اهتم أهالي "سلمية" وريفها بتربية الخيول منذ القدم، ونادراً ما كان يخلو بيتٌ من حصان لاستخدامه في الأعمال الزراعية وجر العربات، إضافة إلى المشاركة بسباقات رياضية، وكان بعض الخيول في المنطقة من الخيول "التامرية"، والخيول العربية التي يعود نسبها لأربعة آلاف سنة قبل الميلاد.

وبالرغم من تراجع تربيتها في المنطقة منذ عام 1955، إلا أن المربي الفارس "محمد فيصل زيدان" من ناحية "بري الشرقي" آثر العودة بتربية الخيول إلى الواجهة عبر تأسيسه مزرعة عام 2004 تضم 35 رأس خيل.

يساعدني 10 مدربين و6 سياس للخيل، ولكن للأسف نعاني من قلة وغلاء الأعلاف، وصعوبة تأمين الأدوية المناسبة لمعالجة الخيول

المشروع الحلم

أحب المربي "زيدان" الخيول منذ صغره، وظل الحلم يراوده حتى عام 2004، حيث بدأ بتحقيقه وأسس مزرعة خيول بملكية تشاركية في قريته "بري الشرقي"، على مساحة 300 دونم ليساهم مشروعه في تعليم الأطفال والهواة الفروسية، وإقامة مهرجانات تراثية سنوية في القرية، ومهرجانات في "الديماس" و"اللاذقية" و"حماة".

يتحدث "زيدان" 1989، عن تفاصيل تأسيسه المزرعة قائلاً: «عشقت الخيل وتعلمت ركوبها منذ كنت في الثامنة من عمري، وكان حلمي امتلاك مربط للخيل لنشر ثقافة الفروسية وللمشاركة بالسباقات الخارجية، وفي عام 2004 أسست مزرعة الخيول، ومنذ خمسة شهور أقمت شركة محاصصة حيث يحق لأي شخص الملكية بالشيوع طابو مفرز، وبدأت بـ7 خيول وحالياً وصل العدد إلى 35 رأساً من الخيول العربية السورية الصافية، والفرنسية المحسنة والمصرية وسلالة البوني الصغيرة لأجل تدريب الأطفال».

ويضيف: «يساعدني 10 مدربين و6 سياس للخيل، ولكن للأسف نعاني من قلة وغلاء الأعلاف، وصعوبة تأمين الأدوية المناسبة لمعالجة الخيول».

أنشطة وبطولات

ويتابع مربي الخيول "محمد زيدان" حديثه بالقول: «شاركنا بسباق الخيول في "اللاذقية" وفي مضمار "الديماس" وبـ"حماة" نادي الشهيد "باسل الأسد"، بالإضافة للمهرجان التراثي السنوي ووصلنا للمهرجان السادس وحصلنا على الجوائز والكؤوس مع الفارس "فيصل مجد زيدان"».

بدوره المربي "محمد ورد" 1978، من قرية "المفكر الغربي" القريبة من "بري الشرقي" يقول: «ورثت محبة تربية الخيول عن جدي، حيث كانت لديه مزرعة للخيول، فقررت وإخوتي إحياءها من جديد وبناء مزرعة للخيول الأصيلة لشغفنا بالفروسية، وأقوم وعائلتي على الاهتمام بها بمساعدة سائس، كما أشرف على تدريبها وعندي سبعة رؤوس خيل وأدرب أولادي على الفروسية، وحافظنا على أنساب الخيول الأصيلة وجمع صفات وراثية جمالية وبدنية، ولدينا سلالات من الخيل كـ"الحمدانية بنت غراب" و"الصقلاوي" و"الكحيلة عجوز"».

ويضيف: «حققنا الفوز في سباق "السبيل" عام 2020 وحصلنا على المركز الأول والثاني عام 2021، وحصلنا على المركز الأول والمركز الثالث في عام 2022 في "بري الشرقي" بقيادة الجوكي "علاء الجرعتلي" و"ناصر ورد" و"علي خلف"».

ويشير المربي "محمد أبو باسم ديب" 1969 من قرية "عقارب" إلى أن تربية الخيول في القرية بدأت منذ بنائها عام 1900 وكانت من نوع "جرشيات"، وكانت معظم العائلات تربي الخيول، ولكننا نحن فقط من حافظ على تربية الخيول حالياً رغم غلاء العلف وقلة الأدوية وغلائها، ولدينا أربعة رؤوس، وشاركنا بأكثر من سباق وحصلنا على المركز الثاني عام 2007 في نادي "باسل الأسد" للفروسية بـ"دمشق".

من زمن الفروسية

من جهته يتحدث الأديب "غالب المير غالب" عن تربية الخيول قائلاً: «اهتم أهالي "سلمية" وريفها بتربية الخيول منذ حلولهم فيها، وتميزت خيول المنطقة بعد تكاثر خيولها من بعضها البعض بالسلمونية أو "التامرية"، وأذكر كيف كانت مواسم الفرح والاحتفال تقام لأيام يجتمع فيها أصحاب الخيول حول قناة "عين الزرقاء" في "سلمية"، ويمضون يومهم في غسيل الخيول وترويضها، أما السباقات الدورية فكانت تقام في مضمار رئيسي غرب "سلمية" في المنطقة الواقعة شرق جبل "الخضر"، والحصان الذي يفوز بالسباق تزداد قيمته المالية ويصبح هدفاً للتكاثر لزيادة نسله، وقد وجدت آنذاك عدة مضامير للخيل أهمها كان شرق "سلمية" في منطقة "المنطار" و"الشيخ علي"، وكان لدى بعض العائلات اسطبلات للخيل منها خيول "أبو عرقوب" عند آل "مقداد" و"القطلبي" "المعنقيات" وآل "فاضل" "العبيات" وآل "ناصر"، ومربط خيل منوع وأمراء "سلمية" "التامرية" و"العبيات"، وآل "أبو قاسم صقلاوية" وآل "أصلان" "المعنقيات"، ما ساهم في انتشار الخانات في "سلمية" لاستقبال المسافرين وخيولهم».

