لعبة تراثية

"كريجة القصب" لعبة تراثية قديمة جداً ضمن مجموعة ألعاب الأطفال التي عرفت في الريف الساحلي ويتم تجهيزها يدوياً بأيدي الأطفال، يتذكر هذه اللعبة جيداً الشباب والرجال في الوقت الراهن وخاصة من حاول منهم نقل طريقة صناعتها واللعب بها لأطفال حي "بعمرائيل" في مدينة "بانياس"، فنقلوها بأمانة دون أي مساس بالطريقة البسيطة لتصميمها، ولكن الأطفال زادوا على طريقة تجهيزها تزيينات شكلية لا ترتبط بآلية حركتها، كوضع السلاسل المصنوعة من أسلاك معدنية رفيعة باستخدام القطاعة والمسمار المعدني بحسب حديث الطفل "ريحان" الذي يلعب بها بين الحين والآخر على امتداد أشهر السنة، ويلف على القصبة مجموعة من الأشرطة اللاصقة الملونة لتضفي عليها جمالية خاصة، كما وضع عليها مسبحة والده وبعض بقايا أشرطة شجرة عيد الميلاد الملونة، كما يلف العجلات المعدنية باللاصق الأصفر ليبقى يرى حركتها حتى نهاية ضوء النهار بعد غياب أشعة الشمس.

صناعة بسيطة

لا يوجد وقت وزمن محدد لتجهيز "كريجة القصب" واللعب بها، فكلما رغب بها الطفل "كريم علي" صنعها بالتعاون مع صديقيّ طفولته "محمد" و "يعرب"، بكونها سهلة التجهيز وموادها الأولية متوفرة في بيئتهم الزراعية، حيث يتم تجهيز القصبة وإزالة الزوائد عنها ووضع الأشرطة اللاصقة الملونة عليها، ومن ثم يستعين "كريم" ذو العشرة سنوات بصديقه "محمد" لصناعة العجلات من الأسلاك المعدنية التي جمعوها من توالف العملية الزراعية، فهي تحتاج إلى دقة لتكون دائرية الشكل، حتى أن نهاية كل سلك في العجلة يجب أن يمر في المنتصف ليكون محور التثبيت للعجلة الثانية، وبداية التثبيت في نهاية القصبة، وفق ما تحدث به لمدونة وطن eSyria.

تزيينات كريجة القصب

الانتهاء من صناعة العجلات المعدنية بداية تجهيز الكريجة فالتعاون بين الأصدقاء ضروري وهام لتكون الكريجة متناسقة، فكل منهم يتقن تجهيز جزئية منها، فالطفل "يعرب علي" يتقن تجهيز المقود من الأسلاك المعدنية، فيجعله دائري الشكل بكل براعة ولا تخلوا براعته من هفوات الطفل الصغير، ويمرر نهاية السلك المعدني نحو المنتصف ليكون مركز التحكم في الكريجة بشكل عام أي بمثابة مقود لها يثبت في أعلى القصبة.

ومن ثم يتم تجهيز الزينة على القصبة ووضع الأشرطة اللاصقة وبقايا شجرة الميلاد وما جمعه "يعرب" من توالف المنزل، كربطة إحدى ستائر المنزل أو مسبحة لا يستخدمها والده، كذلك يضع عليها ضوءاً صغير انتزعه من ولاعة لم تعد تعمل، فيشعله بعد غياب الشمس ليرى الطريق أمامه، ولا ينسى أن يجهز سلكاً معدنياً طويلاً يثبته منتصف القصبة فيبدو وكأنه أنتيل للكريجة.

كريجة القصب

روح التعاون

تدفع عملية تجهيز الكريجة الأطفال للتعاون مع بعضهم البعض في إتمام إنجاز كل واحدة، وبالتالي يبقون على وفاق دائم خلال اللعب، ولكن هذا لا يعني أن روح الطفولة والتحدي غائبة عنهم، بل على العكس يتنافسون فيما بينهم في ما يشبه السباق والمهارة في القيادة ومن يكون الفائز بينهم، بحسب ما أكده الطفل "حيدر إبراهيم".

وهذه “الكريجة “ تعتبر من الألعاب التراثية القديمة جداً التي عرفت منذ حوالي من /100/ عام تقريباً وساهمت في بناء شخصية الكثير من الأطفال في الريف الساحلي نتيجة الحاجة للتعاون والمشاركة في التفكير بدقة إنشائها اضافة الى ارتباطها بجمالية الشكل وفق ما أكده الباحث التراثي "حسن إسماعيل" في لقاء سابق تم منذ حوالي الشهرين قبل وفاته، حيث أضاف: «الألعاب التراثية كانت وليدة الحاجة لها في تلك الفترة، لتمرير الوقت بالنسبة للأطفال، فهم غالباً لا يذهبون للعمل في الحقول مع ذويهم، ولم يكن هناك الكثير من الألعاب التراثية في تلك الفترة، حيث كانت تعد على أصابع اليدين، وكان لها أهمية في تنمية مهارات الطفل رغم بساطتها.

بساطة الألعاب التراثية كانت وفق حديث ربة المنزل "رشا علي" مريحة وأفضل من تعقيدات الألعاب في وقتنا الحالي، والتي تعتمد في غالبيتها على الأجهزة المحمولة الاي تؤثر على صحة الطفل، بينما تلك الألعاب التراثية كانت تجعله أكثر اجتماعية وألفة مع الآخرين.