يتخصص "حي المشهد" الصناعي الواقع في الطرف الغربي لمدينة "حلب"، بتصليح وإعادة تعمير العربات الصغيرة والمتوسطة، فهناك داخل الحي عشرات المحلات المتلاصقة للمهن والحرف المتعلقة بكل مستلزمات الإصلاح، إضافة إلى بيع القطع التبديلية الجديدة والمستعملة، ويمتاز معلمو الحرف في الحي بالسمعة الطيبة والخبرة والمهارة مع مراعاة ومهاودة بالأسعار ما جعله المكان المفضل للكثير من أصحاب السيارات.

جغرافيا المكان

يمتد "حي المشهد الصناعي" من "حي العامرية" جنوباً إلى "دوار المشهد" شمالاً وبطول كيلومترين، ويجاور السوق "أحياء صلاح الدين وسيف الدولة والزبدية"، وفي وسط الحي تقع "ضيعة الأنصاري".

ويؤكد الكثير ممن التقيناهم أن عمر هذا السوق يفوق الستين عاماً، ويذكر الكثير من أصحاب الأعمار الكبيرة أن السوق نشأ فوق أرض زراعية خصبة بين الكروم، وفي بدايته تم شق طريق ترابي وسط الكروم التي تحيط به من كل الأطراف لمرور عربات الدواب والمشاة معاً، ومن ثم تم تعبيد وتوسعة الطريق ليسمح بمرور العربات الثقيلة المتوسطة القادمة من "حي الراموسة" ومن مدينة "إدلب"، ومع مرور الأيام ونظراً لحاجة تلك الأليات للاستراحة وتفقد جاهزيتها من الزيوت والهواء والماء والكهرباء قبل متابعة ترحالها، ظهرت الحاجة لضرورة وجود محلات تفتح أبوابها لاستقبال تلك السيارات الراغبة بالإصلاح.

معلم إصلاح الميكانيك بسوق المشهد"محمد مغربل"

نشط السوق الصناعي كثيراً وتوسع خلال العقود الماضية وأصبح ينافس الأسواق الكبيرة، وبات يضم بوسطه مختلف الحرف والمهن الميكانيكية. وتم توارث وتناقل تلك الحرف بين الأجيال القديمة والجديدة التي تحاول متابعة المشوار والحفاظ على سمعة وأسرار المهنة.

فيما قال رئيس اتحاد الحرفيين بحلب "محمد حسام حلاق": سوق "حي المشهد الصناعي" هو واحد من أسواق المدينة التي تمتهن إصلاح وتعمير العربات الصغيرة والمتوسطة، وهو سوق قديم عائد لجمعية صيانة السيارات وفيه تمارس كافة المهن المطلوبة لإصلاح العربات من ميكانيك وكهرباء وفرش وتنجيد ودوزان وخراطة ودهان، ويرغب به السائقون للإصلاح لقربه من وسط المدينة وسهولة وضع عرباتهم أمام المحلات عدا عن مهارة الحرفيين ومهاودتهم بالأجور، وانتشار محلات بائعي القطع التبديلية. نقدم للمنتسبين من أصحاب الحرف مادتي المازوت والغاز بالسعر الصناعي. ومن يملك شهادة حرفية يتم إعفاؤه من ضربية النظافة.

بخاخ ودهان السيارات "أحمدنجار" داخل سوق المشهد.

ورشة متكاملة

رئيس اتحاد الحرفيين بحلب

موقع "مدونة وطن eSyria" زار "سوق المشهد" الصناعي والتقى بعضاً من ممارسي مهن إصلاح العربات ومنهم المكنسيان "عبد الله السيد" الذي يقول في حديثه للمدونة: "منذ صغري تعلقت بمهنة تنزيل محركات العربات الصغيرة، وبداياتي كانت من اهتمامي بسيارة والدي الذي كان يعمد إلى إصلاح الأعطال الخفيفة بنفسه من توصيل خراطيم وشد براغي وتفقد قياس الزيت، كل ذلك زاد من حبي للمهنة وخلال العطلة الصيفية التحقت بمحل معلمي "عبد الله المهندس" الذي كان يطلعني على كل صغيرة وكبيرة أثناء قيامه بإصلاح الأعطال، وأذكر أن الزبائن كانت تأتيه من مختلف أحياء المدينة، وحتى من المدن والأرياف المجاورة، وبعد انتهاء خدمتي من أداء العلم، ونتيجة تمرسي وخبرتي بالعمل افتتحت هذا المحل الخاص بي لتصليح ميكانيك العربات الصغيرة".

