تأخذ المبادرات المجتمعية قيمة مضافة أكثر عندما يكون روّادها أطفال أحبوا العمل الخيري بكل ما فيه من براءة الطفولة ومن صفاء ونقاء وفطرة إنسانية.

في قصتنا نذهب إلى قرية "عتيل" بريف "السويداء" لنتعرف على مبادرة فريدة من نوعها أبطالها أطفال قدموا مصروفهم اليومي الذي جمعوه في حصالاتهم ليرسموا البهجة على محيا أقرانهم من الأطفال المرضى بالسرطان، ليسهموا بذلك بنشر ثقافة التكافل الإنساني الطفولي بين رفاقهم في المدرسة والمجتمع.

عند اقتراب عيد الميلاد طلب "حيان" من والديه الاتصال بأحد الجمعيات الخيرية العاملة في الشأن الخيري الاجتماعي ومعالجة المرضى السرطان، ليقدم لهم حصيلة ما جمع من مصروفه الشخصي هو ورفاقه لتلك الجمعية

براءة الطفولة

بسعادة غامرة ارتسمت على محياه يتحدث الطفل "حيان العربيد" لـ"مدونة وطن" عن تفاصيل هذه المبادرة ويقول: «أردت في البداية أن أتقاسم مشاعر السعادة والفرح مع رفاقي في المدرسة، فقمت بتقسيم سندويشتي اليومية بيني وبين أحد رفاقي بالصف، شعرت بالسعادة الأمر الذي ولد لدي فرحاً من نوع خاص، وبدأت بشكل يومي أقوم بتقسيم طعامي بيني وبينه، وطلب مني أن أشارك معي أحد الزملاء أيضاً، وهكذا بدأت أزيد من حصتي من الطعام، وقد فعلت شقيقتي "ميسم" الشيء نفسه فأخذت تعمل بنفس الطريقة، وبالتالي بدأنا نتشارك الفرح مع رفاقنا، وبعد فترة ولدت فكرة جديدة هي تجميع المصروف اليومي في حصالة وتقديمها للمرضى بعد معرفتنا بوجود أطفال مصابين بالسرطان كون هذا المرض يحتاج إلى تكاليف باهظة في علاجه».

اسرة مهند العربيد

المبادرة تتسع

الشقيقان حيان وميسم العربيد

بدورها تتحدث الطفلة "ميسم العربيد" عن تجربتها بعدما لاحظت على شقيقها "حيان" تغيراً في سلوكه الشخصي الذي غلب عليه الهدوء والابتسامة والفرح، وحين أدركت الفعل وانعكاسه على أصدقائه ورفاقه، شاركته تلك المبادرة الطيبة وكان حقاً شعور غاية في السعادة، حسب وصفها.

وتضيف "ميسم": «اتفقنا على نشر تلك المبادرة فيما بيننا، وأن يتم تقديم طعام للزملاء في الصف الذي لا يستطيعون جلب سندويش معهم، وتطورت المبادرة بعد معرفتنا أن هناك أطفالاً مصابين بالسرطان وهم بحاجة لمساعدة مادية، فبدأنا بتجميع مصروفنا اليومي ضمن حصالة، ونشرنا بين الأصدقاء ذلك وأخذ كل منا يطرح على رفاقه المساهمة، وأخذت المبادرة تجد صداً عند معظم الطلاب، وقبيل رأس السنة طلبنا منهم الاتصال بإحدى الجمعيات الخيرية المعنية بمعالجة مرضى السرطان وتقديم ما تيسر لنا من جمع حصالتنا خلال العام الدراسي».

العائلة ومعهم سمير العربيد وزيد الحلبي

تشجيع ودعم

بدوره يقول رئيس مجلس بلدة قرية "عتيل" وعضو مجلس نقابة المعلمين في"السويداء" الأستاذ "سمير العربيد": «إن المبادرة الطفولية التي بدأها الطفل "حيان" فاجأت الجميع ولاقت التشجيع والدعم باعتبار أن والدته مربية ومعلمة مدرسة وهي تعمل على نشر ثقافة العلاقة المتبادلة بين المنزل والمدرسة، وهذا التكامل زرع نوعاً من الالتزام الإنساني بمساعدة الآخرين، أما فكرة جمع المصروف اليومي في حصالته، فساهمت بتنمية الجانب الإنساني الخيري لديه وعمل على نشر هذا العمل بين زملائه الطلاب بالسر».

ويتابع "العربيد" حديثه بالقول: «عند اقتراب عيد الميلاد طلب "حيان" من والديه الاتصال بأحد الجمعيات الخيرية العاملة في الشأن الخيري الاجتماعي ومعالجة المرضى السرطان، ليقدم لهم حصيلة ما جمع من مصروفه الشخصي هو ورفاقه لتلك الجمعية».

التّربية أولاً

من جهتها تحدثت المعلمة "أحلام ديب" وهي والدة الشقيقين "حيان وميسم" عن شعورها بالفخر والاعتزاز بمبادرة ولديها وانعكاس تربيتها المنزلية القائمة على حب الآخرين ومساعدتهم عليهما، وهي التي أخذت تبحث في مضمون زيادة المصروف واستهلاك الطعام اليومي، وكيف شجعت المبادرة ودعمتها.

وتضيف: «في البداية لاحظت أن حصتيهما من الطعام الذي يأخذانه للمدرسة تتزايد، وكذلك المصروف اليومي، شعرت بالقلق حيث لم أكن أعلم بالمبادرة، والتي لم اكتشفها إلا قبيل عيد الميلاد حينما طلبا مني ومن والدهما "مهند العربيد" استدعاء رئيس جمعية أصدقاء مرضى السرطان وتقديم حصالتيهما، وشرحا لي فكرة مشروعهم وكيف انتشرت مبادرتهم عند معظم طلاب المدرسة».

تكافل اجتماعي

مختار القرية "زيد الحلبي" وهو مندوب جمعية أصدقاء مرضى السرطان أوضح أن تلك المبادرة كانت مفاجأة بالنسبة للجميع، وتفاصيل عملها شكلت لنا حافزاً إنسانياً وأخلاقياً وكانت مؤشراً على أن أطفالنا فاعلون مجتمعياً بقدراتهم البسيطة وهم يسعون لنشر ثقافة التكافل الاجتماعي، ولعلهم قدموا درساً لأبناء المجتمع برسالتهم البريئة وموقفهم الأخلاقي النابع من التربية الصالحة والهدف الإنساني.

ويضيف المختار "العربيد": «لا أحد في قرية "عتيل" علم بهذه المبادرة إلا وشعر بالسعادة والفخر، وكانت خطوة مهمة نحو مبادرة عامة لتقديم المساعدة لمرضى السرطان الذين هم بحاجة حقاً للمساعدة المادية، لما يحتاج هذا المرض من تكاليف باهظة لإتمام مراحل علاجه، وكانت حصالات الأطفال "حيان وميسم العربيد" ورفاقهم خطوة صادقة من صميم أخلاقنا وتربيتنا وعاداتنا».