يعود تاريخ الكهرباء في "سورية" إلى 120 عاماً مضت، حيث تم منح الامتياز لشركة الجر والتنوير، عام 1903 وأول مكان دخلته الكهرباء هو "جامع بني أمية" بدمشق عام 1907 بينما دخلت الكهرباء لمدينة "حلب" في عام 1928 وكانت تسمى بين عامة الناس "بالقوة"

في حلب

أما في "حلب"، وحسب ما يقول الخبير "صالح زكور " في دراسته التي أعدها عن تاريخ دخول الكهرباء لمدينة "حلب": «إن فكرة الإنارة في مدينة "حلب"، انبثقت عام 1911، إبان الاحتلال العثماني حيث أعلنت وزارة الأشغال العامة عن طرح المشروع للمناقصة، وتم قبول عرض المهندس التركي "عثمان وهبي بيك"، لكن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون تنفيذ الاتفاق رغم إعطائه فرصة ثلاثة أشهر للتنفيذ، وفي عام 1923 أصدر حاكم دولة "حلب" قراراً بطرح المشروع للغاية نفسها، وبعد عام واحد فقط تم منح الامتياز ووفق اتفاق بين "بلدية حلب" للمصرف العقاري التونسي الجزائري، وكانت خطة الشركة تقتضي توزيع الكهرباء على أحياء المدينة "العزيزية ومحطة بغداد والنيال والسليمانية والجميلية وباب الفرج والقوتلي"».

كان تصميم أغلب البيوت الحلبية على الطراز العربي حيث توضع ساعة الكهرباء قريبة من الباب الخارجي لسهولة الكشف عليها وأخذ العداد

امتيازات كهربائية

في عام 1925 تخلى المصرف العقاري التونسي الجزائري عن هذا الامتياز بينه وبين بلدية المدينة وفق عدة شروط، من أهمها إنشاء وصيانة معمل للتوليد بقدرة ألف كيلو واط يترفع تدريجياً وينفذ جميع المشاريع خلال شهرين، وإن تتم التمديدات الأرضية من دون أن تلجأ إلى حفر الخنادق الضارة بالطرقات العامة، فيما يسمح بالشبكة الهوائية بكل مناطق المدينة عند الاستثمار، وتتعهد الشركة بإنارة المدينة ليلاً نهاراً ويحق لها قطع التيار كل يوم جمعة للصيانة أو عند حدوث عطل.

أول محطة كهرباء بشارع فيصل بمدينة حلب .

ويضيف "زكور": «إن أول مكان تمت إنارته في المدينة كان هو "فندق بارون" خلال الحرب العالمية الأولى، حيث أحضر أحد الضباط الألمان المقيمين بالفندق محركاً لتوليد الكهرباء يعمل على الديزل، فيما كان أول مرة دخلت فيها الكهرباء لمدينة "حلب" في عام 1928، لأجل تسيير حافلات الطراماي، ووزعت الطاقة على المنازل والمعامل وكانت تسمى بين عامة الناس "بالقوة"

ويشير "زكور" إلى أن الشركة صاحبة الامتياز أنشأت معملاً لتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة محركات تدار بالديزل وركبت مجموعتين من صنع "بلجيكا" استطاعة كل واحدة منها سبعمئة وخمسون كيلوواط في "شارع فيصل" مبنى الشركة الحالية، وبعد مدة أضيفت مجموعة سويسرية ثالثة باستطاعة ألفي كيلوواط ليصبح المجموع ثلاثة آلاف وخمسمئة كيلوواط.

شهادات وخبرات ألمهندس عبد الغني كبة - المهندس باسل قواس- صالح زكور - حمدي قواف.

الاحتفال الرسمي

صورة من الأرشيف لطراماي حلب عند تشغيلها على الكهرباء.

لكن الاحتفال الرسمي كان في صباح السابع والعشرين من شهر كانون الثاني لعام 1929، حيث قام مسيو "ريكلو" المندوب الفرنسي المفوض السامي بقص الشريط وأدار محرك الكهرباء، وبعد جولة في المعمل سارت الحافلات على طول خط الطراماي، وفي البدء لم يقبل الحلبيون فكرة تنوير المدينة بالكهرباء لأنها تمثل مصالح الانتداب الفرنسي أولاً، وثانياً لخشيتهم من خطر الكهرباء وعدم خبرتهم بالتعامل معها، وثالثاً تكلفة أعباء التمديدات الداخلية العالية في وقت كان الفقر وقلة المال هو السائد بين أفراد المجتمع.

