سجل تاريخ الكرة "الحلبية" بصمة لافتة في مجال التحكيم فوق البساط الأخضر سواء كحكام ساحة أم مساعدين، ممن قادوا أصعب المباريات المحلية وتألقوا في الملاعب العربية والآسيوية ونالوا ثقة اللاعبين والمدربين والجماهير.

سجل ناصع

موقع "مدونة وطن eSyria" فتح ملف ذكريات حكام كرة "حلب" واستضاف عدداً من الخبرات التحكيمية المتقاعدة والذين تحدثوا عن ماضي التحكيم الحلبي، ومقترحاتهم لإعادة البسمة والوجه المشرق لحكام كرة حلب.

في الجانب الإعلامي تعاملنا مع القفزة النوعية لكرة حكام "حلب" بوقتها بمنطق وعقلانية بعيداً عن المبالغة والتهويل لتحقيق الفائدة المرجوة، فكان نقدنا متوازناً وناصحاً ومشجعاً، وأشرنا إلى السلبيات والإيجابيات بعقلانية يقبلها الجميع

يقول الحكم الدولي السابق "نزار وتى" ورئيس لجنة حكام "حلب وسورية" سابقاً: «منذ تأسيس الاتحاد العربي السوري لكرة القدم في الأربعينيات من القرن الماضي، وإطلاق أول دوري رسمي له في عام 1967، كان للحكام الحلبيين تواجد فعال ومؤثر بقيادة المباريات الأكثر أهمية وحساسية، واستمر هذا الزخم والتألق خلال المواسم الكروية اللاحقة، وخاصة في منتصف التسعينيات، وبرزت مواهب تحكيمية على مستوى القطر، وأذكر أن عدد حكامنا في تلك الفترة كان يفوق السبعين حكماً، وأغلبهم كان من النخبة المثقفة والتي تتمتع باللياقة والثقافة والمستوى الفني المميز، حيث نجحوا في قيادة أصعب مباريات الدوري والكأس».

منتخب كرة حكام حلب أيام زمان والتألق لعام 2000.

ويشير "وتى" إلى أن نجاح تلك الفترة الذهبية لم يأت من فراغ، وإنما تم التخطيط والتحضير له قبل مدة كافية وبالتنسيق مع عدة لجان وخبرات تحكيمية مشهود لها بالعلم والمعرفة، إضافة لوضع خطة استقطاب المواهب الشابة الراغبة بالانتساب للتحكيم.

ويلفت إلى الفترة الذهبية للتحكيم الحلبي، حيث نال الكثير من الحكام لقب الشارة الدولية، ومنهم "معن كيالي ومحمد سالم ويوسف شيخو وخالد دلو"، وجاء بعدهم الراحل "عبد الله جركس، وزياد علولو، وأحمد قزاز، وعبد الله الناصر، ومحمد شهاب، وأحمد دلو، وشاكر حميدي، وعبد الله بصلحلو، ووسيم سالم".

خبرات تحكيمية حلبية الكباتن "نزار وتى - خالد دلو - عبدالله بصلحلو - عبد الزاق بنانة".

ويضيف "وتى": «في عام 1991 تم تكليفي بقيادة أربع مباريات متتالية بنهائيات كأس العالم للناشئين التي أقيمت في "إيطاليا"، كما تم تكليفي أيضاً بقيادة المباراة النهائية "الأفروآسيوية" بمدينة "طهران"، إضافة إلى عدد كبير من المباريات الدولية المهمة للأندية والمنتخبات».

شهادة قيّمة

يتابع الكابتن "وتى" حديثه بالقول: «في إحدى زيارات العمل الرياضية لرئيس اتحاد الكرة بوقتها العميد "فاروق بوظو" لمدينة "حلب"، وأثناء قيامه بإلقاء محاضرات لدورة صقل حكام "سورية" التي أقيمت بالمدينة، أشاد بما تم التحضير له من أمور فنية ولوجستية في تلك الدورة، ووصفها بأنها تعادل دورات الصقل في الدول المتقدمة كروياً، وفي اليوم الأخير من الدورة تم اصطحابه لمشاهدة إحدى الحصص التدريبية لحكام المدينة، وأبدى إعجابه بالعدد الكبير من الحكام المتواجدين بتلك الحصة، وقال لي بالحرف الواحد "أنتم في طليعة الحكام، وعليكم استغلال تلك الحالة الإيجابية لحكامكم وبما يخدم مستقبل التحكيم الحلبي والسوري"، والتقى الحكام بعد التمرين وأثنى على جهودهم وقدم لهم نسخاً من قانون اللعبة وبعض الهدايا والألبسة الرياضية تكريماً لجهودهم في الملاعب».

حكام كرة حلب لموسم 2022\2023.

الفترة الذهبية

بدوره يؤكد الحكم الدولي السابق "خالد دلو" والذي شغل منصب رئيس لجنة الحكام الفرعية بالمدينة، أنه خلال عقدين من الزمن تألق حكام مدينة "حلب" بما سمي بالفترة الذهبية، والتي كانت مميزة لأسباب عديدة وأهمها الرغبة الحقيقية لدى تلك المواهب بوقتها، والتي أرادت ترك بصمة لها في ساحات الملاعب، مع الاهتمام الذي أعطي لهم من الخبرات التحكيمية السابقة والتي أشرفت عليهم ودعمتهم للوصول للمراتب العليا مع إقامة الندوات ودورات الصقل.

