لم تقف العادات والتقاليد الاجتماعية -التي عادة ما تحجم من دور المرأة وتضعها في قوالب عمل جاهزة- حائلاً دون رغبة الشابة "أريج علوان" من تأسيس مشروعها الصغير والمتمثل بافتتاح "بسطة" لبيع القهوة على الرصيف، وهو المشروع الذي أرادت من خلاله كسر نمط الاتكالية على عائلتها فحققت من خلاله دخلاً مادياً مقبولاً يساعدها وأسرتها على تخطي الصعوبات.

إصرار وتحدٍ

حملت "علوان" الكثير من الأفكار الخلّاقة والمبتكرة التي عملت بها على أرض الواقع متجاوزة بها عمرها، بهدف تخطي فكرة الاعتماد على العائلة وتخفيف الضغوط المادية والاجتماعية عنها، فكانت تجربتها الجريئة ببيع القهوة.

أشجع المرأة بشكل عام وأميل إلى مناصرة قضاياها المجتمعية وخاصة الأنثى العزباء، لتمتلك خياراتها الخاصة بعيداً عن التبعية العائلية أو الأسرية، كالاعتماد على الذات وتأمين الاستقلالية الذاتية، فهي كائن قادر ويمتلك جميع المؤهلات التي تجعلها إنساناً منتجاً

ورغم أنها كانت تحت رحمة نظرات الاستغراب حيناً، والاستياء من البعض لوقوفها على بسطة فوق الرصيف أحياناً أخرى، قررت الاستمرار بعملها والمضي قدماً بمشروعها الصغير غير مبالية بنظرات الاستهجان والاستياء والتي كانت تتغلب عليها بالابتسامة الدائمة والمواضيع المتعددة والمتنوعة التي تحاول إثارتها مع الزبائن بهدف توطين العلاقات معهم، وقد أفلحت بهذه الخطوة كما الخطوات السابقة وأصبح لديها الكثير من الزبائن الصباحيين الدائمين، على حد قولها.

أريج علوان

مشروع ريادي

جوزيف دير عطاني

تجاوز مشروع "أريج" غير المسبوق في مدينة "بانياس" العادات، لأنه اعتمد على الجرأة وفق ما أكدته الشابة في حديثها للمدونة حيث تقول: «أشجع المرأة بشكل عام وأميل إلى مناصرة قضاياها المجتمعية وخاصة الأنثى العزباء، لتمتلك خياراتها الخاصة بعيداً عن التبعية العائلية أو الأسرية، كالاعتماد على الذات وتأمين الاستقلالية الذاتية، فهي كائن قادر ويمتلك جميع المؤهلات التي تجعلها إنساناً منتجاً».

ما أمنت به "أريج" جسدته في حياتها اليومية من خلال الأعمال التي قامت بها، منها العمل كمربية أطفال، وكذلك "كومي" في مطبخ وبائعة في محل ألبسة، وممرضة في عيادة أسنان ومندوبة مبيعات، حتى تمخضت لديها فكرة العمل على بسطة لبيع القهوة، وفي كل عمل قامت به خلقت حالة تميز لها، رافضة مقولة أن هذا العمل خاص بالذكور.

أناغيم علوان

وتضيف: «الهدف كسر الصورة النمطية للفتاة في مجتمعنا الشرقي.. رغم أن أسرتي كانت قادرة على مساندتي إلى حد ما، لكنني ومنذ ستة أعوام تقريباً رفضت الاتكالية وبدأت مسيرتي العملية في الحياة، ومشروعي الصغير جداً على بسطة بيع القهوة لم يكن نتيجة الحاجة للعمل أو كسر العادات والتقاليد المجتمعية البالية فقط، وإنما أيضاً كان نتيجة عشق وحب لهذا المكون القادم من الطبيعة وهو القهوة، وقدرتي على تقديمه بشكل متميز لعشاقه، من مبدأ أن البحث عن الاختلاف يخلق استمرارية».

