تميزت الأعراس الحلبية أيام زمان وحتى وقت قريب بعاداتها وطقوسها الجميلة، فيجتمع أهالي العروسين والأقرباء والجيران والمعازيم والضيوف ويسود الغناء الشعبي والحلبي في أجواء من الحماسة والبهجة والفرح.

كانت الأعراس الحلبية تقام سابقاً للرجال على أسطح المنازل العربية أو في وسط الساحات العامة أو في إحدى المزارع أو في الصالات، فيما انحصر إقامة أعراس النساء وفق ضوابط صارمة من خلال بيوت محكمة ومضبوطة أو في إحدى الصالات.

نتمنى العودة للزمن الجميل بالكرم والتسامح وحصر الحفل بأغاني النغم الحلبي والسوري الجميل ودعوة الجميع

عراقة وتاريخ

وفي "حلب" ذاع صيت صالة "دار الأفراح" الواقعة بطلعة "الشيخ أبو بكر"، والتي اشتهرت كثيراً بعراقتها وعاداتها ومكانتها واحتضانها الكثير من حفلات أعراس النساء مع الموالد النبوية والإنشادية وحفلات التخرج الدراسي والولادة والصلحات بين العوائل.

برشور قديم عن افتتاح صالة دار الافراح يعود غلى عام 1956.

يستعرض صاحب الصالة "عثمان خشاب" في حديثه للمدونة تاريخ وعراقة صالة الأفراح قائلاً: «تعتبر صالة الأفراح مع صالات "قهوة البرتقال والنشاوي والشغالة" من أقدم الصالات الحلبية للأعراس، ويعود تأسيس دار صالة الأفراح إلى عام 1956 لصاحبها الحاج "محمد طحان" الذي اقتبس فكرة بنائها بالشكل والمضمون من الصالات المصرية التي عرفها خلال حياته التي عاشها هناك، وبالأخص صالة دار الأوبرا المصرية، وبنى صالته التي تتسع 450 كرسياً مع فسحة واسعة لفرقة الرقص العربي والدبكات، وفي عام 1998 ونتيجة ظروف خاصة به عرضها صاحبها "الطحان" للبيع بالمزاد العلني، وفي عام 2005 اشتراها والدي "عبد الهادي خشاب" مع شركائه الدكتور "عبد القادر درويش" و"مصطفى خشاب" و"عبد الجواد سماقية" من صاحبها الجديد، واتفق الشركاء فيما بينهم على تنشيط الصالة وتجهيزها بكل المستلزمات اللوجستية من وضع أجهزة صوت حديثة وتجديد الطاولات والكراسي والإنارة، كل ذلك لجعل الأعراس الحلبية تعود إلى ماضيها الجميل وبأجمل حلة تراثية وبطقوسها المعروفة التي يحبها ويعشقها الحلبيون».

ويضيف: «لاقت دار الأفراح في بداياتها الكثير من الإقبال والتفاعل والنشاط واستقطبت أغلب حفلات الأعراس والمناسبات وبالأخص أعراس النساء، وغنى في أعراس الرجال كبار المطربين الحلبيين أمثال "محمد خيري" و"مصطفى ماهر" و"أبو رشيد خانطوماني" و" أبو عبدو القضيماتي"، ومن النساء المطربات "فايدة عادل" و"سحر" و"غيثاء بودقة" و"الحزوانية" و"أم سامي" و"نجوى محمد" و"سامية الأمير"».

"عثمان خشاب صاحب "صالة دار الافراح" بحلب.

تقاليد وطقوس

شهادات أهالي الحي "سمير جذبة - زكريا قباني - مدير الصالة "عبد الهادي خشاب" .

يقول العم "سمير جذبة" 61 عاماً وهو من أهالي حي "الشيخ أبو بكر": «اشتهر أهالي حينا بإقامة أجمل الأعراس الحلبية الجميلة واستقطاب كبار المطربين الحلبيين لإحياء حفلاتهم، وكنا نحرص أبناء الحي جميعاً على المشاركة والتفاعل والحضور كنوع من الواجب ومشاركة أهل العريس أفراحهم وتقديم الهدايا، وحضرت الكثير من الحفلات المتنوعة سواء للأعراس أو الموالد أو مناسبات الأعياد الدينية داخل صالة الأفراح الشهيرة بترتيبها وشكلها وحرصها على إخراج الحفلات التي تقام داخلها بأبهى صورة، فقد تميزت أعراس الرجال بطقوس عديدة أهمها حرص المعازيم على الحضور بكامل الأناقة من خلال ارتداء اللباس العربي والمشاركة بالغناء والرقصات وزف العريس وتقديم التهاني والمباركات، ودعوة أحد المطربين الشعبيين مع فرقته الموسيقية لإحياء الحفل، ويلجأ المطرب في غنائه ومواويله إلى ذكر أسماء أهل العريس كثيراً إرضاءً لهم ولكسب ودهم، ثم يتوقف الحفل في منتصفه لإذاعة الشوباشات ومقدمي الهدايا من الحاضرين وأعمام وأخوال العريس».

فيما تتحدثت السيدة "صبا كنعان" 50 عاماً بالقول: «لا تقل أعراس النساء بهجة وطرباً ونغماً عن أعراس الرجال، فيما تختلف طقوس أعراس النساء من خلال التقيد بضوابط وقواعد صارمة، أهمها عدم السماح للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم السابعة من الحضور، وعدم السماح للضيوف بالتصوير، إذ يقتصر التصوير على أهالي العروسين فقط، وتحيي الحفلة إحدى المطربات وتسمى (الخوجة) ويكون لها فرقتها الخاصة مع الطبالة ويرافقها عازف البيانو الذي يكون بغرفة منعزلة خارج الصالة، حيث تتواصل المطربة معه من خلال ميكروفون وتحدد له اسم المعزوفة والأغنية التي تطلبها النسوة».

عودة خجولة

خرجت الصالة نتيجة ظروف وآثار ومخلفات الحرب عن الخدمة مدة أربع سنوات، وتعرضت لأضرار كثيرة في السقف وخزانات المياه وشبكة الكهرباء والمولدات، وتمت إعادة ترميمها، وعودتها للعمل، كما يقول "الخشاب" ولكن النشاط والحفلات لم يعد كما كان سابقاً قبل الحرب، بل خف الطلب على الصالة كثيراً نتيجة الظروف الاقتصادية الأخيرة، ولجوء الكثير من الأهالي والشباب إلى إقامة حفلاتهم ضمن منازلهم لضيق الحال وتوفيراً للكثير من المصاريف.

أما جار الصالة "محمد زكريا قباني" فيقول: «الأعراس الحلبية سابقاً وفي كل الصالات الحلبية كانت لها نكهتها وطابعها وبهجتها ورونقها وكرمها، حيث يجتمع أبناء الحي على العزائم والفرحة والمحبة، ويتم فيها التسامح والكثير من الصلحات بين المتخاصمين وتبويس الشوارب، وسماع الطرب الحلبي على أصوله، ولكن حالياً وللأسف لم تعد أعراسنا كما كانت في السابق بل أصبحت محصورة بالعدد والاسم والدعوات الخاصة، عدا عن كونها مكلفة وباهظة وبعض العوائل بدأت تتملص من إقامة حفلات زواج لأبنائهم لظروفهم الاقتصادية الصعبة».

ويضيف: «نتمنى العودة للزمن الجميل بالكرم والتسامح وحصر الحفل بأغاني النغم الحلبي والسوري الجميل ودعوة الجميع».

تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل صالة الأفراح بحي الشيخ أبو بكر بتاريخ الخامس عشر من شهر كانون الثاني لعام 2023.