أثبتت "ولاء كيوان" -وهي أم لطفلين- أنه مهما ضاقت الأحوال وسبل العيش، ثمة دائماً أمل لتغيير الوضع المعيشي للأفضل من خلال العمل، حيث وجدت في الزراعة النظيفة من خلال إنتاج سماد طبيعي صحي بمكونات سليمة من دون آثار مضرة على الصحة، فرصة مكنتها من الاستغناء شبه كامل عن الأسواق والخضروات مجهولة المصدر.

من رحم المعاناة

بدأت الفكرة مصادفة، فبعد زيارات للطبيب الذي نصحها بانتقاء خضروات طبيعية لتغذية ابنها لتقوية مناعته، عكفت "كيوان" وزوجها على البحث عن طريقة مناسبة، لتحول ما يقرب من أربعمئة متر من الأرض المحيطة بمنزلها إلى مساحة منتجة لنوعين من الأسمدة، وأنواع مختلفة من الخضروات التي باتت المكون الغذائي الأهم لأطفالها، فهي منتجات تعتبرها نقية من العناصر الكيميائية الخطرة، كونها طبقت تجارب سماد الكومبوست بحرفية ومهارة من دون كلف مادية عالية، واستثمار لكل بقايا الطعام والمشروبات مع مخلفات الحيوانات.

التقليب يحتاج لجهد عضلي كبير ومتابعة، وكان زوجي مهتماً بالمواعيد والتقليب المناسب للحصول على سماد غني، وقد ظهر الفارق بشكل جلي في أول مرحلة من حيث نجاح الزراعة ونضارة المزروعات، وعليه أخذنا نزرع أنواعاً جديدة إضافة لـ"المسكبة" الاعتيادية من البقدونس والرشاد والكزبرة والخس التي تزرع بالعادة في الحدائق وأضفنا السبانخ والسلق وغيرها

تشير السيدة "كيوان" إلى أنها حاولت من خلال الإنترنت، البحث عن كيفية الحصول على أسمدة عضوية، وبدأت الفكرة من عشقها للزراعة عندما جربت الزراعة عدة مرات ولم تحصل على نتيجة جيدة، لأن التربة تحتاج للعناية وطرق تكفل تغذية مناسبة بالعناصر الكفيلة بإنتاج مزروعات جيدة، وهذا لم يتحقق إلا بعد الالتحاق بدورة أقامتها دائرة العلاقات المسكونية كانت كفيلة بتدريبها على طرق علمية زراعية ناجحة.

ولاء كيوان وخضار يانعة في كل المواسم

اجتهاد ومثابرة

تعليم السيدات على الزراعة

تقول "كيوان": «التحقت بدورة لزراعة النباتات الطبية نظمتها دائرة العلاقات المسكونية في "السويداء"، وكل المعلومات التي تلقيتها حاولت تطبيقها على أرض الواقع في قطعة الأرض المحيطة بمنزلي، كان الدافع الكبير لي في هذه التجربة الحصول على نباتات صحية للتغذية، وفكرة تطبيق السماد العضوي بدأت من سؤال حاولت الإجابة عليه بالتجربة والعمل، فلماذا نشتري السماد الكيميائي وهو غالي الثمن، ونعرف جيداً أن فيه مخاطر كبيرة، مع العلم أن لدينا فرصة لإنتاج سماد عضوي طبيعي خالٍ من السموم والمواد الكيميائية ومناسب للتغذية، ولدينا القدرة على الحصول على أسمدة طبيعية من خلال الحصول على سماد الكومبوست، وذلك بالاستفادة من توالف البيئة مثل بقايا أوراق الشجر المتساقطة والأوراق الخضراء، وخلطها مع مخلفات الحيوانات على شكل طبقات بنسب معينة وتخميرها، وقد ساعدني زوجي "حسام أبو فخر" على تهيئة المكان والحفرة والخلط واستطعنا معاً توفير أموال لشراء السماد لزرع البذور بالمرحلة الأولى والحصول على شتول مناسبة».

وتضيف: «التقليب يحتاج لجهد عضلي كبير ومتابعة، وكان زوجي مهتماً بالمواعيد والتقليب المناسب للحصول على سماد غني، وقد ظهر الفارق بشكل جلي في أول مرحلة من حيث نجاح الزراعة ونضارة المزروعات، وعليه أخذنا نزرع أنواعاً جديدة إضافة لـ"المسكبة" الاعتيادية من البقدونس والرشاد والكزبرة والخس التي تزرع بالعادة في الحدائق وأضفنا السبانخ والسلق وغيرها».

