ثلاثة عقود مرت لا يزال فيها المعلم والمربي "نايف أبو فخر" يؤدي رسالته التعليمية والتربوية، ويرفد المجتمع بطلاب معظمهم باتوا أساتذة في الجامعات، إضافة لخبرته الإدارية والعلمية في القضايا المالية، لينقل خبرته السورية العلمية والتعليمية والإدارية المالية إلى دولة "الإمارات العربية المتحدة" ويصبح المرجع المحلف في المحاسبة القانونية.

ذاكرة الانتماء

في "كفر اللحف" تلك القرية الوديعة ذات التاريخ الحافل في العلاقات الاجتماعية والإنسانية والوطنية، كان الحديث مع المربي والمحاسب القانوني المحلف والخبير المالي "نايف أبو فخر"، والذي يوضح في حديثه لموقع "مدونة وطن" أنه من مواليد قرية "كفر اللحف" عام 1946من أسرة فلاحية منتمية لأرضها وعملها الزراعي، والده الذي لم يتابع تحصيله العلمي قرر أن يعوض ذلك بأولاده، فدرس "نايف" الابتدائية في قريته وانتقل إلى "السويداء" مشياً على الأقدام لدراسة الإعدادية والثانوية الفرع العلمي، ثم درس سنة صف خاص- أهلية تعليم لضيق الظروف المادية، وبعد أن برز كأحد المتفوقين ومن الخمسة الأوائل، اختار عكس رفاقه التعيين في "الحسكة" بدل محافظته "السويداء" ليعلم فيها خلال 1966-1967، وكان الهدف من ذلك أن يحصل على زيادة 35 بالمئة، وهذه الزيادة جعلته يسجل في الجامعة لدراسة الاقتصاد، وبعدها عاد إلى "السويداء" ليعلم بمختلف قراها وليحط به الرحال في الثانوية التجارية، وبعد حوالي ثلاثة عقود أصبح مديراً للمالية في "السويداء" لخبرته ونزاهته لفترة امتدت لثلاث سنوات وترك أثراً طيباً في ذاكرة كل من عرفه.

خلال حياتي التدريسية لم أشعر تجاه طلابي إلا أنهم أولادي، والحصة السادسة عندي هي نفسها الأولى بكامل الطاقة والنشاط، والأهم كنت أعمل على ترك جميع الهموم خارج الصف، وأدخل صافي الذهن مشتاقاً للطلاب والدرس، وكونت علاقات استمرت سنوات مع طلابي في "اللاذقية" التي درست فيها سنتين وفي باقي الأماكن التعليمية

حكاية الطبشورة

يشير المعلم "نايف أبو فخر" إلى عشقه لمادة الرياضيات، التي تفوق فيها في كل مراحله التعليمية، ويتذكر كيف كان أستاذه "منير عزام" يعتبره نموذجاً للطلاب وغالباً يستعين به كوسيلة إيضاح، وفي إحدى الأيام جاء إلى الدرس ولم يكن قد حل وظيفة الرياضيات وهي مسألة مؤلفة من ستة طلبات، دخل المعلم الصف وطلب أن يتطوع أحد الطلاب لحل المسألة، فأخذ "نايف أبو فخر" يلوذ برفاقه خوفاً أن يقع الاختيار عليه، وبعد فشل العديد من رفاقه، طلب المعلم "منير عزام" منه الحل، خرج إلى السبورة وهو يفكر، وكي يستفيد من الوقت طلب من معلمه أن يذهب بنفسه لإحضار طبشورة، فرد المعلم عليه هذه طبشورة وأخرجها من جيبه، في تلك اللحظات كان قد فكر في حل الطلب الأول وبدأ الحل، وبعد إنجاز كل طلب من الطلبات الستة يشرحه المعلم، وفي تلك الأوقات يفكر أثناء شرح كل طلب بحل الآخر، حتى أنجز كامل المسألة، فأراد إعادة الطبشورة للمعلم فقال له: "احتفظ بها فهي لك"، وما زال إلى يومنا هذا يحتفظ بها يستلهم على حد قوله طاقته التعليمية والتوجيه التربوي منها.

احد تلاميذه الاستاذ الدكتور تيسير المصري

تجربة حياة

الاستاذ نايف ابو فخر

يحمل المربي "أبو فخر" مجموعة من القيم والمثل التي استفاد منها خلال حياته وتجربته في الحياة عموماً وفي التعليم على وجه الخصوص، فقد شارك في حرب تشرين التحريرية وجرح في إحدى معارك الشرف، وشكّل له هذا الجرح رؤية مستقبلية تتلخص في أن الكتاب خير جليس، وهو مصدر للثقافة بأنواعها وعلى اختلاف تنوعها.

