بهدف الحفاظ على الحياة الاجتماعية وإضفاء روح جديدة في حياة من كانوا بالأمس شباباً وأصبحوا اليوم كهولاً، قام أعضاء أخوية الرحمة في "السقيلبية" بتأسيس دار للمسنين، وهو الهاجس الذي راودهم كثيراً ليصبح حقيقة وصورة تنبض بالحياة في وجه الدمار، فكانت دار "كاترينا" للمسنين الفسحة الآمنة لترميم ما فعلته الحرب وسنوات العمر الكثيرة.

بداية الحُلم

كان تأسيس دار للمسنين في "السقيلبية" بمثابة حلم تحوّل إلى واقع، "مدوّنة وطنeSyria " تواصلت مع الناشط الاجتماعي "مدحت مطانيوس العبد الله" عضو في النواة المجتمعية في الجمعية "السورية للتنمية الاجتماعية" للحديث عن المرحلة التأسيسية لدار "كاترينا" للمسنين، والذي يقول: «كان تأسيس دار للمسنين حلماً يراود أعضاء "أخوية الرحمة" كافة في "السقيلبية"، وكان بداية تحقيق الحلم حين تبرّع السيد "جرجس ديوب كاترين" الذي كان عضواً في هذه الأخوية بمنزله ليكون داراً للمسنين من دون مقابل لمدة عشر سنوات، والمنزل مؤلف من ثلاثة صالونات وأربع غرف وحمامين ومطبخ وحديقة، وبعد وفاته حقق أبناؤه تلك الوصية».

أعمل على تفقد المسنين في الدار ومساعدتهم في بعض القضايا النفسية والإرشادية والاطلاع على المعوقات والمشكلات وحلّها بالطرق المثلى، بالإضافة لمساعدتهم بالتواصل مع ذويهم في المغترب، كما أشاركهم أفراحهم وأحزانهم

ويضيف "العبد الله": «بدأ العمل بدار "كاترينا" في مرحلته الترميمية وإعادة تأهيله بأعمال مختلفة بعد تضرره نتيجة لعمل إرهابي تعرضت له مدينة "السقيلبية"، وتم تجهيز حديقة الدار بالعمل الأهلي وبمساعدة الجوار والأصدقاء وغيرهم، وبالتعاون مع المجتمع الأهلي والمؤسسات الحكومية وغيرها، وكان للجمعية "السورية للتنمية الاجتماعية" مركز "السقيلبية" حضور مميز مع كوادرها من بداية التأسيس وحتى الآن».

نشاط رياضي ضمن الدار

الانطلاقة

تعاون النزيلات في الأعمال

وبعد الانتهاء من الترميم وإنجاز الأعمال يتابع "مدحت العبد الله" قوله متحدثاً عن الافتتاح: «بتاريخ 12 تشرين الثاني عام 2020 تم افتتاح الدار بحضور مطران "حماة" وبمشاركة واسعة من مختلف شرائح المجتمع، وبعد شهر واحد من الافتتاح بدأنا باستقبال النزلاء في دار "كاترينا" للمسنين في مدينة "السقيلبية" بحي "سلطانة"، الذي يشرف على سهل "الغاب" الفسيح وجبال الساحل الخضراء وجارتها من الجهة الشمالية مدينة "أفاميا"، ومن الدار تستطيع أن ترى أوابدها بالعين المجردة، ومنذ الافتتاح لم تنقطع عن الدار مبادرات وزيارات المتحمسين والمتطوعين والمتبرعين، فالدار هي أول دار من نوعها في "السقيلبية"».

أنشطة متنوّعة

من خلال متابعتنا لصفحة دار "كاترينا" للمسنين على الفيسبوك نلاحظ أن هناك حياة تسودها المحبة والقيم الإنسانية النبيلة.

إحدى النزهات الخارجية

يتحدث "العبد الله" عن ذلك بالقول: «الحياة في الدار عبارة عن حياة اجتماعية أسرية تغذيها روح التعاون، يوجد في الدار مساحة من الأرض الزراعية نقوم بزراعتها ببعض الخضروات تغطي حاجة الدار، بالإضافة للعناية بالأشجار المثمرة من (الليمون والبرتقال والتين والعنب والأكيدنيا والرمان ونباتات الزينة والورود)».

ويضيف: «هناك أنشطة أخرى للمسنين منها الرياضية والاجتماعية بالتشارك مع بعض الجمعيات الخيرية وغيرها بتقديم برامج ومبادرات ثقافية اجتماعية ترفيهية وتأهيلية لدمج النزلاء بالمجتمع، بالإضافة إلى وجود الضيوف والزوار وبعض الأخويات الخيرية بأوقات محددة.. ونصبو إلى خلق جو تآلفي اجتماعي ترفيهي للتخفيف من حالة العزلة التي يعيشها المسنون، ودمجهم بالمجتمع الأهلي وممارسة بعض الهوايات التي يمتلكها بعض النزلاء».

