يقع "حي الصالحين" في الطرف الشرقي الجنوبي من مدينة "حلب"، ويعتبر من أكبر الأحياء الشعبية بكثافته السكانية، وكان من بين أحياء المدينة المنكوبة والمتضررة من الزلزال الذي دمر الكثير من أبنيته وقتل وشرد عائلاته، ولازال الخطر قائماً ومحتملاً من حدوث كارثة إنسانية جديدة تنذر بالخطر من الأبنية المتضررة والمتصدعة.

عن الحي

عن الطبيعة الجغرافية "لحي الصالحين" يقول مختار الحي "بكري عكو" للمدونة: «يقطن بالحي خمسة آلاف وستمئة وخمس وعشرون أسرة، وفي الحي الآخر المجاور لنا، "كرم الدعدع والنزهة"، يقطن ما يقارب ستة عشر ألف أسرة، وغالبية الأهالي في هذه الأحياء يعملون بورشات الأحذية والخياطة وهم من أبناء الطبقة المستورة والتي تصل الليل بالنهار لتأمين قوت عيشها من عرق جبينها، ومعظم أبنية الحي عشوائية وضعيفة في هيكلها ومتواضعة في كسوتها نهضت فوق بعضها بسبب الحاجة للسكن».

هذا البناء خدع الجميع وبعد وقوع الزلزال صباحاً خرج كل قاطنيه وعندما لم يهبط ولم تبدو عليه آثار محتملة للسقوط عادوا إليه على أساس أن البناء سليم، لكنها إرادة الله جاءت ليهبط في الساعة الرابعة مساءً وراح ضحيته أكثر من خمسة وعشرين شخصاً أعرف أكثرهم

ويضيف "عكو" في حديثه: «مع الثواني الأولى لوقوع الزلزال انهارت مباشرة أربعة أبنية في "حي الصالحين" وثلاثة في "كرم الدعدع"، وبعد الكشف الأولي قامت لجنة السلامة العامة بهدم تسعة أبنية أخرى خطرة وستة في "حي الدعدع"، وقدر عدد الوفيات في "الصالحين" بـ45 والناجين من تحت الانقاض 40، فيما عدد الوفيات المباشرة بـ "حي الدعدع" تسعة والناجين 25».

"فاطمة الحميدي ام غدير" تروي للمدونة فوق انقاض منزلها حالها مع لحظات الزلزال .

تداعيات الكارثة

مختار حي الصالحين" بكري عكو" يتحدث لمدونة وطن عن آثار الزلزال.

وعن اللحظات العصيبة والمحزنة والخطوات السريعة الإسعافية المتخذة التي تلت وقوع الزلزال، يقول المختار "عكو": «قمنا بالتواصل مباشرة مع مكتب المحافظة والقطاع الهندسي العائد لحينا لتقديم الدعم والمؤازرة لانتشال الضحايا من تحت الركام مع إزالة الأنقاض، وحضر معهم الفريق الجزائري المختص والمدرب لهذه المهام، وفوراً حضرت الآليات الثقيلة والروافع والتركسات لتقديم المساعدة لانتشال ما يمكن انتشاله، وتم توزيع النازحين والمهددة منازلهم بالخطر على مدارس ومساجد الحي، وقامت بعض الجمعيات الأهلية والخيرية مع المبادرات الشخصية والهلال الأحمر بتوزيع الطعام والكساء والبطانيات والفرش والمياه، وتم إسعاف المصابين للمشافي العامة.. لاشك أن البنية الضعيفة والهشة للأبنية المشيدة في الحي مع سوء واقع الصرف الصحي الذي طالبنا بتبديله مراراً وتكراراً من دون استجابة، كل هذه العوامل وضعت الحي في طليعة الأحياء المنكوبة والتي نالها النصيب الأكبر من آثار وتوابع الزلزال المدمر، حيث قدر عدد النازحين والمشردين عن منازلهم في حينا مع حي "كرم الدعدع" نحو المساجد والمدارس بحدود مئتي عائلة، وهم بوضع متعب وبحاجة دائمة للطعام والماء والدواء والكساء، فيما لا يزال الأطفال من دون تعليم».

وخلال متابعة جولتنا في "حي الصالحين" رافقنا عضو مجلس الحي "زكوان فقاس" وشاهدنا وبالعين المجردة الأبنية المدمرة وكذلك الأبنية الأخرى التي تم هدمها.

بعضا" من الابنية المدمرة في حي الصالحين من هول الزلزال.