طرفة

كثيرة هي المواقف التي تعرضت لها "أريج" بعضها ارتبط بجرأتها وبعضها الآخر ارتبط بغرابة الفكرة المشغول عليها، فكانت المستوعبة والمستفيدة والموظفة للنتائج.

تقول الفتاة: «من المواقف الطريفة التي تعرضت لها أن بعض الزبائن ظنوا أن عملي هذا هو عبارة عن دعاية تسويقية لشركات معينة، ورغبوا بتناول فنجان القهوة مجاناً، وتجاوزت هذا ببساطة من خلال تبسيط الأمور وخصم جزء من سعر الطلب، وهنا أمرر بحديثي مع الزبون أن هذا عملي الخاص لتأمين دخل مادي ومصاريف جامعية.. البعض الآخر كان يرمقني خلال مروره بجانبي بنظرات الاستغراب المعجونة بابتسامة بسيطة، لكون غالبية بائعي القهوة في مدينة "بانياس" وحتى "طرطوس" هم من الذكور فقط، إضافة إلى أن الغالبية يصنعونها بطريقة الغلي ولا يوجد أحد يقدمها بأسلوب الإسبريسو السريع مباشرة ويدوياً».

لمسات أنثويّة

يتكون مشروع "أريج" من بسطة هي عبارة عن طاولة خشبية صغيرة صممتها بأسلوبها الخاص ووضعت بصمتها الأنثوية عليها، فزينتها برسوم ونقوش وألوان جاذبة، وكذلك زينت الأدوات التي تعمل بها وحافظت على الترتيب العام للمكونات، هذا على صعيد الشكل العام أما على صعيد المذاق فأصبحت قهوة الرصيف أشبه بالكريمة نتيجة استخدام خفاقة يدوية تعمل على الكهرباء.

تكشف "اريج" المزيد عن تجربتها بالقول: «المساندة العائلية كانت بمكانها المناسب وخاصة من والدتي المؤمنة بأفكاري، ما أعطاني دفعاً معنوياً تخطيت به نظرات الناس المستغربة لعملي ووقوفي في الشارع على بسطة، وكذلك كسر حواجز كبيرة بيني وبين الزبائن، فأتحدث معهم بمختلف المواضيع خلال انتظارهم تجهيز القهوة بهدف بناء علاقات اجتماعية سليمة، وخلال هذا الحديث أدرك مدى عشق الزبون للقهوة وبأي درجة حرارة يفضلها، خاصة مع تجاوزي مشكلة الكهرباء واستخدام البطارية التي تقوم بالعمل على أكمل وجه».

مذاق مختلف

يتحدث "جوزيف دير عطاني" أحد زبائن "أريج" عن تجربتها، مؤكداً أنها تجاوزت القيود الاجتماعية في مشروعها وقدمت القهوة بمذاقها المميز والمختلف عن جميع باعة مدينة "بانياس"، وعليه فقد أصبح زبوناً دائماً عندها، لافتاً إلى ضرورة تشجيعها ودعمها لضمان استمرارها بعملها.

بينما "أناغيم علوان" و"براءة خباز" فأكدتا أن قهوة "أريج" تختلف بمذاقها عن القهوة التي يجري إعدادها في المنزل، وأشادتا بتجربة "أريج" وأفكارها الخلّاقة وجرأتها، وأيضاً بخبرتها المجتمعية وتحديها للواقع الذي كانت أقوى منه، إضافة إلى أن قهوتها بعيدة عن النظرة المادية فهي مناسبة للجميع لكونها تقدمها حسب الطلب والذوق والقدرة المالية.

يذكر أن الشابة "أريج علوان" من مواليد مدينة "بانياس" عام 1995 وتتابع تحصيلها الجامعي للسنة الثانية في قسم الترجمة ببرنامج التعليم المفتوح.