هي سيدة من سيدات "سورية" اللواتي كتبن أسماءهن على لوائح الشرف العلمي العالمية في حقبة كانت فيها المرأة مغيبة بشكل تام، حيث تحدت "ظريفة إلياس بشور" كل الظروف آنذاك، فركبت البحر باتجاه القارة الأمريكية لتبدأ مسيرتها العلمية الحافلة العطاء.

طفولة حالمة

تستعرض السيدة "نهلة بشور" قريبة العائلة، في حديثها لـ"مدونة وطن" طفولة الدكتورة "ظريفة بشور" المولودة عام 1881 في مدينة "صافيتا"، والتي كانت آنذاك جزءاً من سلطنة الاحتلال العثماني وتقول: «كانت طفولتها عادية كسائر بنات جيلها ولكنها تجاوزتهن بالدراسة، فقد درست الابتدائية في مدرسة "الأمريكان" في "صافيتا" تلك البلدة التي خلت تقريباً من الأميين، وفيما بعد انتقلت إلى المدرسة الأمريكية للبنات في "طرابلس" حيث قطعت مسافة 60 كم على ظهر الخيل برفقة سيدتين ورجل للحماية، وتزامناً مع انتهاء دراستها الثانوية، حاز أخوها "بشور" على شهادة الطب البشري متخصصاً بأمراض القلب من جامعة "إلينوي" في "شيكاغو"، ليصبح الطبيب القانوني الوحيد في منطقة "صافيتا" والمعتمد من السلطات التركية آنذاك.. كانت "ظريفة" تحب مرافقة أخيها إلى عمله، حيث لاحظت ندرة زيارة النساء للعيادة لامتناعهن عن عرض أنفسهن على الطبيب لشدة خجلهن مما كان يعرض حياتهن للخطر، لتبقى هذه الفكرة في مخيلتها وتكون حافزا آخر لدراسة الطب

آمل أن أموت قبل أن أراك تجنين المال وأنا على قيد الحياة

وتتابع "نهلة" حديثها: «تمر السنوات ويأتي موعد التخرج من المدرسة الأمريكية في "طرابلس" ويحضر الدكتور "بشور بشور" حفل التخرج الذي من خلاله أثنت إدارة المدرسة على تفوق الصبية، واقترحت عليه إرسالها إلى "أمريكا" لدراسة الطب، ومنها كانت الشرارة الأولى للحلم».

الدكتورة ظريفة بشور مع أولاد أخيها في طرابلس

عكس التيار

الدكتورة ظريفة مع والديها وشقيقاتها

كانت "بشور" تتوقع رفض والدها فكرة دراسة الطب والسفر إلى الخارج، لأن العمل وجني المال يقع على عاتق الرجال في ذلك الزمن، ليقول لها باستياء: «آمل أن أموت قبل أن أراك تجنين المال وأنا على قيد الحياة»، ولسخرية القدر توفي والدها قبل عودتها إلى "صافيتا" بيومين، فشجعها الأخ ومد لها يد العون، ليسافرا معاً على متن الباخرة برحلة شاقة لمدة شهر إلى "أمريكا" وكان ذلك في عام 1907.

تقول "نهلة": «قبل انطلاق الباخرة سألت "بشور" أخاها إن كان سيُسمح لها بالعمل في "سورية" بعد عودتها، ليجيبها "عندما تحصلين على شهادتك يكون الأتراك قد رحلوا عن سورية"».

الدكتورة ظريفة بشور على لوحة التخرج 1911

قانون عثماني

تحققت آمال الدكتورة "بشور" واختصت بأمراض النساء والتوليد والأطفال من جامعة "إلينوي في شيكاغو"، لتتخرج عام 1911 وتعود إلى "سورية" عام 1912 لكنها لم تستطع مزاولة المهنة في "صافيتا" بسبب منع النساء من مزاولة العمل من قبل المحتل العثماني، فعادت إلى "طرابلس" وافتحت عيادة نسائية هناك.

وتشير "نهلة بشور" قريبة العائلة إلى أن أول راتب لها عند عودتها إلى "صافيتا" كانت تضعه في خزنة أخويها الدكتور "بشور" والدكتور "أنيس" عرفاناً منها بالجميل، وبعد وفاة شقيقها الدكتور "بشور" بعمر مبكر، تعهدت بتعليم أولاده في الجامعة الأمريكية في "لبنان"، وتزوجت في عمر الأربعين ولم تنجب الأولاد، وتوفيت عام 1968 في "صافيتا" عن عمر ناهز 87 عاماً.

وتختتم "بشور" حديثها بالإشارة إلى التكريم الذي تم مؤخراً للراحلة "ظريفة بشور" في بطركية "صافيتا" وذلك لتعريف الجيل الجديد بهذه القامة التي تستحق التكريم.

الطبيبة الرائدة

في السياق نفسه يتعبر الدكتور "منجد عيسى" الذي تعرّف على سيرة حياة الدكتورة "بشور" من مواقع التواصل الاجتماعي، أنه من الفخر أن تكون رائدة الطبيبات من "سورية" وتحديداً من منطقة "صافيتا"، هذه المدينة التي كانت شبه خالية من الأميين، وكانت البنات آنذاك تدرس وتتعلم القراءة والكتابة لانتشار المدارس الأمريكية والروسية في المنطقة، وبعضهن كن يصلن إلى مرحلة الثانوية آنذاك، لكن معظم الأعمال كانت حكراً على الرجال باستثناء الأعمال النسوية التي تستطيع المرأة مزاولتها داخل المنزل كالحياكة والتطريز.

ومن وجهة نظر الدكتور "عيسى" تمتاز سيرة الدكتورة" بشور" ببعد اجتماعي ونفسي ميزها عن غيرها من بنات جيلها اللواتي تزوجن باكراً، فاختارت هي دراسة الطب لمساعدة النساء اللواتي كنّ ضحايا جهل "الدايات" بالتعامل مع الحالات المرضية الخطرة التي تودي في كثير من الأحيان إلى الوفاة.

تكريم المرأة

بدوره يرى "أبو جميل" في العقد السابع من قرية "البطار"، أنه من المهم تسليط الضوء على الأسماء السورية التي تركت بصمتها في الحياة، والدكتورة "ظريفة بشور" أول طبيبة في "سورية ولبنان والأردن وفلسطين" وهذا فخر لنا بأن يذكر اسمها في الكتب المدرسية لأطفالنا، لأنها جزء من التاريخ المشرف لبلادنا، فالمرأة السورية كانت على مدى عقود من الزمن، المرأة المناضلة والمتعلمة والمثقفة ذات الشخصية والكيان المستقل، كل ذلك فيما يجهل الكثير من أبناء الجيل الجديد أن أول طبيبة عربية هي سورية الجنسية، مطالباً بإقامة الندوات في المراكز الثقافية وتكريم هذه الأسماء التي لا يجب أن ينطفئ ذكرها.