ويضيف: «أحضرنا أكثر من مرة خبير التحكيم المحلي والعربي الكابتن "جمال الشريف" لمدينة "حلب"، والتقى حكام المدينة وزودهم بالمحاضرات وأسس التدريب والتحرك السليم في أرض الملعب، مع تطبيق الدروس النظرية والعملية لمباريات التجريبية، وبنتيجة ذلك كان حكام كرتنا يكلفون بأصعب مباريات الدوري والكأس وبالمسابقات العربية والآسيوية، وبكل الفخر أذكر مشاركتي بالمباراة المهمة والمفصلية للوصول إلى كأس العالم عام 1998 في "فرنسا" بين منتخبي "الإمارات وأوزبكستان"، والتي انتهت بالتعادل السلبي، ورغم غضب الصحافة الإماراتية على منتخبهم الذي أهدر فرصة التأهل، فإنها بالمقابل أشادت بنزاهة طاقم التحكيم السوري المؤلف من "خالد دلو- معتز يغمور- محمد سالم- اسكندر حمال"».

رغم الرحيل

وفي سياق الحديث عن المسيرة التحكيمية في "حلب"، يقول "دلو": «لابد من التذكير بالعديد من حكام كرة "حلب" الذين غيبهم الموت، وتركوا سمعتهم العطرة في الملاعب وبقيت أسماؤهم في ذاكرة الكثيرين، نتذكرهم من باب التوثيق لتاريخهم الحافل وعطائهم في الملاعب ودعمهم للمواهب، نذكر منهم على سبيل العد لا الحصر الدوليين "سالم أيمش" والذي ذاع صيته، ويذكر الجميع المباراة المهمة التي قادها بالمدينة بين فريقي "الجيش والزمالك المصري" في حقبة السبعينيات، و"جميل حلو" و"عبد القادر مجوز" و"معن كيالي" الذي أعطى التحكيم الحلبي الكثير من خبرته في عدة مهام كلف بها، و"عبد الله جركس" الذي رحل وهو في قمة العطاء والتألق، ومن حكام الدرجة الأولى نذكر "عبد الملك حزام" و"مصطفى حلاق" و"عدنان كجان" و"بسام مجوز" و"عبد العزيز الحمود" و"محمد ديب هباش" و"عبدو جمعة" و"أحمد الحسن" وغيرهم الكثير».

بعقلانية

أما الزميل الإعلامي "عبد الرزاق بنانة" أمين سر اللجنة الفنية ورئيس لجنة الحكام الفرعية السابق يقول: «تميز النشاط الكروي بمدينة "حلب" خلال العقدين الماضيين بكم وافر ومتنوع من المباريات الودية لفرق عربية أقامت معسكراتها بملاعب المدينة، وتميزت رياضة "حلب" كذلك باستقبالها أيضاً أغلب دورات الصحفيين الكروية السنوية، إضافة لبطولات فرق القواعد للأشبال والناشئين والشباب، وكل ذلك أعطى الفرصة المناسبة لزيادة خبرة الحكام في طريقة إدارة المباريات، وساهم بتطوير مستواهم وصقلهم، وكان السماح لهم بالمشاركة بقيادة مباريات دوري الأحياء الشعبية عاملاً إضافياً أيضاً لنجاح وتفوق التحكيم الحلبي على مستوى الدوري العام ومسابقة كأس الجمهورية».

ويضيف الكابتن "بنانة": «في الجانب الإعلامي تعاملنا مع القفزة النوعية لكرة حكام "حلب" بوقتها بمنطق وعقلانية بعيداً عن المبالغة والتهويل لتحقيق الفائدة المرجوة، فكان نقدنا متوازناً وناصحاً ومشجعاً، وأشرنا إلى السلبيات والإيجابيات بعقلانية يقبلها الجميع».

تطوير وحداثة

وختام الملف كان مع عضو اللجنة الفنية والحكم الدولي "عبد الله بصلحلو " والمكلف بتطوير ملف حكام كرة المدينة، حيث يقول: «يستند عملنا في إعادة البناء على عدة أسس علمية ومتغيرات مختلفة تتلاءم مع كل تعديل وجديد يطرأ على قانون اللعبة، ومن الضروري جداً امتلاك جيل الحكام الحاليين لثقافة اللغة الأجنبية مع برامج الحاسوب المتنوعة، كل تلك العوامل ستساهم في إعادة بعض من المكانة الحقيقية لحكامنا الحاليين، ولابد من تضافر الجهود الحالية والاستفادة من الخبرات التحكيمية السابقة مع إطلاق برنامج عمل، لتجاوز العقبات التي يمر بها مفصل التحكيم الحالي، وأبرزها إقامة الندوات والاجتماعات والتمارين، وتقديم الدعم المادي للحكام ورفع الأجور التحكيمية للمباريات».

ويبين "بصلحلو" أن عدد حكام محافظة "حلب" وبكافة الدرجات يبلغ حالياً خمسة وعشرين حكماً، منهم اثنان يحملان اللقب الدولي، مع ولادة أكثر من موهبة تحكيمية شابة على صعيدي (الساحة والمساعد)، وهي مبشرة ويتوقع لهم النجاح والوصول لمراحل متقدمة إذا ما تم دعمهم والاهتمام بهم.

ويشير إلى أن اللجنة الفنية بالتعاون مع الفرعية حريصة كل الحرص على استقطاب وتنسيب أسماء جديدة كل موسم لرفد وتوسيع القاعدة التحكيمية للمحافظة.

تم إجراء اللقاءات والتصوير بتاريخ الثامن من شهر آذار لعام 2023 في مقر الاتحاد الرياضي العام بمدينة "حلب".