روح المحبّة

يتابع "العبد الله" حديثه عن الفريق التطوعي في الدار ويقول: «يعود الفضل للكادر التطوعي في الدار الأب "لويس اسكاف"، والدكتور "حسام الشيخ"، وأنا "مدحت العبد الله" وزوجاتنا، يسعى هذا الكادر إلى خلق روح الأسرة الواحدة والتعاضد والتآلف ومتابعتهم، والاحتفال بمناسباتهم الخاصة والمناسبات العامة والاهتمام بتفاصيل حياتهم ومتطلباتهم وتقديم الحلول المناسبة والتواصل مع كفلائهم وإشعارهم بشكل دائم بأنهم هم أصحاب الدار، ونحن موجودون لخدمتهم.. كما نقوم بتنظيم بعض النزهات في الطبيعة، ونحيي لهم بعض السهرات بمناسبة الأعياد وغيرها، ويجدر بالذكر أنهم جميعاً يتناولون الطعام بوقته المحدد على طاولة واحدة».

رُسوم رمزيّة

وعن آلية العمل في استقبال نزلاء الدار يقول "العبد الله": «يشترط بالنزيل المسن أن يؤدي حاجاته الأساسية بنفسه، ولديه كفيل من ذويه يوقع على استمارة إقامته في الدار، ويلتزم بتقديم تقرير طبي يشرح حالته الصحية من أمراض وغيرها لتتم متابعتها من طبيب الدار، ويلتزم الكفيل بدفع رسم إقامة المسن شهرياً والذي هو حتى الآن 75 ألف ليرة سورية، ويتكفل بالأدوية التي يحتاجها النزيل والفحوصات والتحاليل والعمليات الجراحية، تضمّ الدار حالياً مجموعة نزيلات من السيدات الأرامل والعازبات، ولكل واحدة منهن صفات خاصة حملتها من البيئة التي أتت منها، هناك الممرضة وربة المنزل والخياطة والتي تحوك الصوف، والبعض منهن يمتلكن حسّ الفكاهة وحبّ الغناء والرقص وبالتالي هذا التنوع يخلق جواً من التعاون والفرح».

مساحة أمان

لابدّ لكل عمل من هدف يقوده إلى النجاح والاستمرار، وهنا يقول الأب "لويس اسكاف": «كان الهدف من تأسيس الدار خلق مساحة من الأمان والاستمرار، وتعميق قيم الحياة الاجتماعية لشريحة المسنين بعد أن فقدوا أبناءهم، وهاجر ذووهم خارج القطر، وأمسوا يعانون الوحدة وقلة الاهتمام ضمن جدران بيوتهم الحزينة، وإيماناً بواجب إكرام الوالدين وتأمين حياة كريمة لهما في شيخوختهما، فكانت الدار الفسحة الآمنة لتعزيز ثقافة الأسرة والتعاضد الأسري، وتشجيعهم على خلق الحياة الجميلة والتواصل، وملتقى يحمل في طياته الكثير من القيم الإنسانية التي تخفف من آلام جراح الحرب، وهكذا أصبحت الدار مطلباً إنسانياً، ومن واجب المجتمع والجهات المعنية تأمين حياة كريمة لأولئك الذين ينقصهم الحبّ والاهتمام لأسباب مختلفة».

ويضيف: «أعمل على تفقد المسنين في الدار ومساعدتهم في بعض القضايا النفسية والإرشادية والاطلاع على المعوقات والمشكلات وحلّها بالطرق المثلى، بالإضافة لمساعدتهم بالتواصل مع ذويهم في المغترب، كما أشاركهم أفراحهم وأحزانهم».

قصص وحكايات

بدورها تقول أول نزيلة في دار "كاترينا" للمسنين "كريمة اليوسف": «كنت أعاني الوحدة والمرض وأجد صعوبة في تأمين احتياجاتي، فكانت إقامتي في الدار نتيجة لكل تلك الظروف التي مررت بها، وقد تغيرت أشياء كثيرة في حياتي من الجوانب كافة النفسية والصحية والاجتماعية، وأعيش مع النزيلات والمشرفين في الدار جوّاً أسرياً مليئاً بالمحبة والراحة، فقد كنت أول نزيلة في الدار».

أما النزيلة "سعاد فلوم" تتحدث عن حياتها في الدار قائلة: «عملت بوظيفة ممرضة سنوات طويلة، ولكنني حين تقاعدت أصبح الظرف صعباً، فكان الحل الإقامة في دار المسنين حيث الحياة الاجتماعية والعناية والرعاية، ونحن في هذا العمر أحوج ما نكون إليها لنعيش حياة هادئة آمنة، وهنا تسير أمور الدار بشكل جيد ومناسب من النواحي كافة».