وعن مواصفات ومزايا سوق "المشهد الصناعي يؤكد المهني "السيد" على أهميته كسوق له زبائنه الخاصين به نتيجة الخبرة التي يتمتع بها معلمي الإصلاح مع مهاودة أسعارهم، عدا عن قرب السوق من وسط المدينة، وخلال الأزمة المنصرمة أقفل السوق محلاته لمدة أربع سنوات وانتقلنا جميعاً إلى غرب المدينة بسوق "حلب الجديدة"، وبعد انتهاء الأزمة عدنا إلى افتتاح محلاتنا وممارسة أعمالنا، ويعتبر السوق بمثابة مدينة صناعية متكاملة لما يحتويه من مختلف الاختصاصات الميكانيكية والكهربائية.

وعن تنوع الاختصاصات يقول معلم الكهرباء "عبد الله حطاب": "تعتبر مهنة إصلاح كهرباء للسيارات من أهم المهن وتحتاج إلى دقة وخبرة لمن يمارسها، في البداية تعلمت المهنة على يد أخي، ومن ثم التحقت لمدة ثلاث سنوات عند واحد من شيوخ كار إصلاح شبكات كهرباء السيارات الصغيرة بالسوق المشهد، ونتيجة تقدمه بالعمر أقفل محله وتقاعد، وفي عام 1998، افتتحت المحل الخاص بي".

من جهته يستعرض "أحمد نجار" معلم دهان سيارات في حديثه بداياته في المهنة ويقول: "تعلمت أصول مهنة بخ وتدهين السيارات داخل "سوق السليمانية" وأكملت في "حي القاطرجي" وسافرت بعدها إلى "ليبيا" للعمل بالمهنة وبقيت هناك عشر سنوات، وبعد عودتي افتتحت محلي الخاص بي هنا بالسوق".

خبرات متراكمة

الميكانيكي "محمد مغربل" يقول: "تعلمت مهنة المكنسيان وأنا بعمر ثلاثة عشر عاماً داخل "حي بستان الباشا" وتنقلت بين عدة معلمين للاستفادة والخبرة، حتى تمكنت من افتتاح محلي وسط سوق "المشهد"، تأتي الزبائن إلى هنا بكثرة للإصلاح، ولكن ما يعوق عملنا هو ضيق الشوارع والازدحام والفوضى المرورية التي تجعل الكثير من السائقين يذهبون لأسواق أخرى أكثر راحة".

وآخر جولات المدونة كان مع "الصواج" "خالد حامد" والذي يقول:" تعلمت أصول المهنة بأسواق مدينة "حمص" وسط سوق "الخالدية" وبقيت هناك مدة طويلة، وسافرت بعدها للعمل بنفس المهنة إلى "دبي"، وعدت إلى مدينة "حلب" و"سوق المشهد" عام 2010، ونقلت عملي خلال الأزمة إلى "سوق حلب الجديدة"، وبعد التحرير افتتحت محلي هنا..

مهنتنا من أصعب المهن المتعلقة بتعمير السيارات وجوهرها معاركة الحديد "التصويج"، وأغلب عملنا يعتمد على الضرب بالمطرقة بجانب السندياية والشالمون والبانسة واللحام، وللأسف الإقبال ضعيف جداً من أبناء الجيل الحالي على تعلم هذه المهنة، وأغلب العاملين بمهنتنا هم من جيل القدامى، كما نعاني من غياب الكهرباء وغلاء قيمة الإيجارات والعدد والمفكات وأوكسجين اللحام".

وأكد السائقان عامر بركات ٣٠ عاماً وعبدو جبيلي ٤٠ عاماً أهمية سوق المشهد الصناعي لإصلاح العربات بين الأسواق الأخرى المماثلة

لعدة أسباب أهمها أنهم جيران للحي ويقطنان بحي صلاح الدين وسهولة الدخول والخروج من السوق وسط الأزدحام، وقربه من وسط المدينة. وكذلك رخص الأجور ومهارة بعض المهنيين والحرفيين الذين يعملون به، وتوافر أكثر من محل لبائعي القطع التبديلية.

وهناك عامل مهم هو ملاصقة السوق للمنازل ما يعطي الأمان بالحفاظ على السيارات التي تبيت وتحتاج لأكثر من يوم للإصلاح.

تم إجراء اللقاءات والتصوير "داخل سوق "المشهد الصناعي" بتاريخ السابع والثامن عشر من شهر نيسا