروا وخشي قوتهم اتخذوا لهم سجنٌ".

وتضيف: في الساحل السوري استخدمت القلاع كمكان للحبس وخاصة الأسرى، وأشار أحد المؤرخين إلى أسر شخصية بيزنطية نافذة في قلعة "صافيتا"، وتحرير ملك بيزنطة آنذاك "نيقيطا الرقطر" لها في العقد الثالث من القرن 11 م، كما اتخذ الصليبيون من القلاع التي بنوها في المنطقة سجوناً للأسرى والمعتقلين، حيث ورد في إحدى الروايات الشعبية قصة اعتقال أحد المشايخ المحليين وأسره في قلعة "طرطوس".

وتختم "ديوب" بالقول : في الفترة المملوكية أصبحت المنطقة تابعة لمملكة "طرابلس" التي أحدث فيها سجن مركزي تحت إدارة نائب السلطنة في "طرابلس"، كما تحولت بعض القلاع الساحلية مثل "المرقب" إلى سجن ومنفى للأمراء المتمردين الذين نُفذّ في بعضهم عقوبة الإعدام بسيف الشرع.