تأميم الكهرباء

في عام 1951 صدر المرسوم 422 القاضي بتنفيذ تأميم شركة الكهرباء، وفي عام 1965 صدر المرسوم التشريعي رقم 95 القاضي بإحداث المؤسسة العامة للكهرباء في "سورية" وفي عام 1969 تم اعتماد تسميتها كهرباء المنطقة الشمالية وتتبع إلى المؤسسة العامة للكهرباء، وفي عام 1974 صدر المرسوم التشريعي رقم 94 القاضي بإحداث وزارة الكهرباء، وتعد الشركة العامة للكهرباء في مدينة "حلب" من أكبر شركات الكهرباء في القطر. حيث نورت المنازل والأحياء والطرقات العامة والمشافي والجامعات والمدارس والمعامل وكافة القطاعات الخدمية الاخرى وكما يقول المهندس "باسل قواس" رئيس دائرة المشتركين الحالي في شركة كهرباء "حلب" في حديثه للمدونة: «قبل الأزمة كان هناك مليون وثلاثمئة ألف مشترك، ولأسباب الأزمة المنصرمة تقلص عدد المشتركين إلى أربعمئة وخمسة عشر ألف مشترك، وتقوم الشركة بتلبية الطلب على الطاقة وتأمن استمرارية التغذية الكهربائية مع الصيانات الدورية والطوارئ والتأشير والجباية وإنجاز الدراسات وتطوير الشبكات».

ذكريات

المهندس "عبد الغني كبة" الرئيس السابق لمجلس المدينة يقول: «تنوير مدينة "حلب" بشكل فعلي كان بين أعوام 1928 و1930، وفي البدء تم تغذية خطي الطراماي الأول وكان ينطلق من محطة الشام باتجاه باب الحديد نحو ساحة الملح خلف القصر العدلي وينتهي به المطاف أمام مبنى مديرية الأوقاف القديمة، أما الخط الثاني فكان بشكل متعامد مع الخط الأول، وينطلق من أمام بناء مجلس المدينة القديم بطلعة السبع بحرات ويتابع سيره لأحياء باب الفرج التلل النيال، ونتيجة تطور مناحي الحياة تم إلغاء الخطين.

وعن طريقة توليد الإنارة يضيف "كبه": «كان ذلك يعتمد على محطات الديزل البخارية الموجودة حتى الآن بشارع فيصل، فيما تم تنوير حي السبيل مع الحديقة على الطريقة الهولندية ما تسمى بالمراوح طواحين الهواء».

وعن طريقة الجباية يقول: «باعتبارها شركة كانت ترسل جبايتها إلى المنازل في أحياء المدينة مرتين بالشهر، الأولى لأخذ رقم العداد، وفي المرة الثانية لجباية قيمة الفواتير، ومن كان يتعذر عليه الدفع يأخذ إشعاراً من الجابي لمراجعة المؤسسة».

أيام العز

أربعة وتسعون عاماً مضت على دخول الكهرباء لمدينة "حلب" يتحدث عنها المتابع لتاريخ المدينة "حمدي قواف" 61 عاماً فيقول: «كان تصميم أغلب البيوت الحلبية على الطراز العربي حيث توضع ساعة الكهرباء قريبة من الباب الخارجي لسهولة الكشف عليها وأخذ العداد».

ويضيف: «في حارتنا "باب الحديد" مثل باقي الأحياء المدينة، كان يأتي موظف الكهرباء في كل شهر، يأتي في المرة الأولى موظف الكهرباء وأذكر أسمه "أبو خليل" لأخذ رقم العداد وبيده بيل يسلطه على أرقام العداد ويدونه على صفحة كل مشترك وسجله كان بشكل عرضاني وسميكاً، وفي المرة الثانية يحضر الجابي "أبو صطيف" لأجل توزيع الفواتير واستلام قيمتها، والاثنان كانا في منتهى الأدب والاحترام بملابسهما الزرقاء والطاقية، وهما يحملان حقيبتيهما الجلديتين، ويحظيان بمحبة واحترام أهالي الحي و يضيفوهما الشاي والقهوة والماء البارد ويطمئنان عن أحوالهم وأحوال عوائلهم، ولا زلت أذكر كم حزن والدي مع أهالي الحي عندما قال لهم الجابي "أبو صطيف" هذا آخر شهر لي عندكم فقد وصلت لسن التقاعد وسوف يأتي من بعدي موظف مرتب ومحترم ووصيته خيراً بكم».

أما اللمبات المستخدمة للمنازل -حسب "قواف"- كانت صفراء عرموطية بقوة مئة وعشرة، وتم إبدالها في نهاية السبعينيات بلمبات النيون بقوة مئتين وعشرين.

تم إجراء اللقاءات والتصوير بتاريخ الرابع عشر من شهر أذار لعام 2023 في مبنى شركة الكهرباء ونقابة المهندسين.