ويضيف "أبو فخر": «خلال حياتي التدريسية لم أشعر تجاه طلابي إلا أنهم أولادي، والحصة السادسة عندي هي نفسها الأولى بكامل الطاقة والنشاط، والأهم كنت أعمل على ترك جميع الهموم خارج الصف، وأدخل صافي الذهن مشتاقاً للطلاب والدرس، وكونت علاقات استمرت سنوات مع طلابي في "اللاذقية" التي درست فيها سنتين وفي باقي الأماكن التعليمية».

من طباشيره

تجربة اغترابية

يتابع "أبو فخر" حديثه عن مرحلة ما بعد التقاعد ويقول: «في أوائل 1990 سافرت إلى دولة "الإمارات العربية" وبقيت فيها 11 عاماً، ثم عدت رغم عدم رغبة الكثيرين، وحملت معي خبرتي العملية والعلمية واضعاً أمامي هدفاً يتلخص أن العمل الصحيح يجب أن يتغلف بالأمانة والإنجاز المميز، ولا أنكر أنني استفدت من الآخرين وخبراتهم في الاغتراب، وكونت مجموعة من العلاقات واستطعت تقديم خدمات لأشهر عديدة تحولت تلك الخدمات إلى قيم حتى انتزعت من رئيس المحكمة الشرعية في "الإمارات" تقديراً وإعجاباً بعد إنجازي تصفية تركة مالية لأحد المتخاصمين بدقة متناهية، تلك الخبرة كونتها من عملي في التدريس لمواد الرياضيات العامة والرياضيات المالية والإحصاء، والمحاسبة بتنوعها، إضافة لخبرتي بالإدارة والقانون».

قدوة ومثل

"جودت كمال" وهو من أهالي مدينة "السويداء" يوضح أن المعلم والمربي والمدير الناجح "نايف أبو فخر" وبعد أن أدى رسالته التربوية ورفد المجتمع بنخبة من الطلاب باتوا أساتذة في الجامعات ومعلمي مهن وحرف متنوعة، عمل مديراً للمالية في "السويداء" لثلاثة أعوام جمع بين العلم والثقافة الاجتماعية والقدرة الإدارية، والخبرة العملية وتحمل الناس ومشكلاتهم، وكان يتمتع برحابة صدر واسعة، ناتجة عن حبه للمصلحة العامة ولهذا كثيراً ما تجده في مكتبه لساعة متأخرة من الليل مع مجموعة من الموظفين، وهو ينجز معاملات الناس من دون كلل او ملل، ونال ثقة المجتمع بنزاهته وحرصه على عمله، فكان مثالاً يحتذى به في العمل العام.

بدوره يقول الأستاذ الدكتور "تيسير المصري" أستاذ المحاسبة في "جامعة دمشق": «بالنسبة لي، كان من محاسن القدر أن أتتلمذ على يد رجلٍ متميّزٍ مقتدر، قدوة في العطاء والتضحية، في الأخلاق والقيم، امتلك قدرات فريدة في التعامل معَ كُلِّ مَنْ حولِه، خصوصاً مع طلابه على اختلاف شخصياتهم وطبائعهم ومستوياهم، فاكتسب محبتهم واحترامهم، هو واسع الأفق، جريء في قوله، صلب في مواقفه، صاحب رأي ومشورة، ويبحث دوماً في خلفيات القضايا التي يعالجها، ويحاول معرفة حقائقها وخلفياتها، لذا كان صاحب رأيٍ سديد وحجّةٍ قوية».

بنك للمعرفة

ويضيف "المصري": «الحقيقة أنه لم يزودنا بمعارف علمية وحسب، بل زودنا بخبراتِ حياةٍ، وبذخيرةِ النجاح والتميّز، ولقد كان لأساليبه الخاصة في توصيل المعلومات وقعٌ خاصٌ لدي، تجلّى بدخولي قطاع التعليم العالي، كان يمهّد ويؤسّس في أذهاننا للأفكار والمعلومات التي سيزودنا بها، ليضمن رسوخها ثم يعرض المعلومات بتسلسل منطقي، يعتمد على علاقة السبب بالنتيجة، فتغدو المعلومات كتلة متجانسة، متراصة، سهلة، واضحة، فضلاً عن اتساع مداركه لقضايا الحياة والمجتمع، فهو لم يهتم فقط بمواد التخصص العلمية، بل أعطى اهتماماً كبيراً لمواد الرياضيات المعقدة، خصوصاً الرياضيات المالية، وكان ضليعاً باللغة العربية الفصحى، يتقنها بتميز، ولا ينطق بأيّ معلومة علمية إلاّ بها.. لم ينقطع تواصلي معه حتى الآن، فهو صاحب فضل كبير لا يُنسى، ولا شك أن ما نحصِدَه في حياتنا المهنية من نجاحات، له حِصّةٌ كبيرٌ منها.. أقول بصدق: لو أنَّ كلَّ من حمل لواء العلم ورسالته، وامتلك ما امتلكه أستاذي الكبير "نايف أبو فخر" من إمكانات وقدرات وكفاءات وطاقات وإرادة وقيم، لكنا من أفضل الدول المتقدمة وأرقى شعوبها».