يعد سوق "جب القبة" المجاور لحي "باب الحديد" القديم، واحداً من أشهر أسواق "حلب" القديمة والذي اشتهر وذاع صيته بشكل خاص ببيع الأجبان والألبان والسمن العربي والنباتي، والزيوت المواد الغذائية والتوابل والمكسرات، وبعد فترة توقف خلال الأزمة عاد النشاط التجاري للسوق متزامناً مع عودة الزبائن إليه.

الأوّل والأفضل

يقع "سوق جب القبة" في الجهة الشرقية من طرف المدينة القديمة، ويجاور أحياء "باب الحديد" و"البياضة" و"ساحة الملح" و"باب النيرب" و"بانقوسا"، ويمتد بطول يقارب ألفاً وخمسمئة متر، وعلى جانبيه تقع عشرات المحال التجارية والصناعية والخانات الحجرية الواسعة، وهو مكتظ ومزدحم بحركة الزبائن والعربات والآليات القادمة والمغادرة بعد تفريغ حمولاتها من البضائع، وكما يعرفه أبناء المدينة بأنه السوق الأول والمفضل لديهم بشراء مؤونة الأجبان والألبان والسمن والزيوت.

أنا متخصص ببيع التوابل الحلبية الشهيرة وتلك مهنتي ومهنة آبائي التي نعمل بها منذ سنوات طويلة، وكان لدينا محل بحي "القاطرجي"، ونتيجة حركة السوق النشطة وسهولة وصول البضائع إلى هنا، اقتنيت منذ خمس سنوات محلاً بسوق "جب القبة"

عراقة وشهرة

يتحدث التجار عن ميزات هذا السوق وعراقته وتميزه عن غيره من الأسواق.

الأجبان والألبان هي البضاعة الاكثر رواجا" في سوق جب القبة الحلبي.

والبداية كانت مع تاجر الأجبان والألبان "بهاء بركات" حيث يقول: «تبدأ حركة البيع والشراء بالسوق باكراً في الخامسة صباحاً مع وصول البضائع وتستمر الحركة حتى غروب الشمس.. محلنا متوارث ورغم مرور السنوات وتقلب الظروف بقينا محافظين على ذات المهنة، وهي بالدرجة الأولى متخصصة بتجارة بيع الأجبان والألبان والقريشة والسمن والزيوت والزيتون والعطون، ومن الطبيعي أن تزداد خبرتنا ومعرفتنا بهذه المهنة بعد تلك السنوات».

ويتابع "بركات" حديثه بالقول: «باتت العلاقة مترابطة وقوية مع زبائننا وتقوم على الثقة وهم ينتظروننا في مطلع شهر آذار من كل عام لشراء مؤونتهم من الجبنة وباقي مشتقات الحليب والزيوت، وأغلب بضائعنا من الأجبان تصلنا من البادية والمدن السورية الشرقية مثل "الرقة ودير الزور والحسكة والسفيرة وجرابلس وعين العرب"، وحتى من المدن البعيدة تصلنا بعض المواد من "السويداء ودرعا وريف دمشق"».

التوابل والزعتر والصابون موجودة بكثرة داخل سوق جب القبة.

شيوخ الكار

منظر عام لحي سوق جب القبة.

اكتسب تجار السوق نتيجة عملهم الطويل بهذا الكار الخبرة والمعرفة التي مكنتهم من تسوق أجود البضائع من الأجبان والألبان، الأمر الذي انعكس على تعامل كل زبون وثقته بتاجره الخاص به من دون غيره، ما ولّد علاقة طيبة تقوم على الثقة.

يقول تاجر الأجبان "حسن هزاع"- ستون عاماً: «هذه مهنتي التي تعلمتها منذ الصغر داخل محلنا هذا، حيث كنت أرافق والدي صباح كل يوم وأساعده في استلام ووزن وتوضيب البضائع الواصلة لمحلنا ومحاسبة الموردين، يبدأ تهافت الزبائن علينا للتسوق في التاسعة صباحاً إذ تعتبر الأجبان الواصلة لسوقنا من أفضل الأجبان التي تتميز بنكهتها ومذاقها الطبيعي، وتتسوق من هنا كافة فئات المجتمع من رجال أعمال ومثقفين وعمال ونساء، والبيع في غالبه يأخذ طابع الجملة على البيع بالمفرق».

ويضيف "الهزاع": «عمر السوق يتجاوز مئة عام، ولم يتوقف سوى خلال الأزمة الأخيرة ولمدة ثلاثة سنوات نتيجة الظروف، وخرج عن الخدمة، ما اضطر التجار لنقل بضائعهم وأشغالهم إلى "حي الرواد بالحمدانية"، ومع عودة الأمور إلى طبيعتها في أحياء المدينة عاد السوق إلى نشاطه وحركته المعتادة بالبيع والشراء».

تشكيلة واسعة

توجد داخل السوق محال متخصصة ببيع التوابل بمختلف أنواعها من زعتر وكمون وفليفلة حمراء ناعمة وزنجبيل وبهارات وجوز ولوز وفستق حلبي، وعن ذلك يقول التاجر "محمود حمصي"- خمسون عاماً: «أنا متخصص ببيع التوابل الحلبية الشهيرة وتلك مهنتي ومهنة آبائي التي نعمل بها منذ سنوات طويلة، وكان لدينا محل بحي "القاطرجي"، ونتيجة حركة السوق النشطة وسهولة وصول البضائع إلى هنا، اقتنيت منذ خمس سنوات محلاً بسوق "جب القبة"». ويضيف: «أغلب الزبائن بعد انتهاء تسوقهم من الأجبان والألبان يأتون إلينا لاقتناء ما يلزمهم من التوابل والأعشاب الطبيعية والزهورات اليابسة والزيوت والسمن والموالح والفواكه المجففة والمكسرات والمربيات بكافة أنواعها، ولمنتجاتنا سمعة جيدة بالجودة والنظافة والضمانة وثقة الزبائن».

تدخّل إيجابي

وختام الجولة وسط "سوق القبة" كانت داخل أحد المحلات المتخصصة ببيع الزيوت والسمن والأرز والبرغل والملح والشاي ودبس البندورة والمربيات، حيث شاهدنا وفرة في البضائع الموجودة داخل المحل، وحركة نشطة للزبائن.

َما دفعنا للاستفسار عن سر تفضيلهم الشراء من "سوق جبة القبة" دون غيره من الأسواق المنتشرة بالمدينة، ليكون دافعهم الأول انخفاض الأسعار، حيث تباع أغلبها بسعر الجملة وأقل من أسعار الأسواق الأخرى، إضافة إلى عامل الجودة والثقة والعلاقة الطيبة مع أصحاب المحال، حيث أصبح الشعار الأساسي للسوق هو التدخل الإيجابي لمصلحة المستهلك في ظل الظروف الحالية، على حد وصفهم.

تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل سوق "جب القبة" التجاري بتاريخ التاسع من شهر كانون الثاني لعام 2023.