المهندسة إيمان دبيسي

تشاركية

بهذه المحاولة المنزلية وبفضل الكمبوست المكون من البقايا العضوية ومخلفات الحيوانات والتقليب والترطيب المستمر، أصبحت البذور تنبت خلال خمسة أيام، وحصلت على إنتاج من جميع أنواع الخضار بطريقة صحية، وطوّرت تجربة جديدة غايتها الاستفادة أيضاً من تفل القهوة والمتة والشاي، وكل ما يتبقى من هذه المشروبات التي تنتج عنها كميات كبيرة يومياً، وأضافت بقايا متنوعة من قشر البيض ومواد أخرى تخمر ببرميل منفصل لفترة معينة من الزمن مع التغطية لتشكل ما يسمى السماد الخضري، الذي وجدته مناسباً لنمو الخضروات وزيادة الخضرة واستخدامها لري المزروعات والسائل أعطى نتائج رائعة.

وبعد نجاح تجربتها، لم تحتكر السيدة نجاحها لنفسها فقد شاركت مع جمعية "براعم" لرعاية الطفولة، وقدمت تجربتها لأكثر من ثلاثين متدربة، كما شاركت في دورة أخرى في قرية "كناكر" جنوب غرب مدينة "السويداء"، انضم إليها أكثر من خمسين سيدة لتعريف السيدات الراغبات بالزراعة في المنزل على تجربتها.

وتضيف: «إنتاج كميات كبيرة يحتاج إلى الكثير من المياه للري، لذلك كان الإنتاج بكميات قليلة، ولم أخصصها للتسويق مع العلم أننا حققنا الاكتفاء الذاتي من الخضراوات كالنعناع والبردقوش والزعتر الخليلي والكزبرة والبقدونس والرشاد والسلق والسبانخ والفجل والجرجير والبصل الأخضر، إضافة إلى الخضار الصيفية مثل العجور واليقطين والفليفلة والبامية والبندورة الكرزية، وبالتالي نحتاج منحة أو قرضاً يساعدنا على تطوير المشروع للتمكن من تقديم السماد في الأسواق».

وإضافة إلى الزراعة عملت السيدة "كيوان" على استخلاص زيوت النباتات العطرية مثل زيت النعناع وغيرها من النباتات العطرية، واستخدمت مواد طبيعية بديلة عن المبيدات الكيميائية مثل الخل والملح وورق البطاطا وأعقاب السجائر، وطبقت كل ما يصل إليها من معلومات علمية ساعدتها على تدوير كل ما لديها لدعم تغذية الأسرة.

متابعة وإعجاب

المهندسة "إيمان الدبيسي" رئيسة قسم الإنتاج الأنظف والطاقات المتجددة والبديلة في مديرية البيئة في "السويداء" تابعت إنتاج السيدة "كيوان" من خلال عينات شاركت بها في معرض مديرية البيئة، وقد حافظت على الإثمار لموسم الخريف مثل شتول البندورة والفليفلة، وخضروات متنوعة بطريقة جذبت الانتباه لتجربتها وأهميتها ونشرها بشكل خاص للراغبين بالزراعة المنزلية والحصول على نباتات نظيفة من المواد والبقايا الكيميائية.

تقول "الدبيسي": «أعجبني عملها وتطبيقها للمعلومات العلمية التي حصلت عليها بالدورات وطبقتها على أرض الواقع، سواء طريقة صنع الكمبوست أو السماد الخضري من بقايا القهوة والشاي والمتة، وهذه المواد موجودة بكل بيت، ومن المفيد أن يتعلم الجميع منها ويستفيد من تجربتها وهي تشارك هذه المعلومات مع الناس سواء بدورات أو بشكل مجاني كونها حصلت على إنتاج نظيف ونقي ووفير رغم صعوبة توفر مياه للري وغياب الدعم ليتم توسيع المشروع ويصبح مشروعاً يقدم الدعم الاقتصادي لأسرتها تبعاً لفائدته البيئية والصحية».

أخيراً "ولاء كيوان" من مواليد عام 1990 من قرية "سهوة بلاطة" تسكن مدينة "السويداء" شاركت بمعرض مديرة البيئة للطاقات المتجددة، وعدة معارض على المستوى المحلي وتشعر أن رعاية ابنتها "ندى" وابنها "حمزة" وشؤون المنزل لا تشغلها عن الزراعة التي باتت نشاطها اليومي الذي تسعى لتطويره بهدف الحصول على غذاء نقي لها ولكل من طلب مساعدتها ليتعلم الزراعة.