هيفان الفرنسيّة

ويضيف "غالب": «في أربعينيات القرن الماضي زار "سلمية" الأمير "علي خان" المعروف بحبه للخيول ولديه إسطبلات في دول أوروبا، وأقيمت له احتفالات بسباق الخيول وأهديت له فرس عربية أصيلة سماها "سلمية"، وأخرى سماها "الإسماعيلية" وقد شاركتا في ميدان سباق الخيول في "بيروت"، وفي الخمسينيات أحضر حصاناً عربياً أصيلاً "هيفان" من "فرنسا" وأهداه لأهل "سلمية" لتحسين نسل خيولهم، ومن أهم الفرسان في "سلمية" "إسماعيل تقوى" وكان مروض محترف وخبير تربية خيول و"أصلان الأصلان" وشباب الجوكي "أحمد إسطنبولي"، "عبد الله عيسى"، "أبو صقار عبظو"».

الواهو

ويوضح الأديب "غالب" كيف انتشرت مهنة تركيب الحدوات للخيل عندما تنمو أظافرها، ويدعى صاحبها "البيطار" ومنهم "حسن الحمصي"، وأما صناعة السروج فتمركزت في قرية "بري الشرقي".

ويشير "غالب" إلى تراجع تربية الخيول منذ منتصف الخمسينيات، بسبب الجفاف وتكلفة تربيتها العالية، وهجرة الأهالي ودخول السيارات، وظل ذلك حتى عام 1986 حيث بدأت تربية الخيول تعود بشكل تدريجي، وساهم "كريم الحايك" بإدخال أول فرس لـ"سلمية" قادمة من "الجزيرة" من قبيلة "شمر" وانتشرت عدة مرابط، وفي عام 1995 تأسست في "سورية" منظمة "الواهو"، وهي المهتمة بالخيول وتصنيفها وأرشفتها ومنحها شهادات تؤكد أصالتها فتشجع أهل المنطقة على تربية الخيول وبكثرة، وأقيمت المهرجانات في "السبيل" مع خيول من خارج المنطقة وفي المدرسة الزراعية، وقد وصلت أعداد الخيول عام 1990 إلى 85 رأساً لـ ("كريم الحايك"، "علي الشاويش"،"وائل القطريب"، "عبد عزبا"، "صفوان الشيخ حسن"، "ماهر الخطيب"، "نعمان الدبيات" و"محمد زيدان" في "بري الشرقي") وشاركت هذه الخيول في سباق "تدمر" والباسل في "اللاذقية" والسباق الكبير في "السبخة" عام 1998 وأصبحت "بري الشرقي" تتصدر المنطقة في تربية الخيول".

أصالة وتراث

ويروي "محمد حسين شحود أبو الطيب الجرعتلي" 1939 بعضاً من الذكريات عن تربية الخيول ويقول: «كان لنا مع "أبو إسماعيل زيدان" شراكة خيول في "بري الشرقي" منذ بنينا بيوتاً فيها، وكان عنده "معنقيه سبيليه" والأمير "تامر" ومن بعده ولده "مصطفى تامر" كان عنده فرس "أم جنوب"، وفي "بري الغربي" الأمير "محمد ملحم الملحم" كان عنده "العبية"، وفي قرية "زغرين" "نوري العضم" كان عنده "صقلاويات" وفي "تل الدرة" كان عند "حسن الدبيات" وأقاربه "صقلاويات"، وفي قرية "السبيل" عندي أنا "أبو الطيب الجرعتلي" وأولادي خيول "أم كروش" و"معنقيه"، وفي "بركان" كان "محمد حسين القطلبي" يمتلك "الهدب" و"عقارب"، "وعند مظهر الحساس" "صقلاويات"، وفي "أبو حبيلات" امتلك "سليم فرج" و"فاضل فرج" "الممرحيات"، وفي عدة قرى شرقي "بري" للحديديين "أبو الحسن" أمهات عرقوب وشيخهم "خليف الإبراهيم" وفي "سنيده" قرية عرب "النعيم" خيولهم المسماة "معنقيات سبيليات"، وفي "الغاوي" كان لدى "إسماعيل وخليل الكيلاني" "أم كروش"، وفي "قب اللهاة" أمهات جنوب، وآل "عيسى الحميد" وآل "المكحل الساعاتي" "تامريات"، وفي "مرج مطر" "رفيق الكيلاني" و"أحمد مصطفى الجرف" عن هم "أم كروش"، وفي "أم العمد" امتلك "معاط إسماعيل" و"شريدي إسماعيل" خيول "صقلاويات" وأمهات جنوب" وفي "تل حسن باشا" كانت خيل "تامرية"».