حين تدخل مضافة الشيخ "محمود أبو فخر"، والتي دوّن على أحد صخورها في مدخل بابها، "بنيت قبل أكثر من مئة عام"، تشعر أنك أمام صرح تاريخي ارتبط بأحداث مهمة، فقد قام الفرنسيون بقصفها ثلاث مرات، وشهدت مبايعة "سلطان باشا الأطرش" قائداً عاماً للثورة السورية الكبرى، ومنها انطلق البيان الأول للثورة "إلى السلاح إلى السلاح"، علاوة على ما اشتهر به صاحبها من علم وفقه وأدب.

وثائق وذكريات

يقول الشيخ "ياسر أبو فخر" حفيد مؤسس المضافة الشيخ "محمود أبو فخر" لموقع "مدونة وطن eSyria": «أنشئت المضافة في شهر أكتوبر من عام 1920، وبعد أن هدمها الفرنسيون وأحرقوها لثلاث مرات رداً على مواقف الشيخ "محمود"، قام والدي الشيخ "حسين أبو فخر"، الأديب والشاعر بترميم المضافة عام 1973، وهي اليوم تحمل علاقة تاريخية يمكن ربطها مع أحداث مهمة بالتاريخ المعاصر، فهذه المضافة شبيهة بمضافات الجبل، من حيث الشكل وطريقة البناء والمساحة والموقع، ولكن لكل مضافة خصوصية بما تحمله من أحداث ووقائع جرت بين جدرانها، وأذكر أنه في عام 1979 زارنا المغفور له "سلطان باشا الأطرش" مع عدد من رفاقه الذين شاركوا في الثورة السورية الكبرى، وعند سؤاله عن دور هذه المضافة، قال: "هنا من بين جدرانها انطلق النداء الأول "إلى السلاح إلى السلاح"، وهنا عقد مؤتمر "ريمة الفخور"، وقد استقبلنا يومها المرحوم "محمود أبو فخر" بقصيدة خالدة».

عند استقبال الثوار ووجهاء دمشق في المضافة، خاطبهم جدي بقصيدة مطلعها: حل الهنا والسعد وافى مبشرا والهم بالتحقيق ولى وأدبرا حاطت بهيكله البديع أهلة وكواكب تحكي النجوم وأزهرا لله وفد أشرقت أنواره منح السنا والمجدَ من باري الورا وفد كريم قد توشح بالبها وتسربل المجدَ الأثيلَ الأفخرا تشريفكم مسك يفوح عبيره وجميلكم بين الملا لن ينكرا

ويضيف "أبو فخر": «عند استقبال الثوار ووجهاء دمشق في المضافة، خاطبهم جدي بقصيدة مطلعها:

الحفيد الشيخ ياسر أبو فخر

حل الهنا والسعد وافى مبشرا والهم بالتحقيق ولى وأدبرا

حاطت بهيكله البديع أهلة وكواكب تحكي النجوم وأزهرا

الشيخ محمود ابو فخر مؤسس المضافة

لله وفد أشرقت أنواره منح السنا والمجدَ من باري الورا

وفد كريم قد توشح بالبها وتسربل المجدَ الأثيلَ الأفخرا

المؤرخ التاريخي ابراهيم جودية

تشريفكم مسك يفوح عبيره وجميلكم بين الملا لن ينكرا»

ذاكرة المكان

الباحث التاريخي المهندس "سميح متعب الجباعي" دوّن في كتابه "ذاكرة الثورة 1920-1939" سلسلة من الوثائق والمعلومات، ففي الجزء الأول، وبالفصل الثامن منه، يقول: «في أواخرِ آبْ منْ عامِ 1925 ميلاديّةٍ، وصلَ إلى الجبلِ لفيفٌ كريمٌ مِنْ الثوار، ووجهاءِ "دمشقَ"، على رأسِهِمُ الدّكتور "عبد الرحمن الشّهبندر، ونَسيب البكريُّ، ونزيه وسعد الدّينِ المؤَيَّدُ العظمُ، والعميدُ يَحيى حياتِي، وجميل مَرْدَم، وعبد القادرِ سُكَّر، وقاسم الدّرخبانيُّ، وعزّ الدّينِ الجزائريُّ، وفارس الخُورِيُّ، وشُكري القَوَتْلِيُّ، ومحمد الأَشمرُ، وعثمان الشرابيُّ، وسعيد العاص وغيرُهُم، والتقوا في قرية "كفر اللحف" واتفقوا على انعقاد مؤتمر في قرية "ريمة الفخور" في أواخر شهر أيلول من عام 1925، وأصدروا بيان الثورة من بين جدران المضافة».

ويقول الشيخ "ياسر": «بعد أن تقرَّرَ عقدُ اجتماعٍ مُوسَّعٍ لهؤلاءِ الثّوّارِ وُجَهاءِ "دمشقَ" مع الباشا وثوّارِ الجبلِ وأعيانِهِ، في اليوم الأول منه في مضافة "آل أبو فخر" بكفر اللحف، وكانوا بضيافةِ المجاهدِ "شاهين أَبُو فخرْ"، وتوجّهَتْ الجهودُ خلالَ جلساتِ هذا المؤتمرِ لوضعِ قواعدَ عامّةٍ للتّعاونِ والتّآزرِ بينَ جميعِ العناصرِ الوطنيّةِ في "سوريّةَ ولُبنانَ"، ولتقويةِ دعائمِ الثّورةِ وتوسيعِ نِطاقِها، وإيجادِ الوسائلِ الكفيلةِ بِتمويلِها وتأمينِ السّلاحِ لها، وبعد يومين تم تشكيل قيادة أركان الثورة برئاسة "سلطان باشا الأطرش"».

دور تنويري

بدوره يشير المؤرخ التاريخي "إبراهيم جودية" إلى أنه في الوقت الذي صدر فيه بيان قيادة الثورة في مضافة آل "أبو فخر" في قرية "ريمة الفخور"، دونت وسائل إعلامية أجنبية ذلك في وثيقة تاريخية ذات رقم 030925-2، تضمنت في كتاب "ذاكرة الثورة" لمؤلفه الباحث التاريخي "سميح متعب الجباعي"، الذي أشار إلى أن المضافة لم تكتف بتلك الأحداث، بل حملت وقائع مهمة في التاريخ المعاصر، من مراسلات ووثائق بين المرحوم "الشيخ محمود أبو فخر" وكبار أصحاب اليقظة العربية في العلم والأدب والتنوير، مثل الشاعر الأديب والحصيف "أمين بك ناصر الدين"، وكذلك "عبد الله النجار"، والدكتور "يوسف أسعد محمود"، كما كلف الشيخ "محمود أبو فخر" صاحب تلك المضافة بحضور المؤتمر في "القدس" في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، بهدف تمتين وحدة الصف والكلمة ونزع الضغائن والأحقاد، انطلاقاً من مكانة الشيخ العلمية والأدبية والاجتماعية، علماً أن الفرنسيين عملوا على هدم المضافة وحرقوها لمرات عدة، وجرى إعادة بنائها وتشييدها مرتين، في عام 1920 وفي المرة الثانية عام 1973، وفي كلتا الحالتين عمل الأبناء والأحفاد على الاهتمام بها، والمحافظة على القيم والعادات وتقاليد المضافة».