يتحدث "زكوان" عن شجون وهموم أهالي الحي والمتعبين أصلاً من ظروف حياتهم المعيشية القاسية والمثقلة بالجراح، لتأتي بعدها نكسة الزلزال والتي شردت غالبية أبناء الحي خارج مساكنهم وتركتهم في حيرة، لتضيف لهم المزيد من التعب والشقاء فوق همومهم.

شهود عيان

وفوق تلال أنقاض أحدى الأبنية وقف "عماد محمود ميدو"- 35 عاماً، يراقب بحسرة وألم الدمار والأحجار مع الأتربة المتناثرة، والتي راح فيها ستة عشر شخصاً من إخوته مع عائلاتهم.

يقول "ميدو: «قبل 42 عاماً بنى والدي هذا البناء المؤلف من خمسة طوابق، ولم يكن يشكو من شيء، وقبل فترة وبناء على نصيحة أحد المهندسين قمنا بتدعيم القبو بعمود بيتوني، وفي هذا البناء كان يسكن إخوتي الثلاثة "عمار ومحمد توفيق وعبد الرزاق" وأختي مع زوجها، وأنا أعيش وأعمل في مدينة "القامشلي"».

ويضيف: «صباح يوم الزلزال عدت إلى "حلب" بعد ما وصلني الخبر المؤلم عن وفاة إخوتي الثلاثة مع عائلاتهم وزوج أختي، ونجاة أختي مع أولاد أخي "عمار" الثلاثة، وتم انتشالهم من بين الأنقاض، ومنذ يومين وأنا أنتظر وصول لجنة السلامة العامة لمساعدتنا للبحث في البناء المدمر عن ثبوتيات وأوراق شخصية ومستندات».

أما "دانيال" فيقول وهو يشير بيده: «بيتي كان هنا بالطابق الثاني وقد أصبح رماداً وأثراً بعد عين، وأنقذتني العناية الإلهية عندما طلبني والدي قبل يوم لزيارته وتفقد حالته، وهو رجل كبير ومريض، ويسكن في "حي الشيخ سعيد" وطلب مني البقاء عنده مع زوجتي وأولادي وقال لي لا تذهب بالليل "الصباح رباح" ولم أعلم أن العناية الربانية تريد إنقاذي من هول الكارثة».

حكاية أم غدير

وفوق أتربة بناء آخر وقفت "فاطمة حميدي أم غدير" وهي تروي لنا قصة نجاتها من الموت حيث تقول: «أقطن مع ابنتي الوحيدة في هذا البناء بالطابق الأول، استيقظت يوم الإثنين بالساعة الثالثة فجراً لشراء الخبز من المخبز المجاور لنا، وعدت للمنزل بالساعة الرابعة، وكانت ابنتي تغط في نوم عميق، ولم أكد أبدأ بتبريد الخبز حتى بدأت أشعر بتواتر الهزات وترنح البناء يميناً وشمالاً، وهنا أدركت الخطر المحدق، وقفزت نحو فراش ابنتي وطلبت منها النزول بسرعة ونحن حفاة ومن دون غطاء نحو درج البناء لإنقاذ أنفسنا خارجاً، وتصادف هروبنا مع بعض الجيران الهاربين أيضاً، وما إن ابتعدنا أمتاراً قليلة عن المدخل، حتى هوى البناء فوق بعضه بشكل سريع، وكان فيه أحد عشر شخصاً من جيراني الذين عشت معهم ومنهم جاري "أبو عبدو الصعب" مع زوجته وأولاده، وكذلك جاري العجوز المقابل لمنزلي مع زوجته.. ستبقى هذه الذكريات تؤلمنا مدى الحياة، وأنا متعبة نفسياً وبدنياً من هول الصدمة وفقدان الأحبة».

فاجعة "بناء الباخرة"

وآخر جولاتنا كانت عند سقوط البناء الضخم والذي يسمى بالحي ببناء الباخرة حيث يقول لنا أحد الجوار ويدعى "أبو محمد": «هذا البناء خدع الجميع وبعد وقوع الزلزال صباحاً خرج كل قاطنيه وعندما لم يهبط ولم تبدو عليه آثار محتملة للسقوط عادوا إليه على أساس أن البناء سليم، لكنها إرادة الله جاءت ليهبط في الساعة الرابعة مساءً وراح ضحيته أكثر من خمسة وعشرين شخصاً أعرف أكثرهم».