تستحق مدرسة التجهيز الأولى بـ"حماة"، أن تلقب بأم المدارس فهي أقدم مدرسة رسمية، وضع حجر أساسها في 24 أيار من عام 1925 أيام الانتداب الفرنسي، من رئيس دولة "سورية" آنذاك "صبحي بركات الخالدي"، والدكتور "رضا سعيد" وزير المعارف ومتصرف "حماة" "نورس الكيلاني"، وكانت تضم حينها 44 غرفة وصالة، وتم إنفاق 25 ألف ليرة ذهبية على بنائها، وكان الحمويون قبلها ينتسبون لمكتب عنبر في "دمشق" لنيل الشهادة الثانوية، وبدأ العمل بها منذ عام 1930.

في الذّاكرة

في إطلالة على ذكرياته أيام الدراسة في مدرسة "التجهيز الأولى" يستعرض المقدم البحري المتقاعد "خالد جزماتي"، 1943، بعضاً من تلك الذكريات، ويقول: «تقع الثانوية وسط مدينة "حماة" بمنطقة السوق بين حي "الباشورة" من الشرق والمالية من الغرب وساحة "المغلية"، وهي ساحة كان أحد أجزائها ملعباً لكرة القدم قبل نقله، أما جنوب الثانوية فيقع سوق الحدادين وحي الجعابرة، ثم سوق الطويل من الشمال، يحدها جزء من حي المدينة وقلعة "حماة" الأثرية، فهي في منطقة حيوية تجارية، واجهتها على الطراز الفرنسي الجميل، تحيط بها شرقاً حديقة رائعة الجمال، عرضها 7 متر تقريباً، وأقل عرضاً من الشمال والجنوب، وبناء المدرسة من الغرب يأخذ شكل صندوق مفتوح، تشغله ساحة كبيرة تتبعها أرض فيها بعض الورود المزروعة بإتقان، ودرجات كنا ننزل بواسطتها إلى ساحة أخرى كبيرة فيها ملاعب رياضية مختلفة».

منذ أن أصبحت "حماة" متصرفية، نشطت حركة طلب العلم وتسارعت، وبعد انتهاء الحكم العثماني وانسحاب الأتراك وظهور الدولة العربية، زادت المطالب الأهلية بإنشاء مدرسة أهلية في المدينة، فجاءت الموافقة على تأسيس مدرسة سميت آنذاك "دار العلم والمعرفة" وقد تبرع الأمير "فيصل" بمبلغ مالي كبير حينها لتأسيس هذه المدرسة

دار العلم

ويتابع "جزماتي" حديثه بالقول: «منذ أن أصبحت "حماة" متصرفية، نشطت حركة طلب العلم وتسارعت، وبعد انتهاء الحكم العثماني وانسحاب الأتراك وظهور الدولة العربية، زادت المطالب الأهلية بإنشاء مدرسة أهلية في المدينة، فجاءت الموافقة على تأسيس مدرسة سميت آنذاك "دار العلم والمعرفة" وقد تبرع الأمير "فيصل" بمبلغ مالي كبير حينها لتأسيس هذه المدرسة».

خالد جزماتي ضابط بحرية متقاعد

ويضيف: «انتسبت إلى المدرسة عام 1950 وتخرجت منها عام 1955، بشهادة الدراسة الابتدائية "السرتفيكا"، وكان مديرها آنذاك الأستاذ "أحمد سليم الوتار"، وأذكر من أساتذتي في تلك المرحلة الأستاذ "عدنان قنباز" و"محمود كزكز" والشيخ "عبد الحميد حمد" والأستاذ "توفيق حمدون" موسيقا، وكان في ذلك الزمن ثانويتان هما "التجهيز الأولى" التي أصبح اسمها ثانوية "ابن رشد"، والتجهيز الثانية التي أصبح اسمها ثانوية "أبي الفداء"، وفي عام 1958 تأسست ثانوية "عثمان الحوراني" وإعدادية "ابن خلدون" التي تخرجت منها".

مدرسة داخلية

في ثانوية "ابن رشد" خُيّر الطلاب -حسب قول "جزماتي- "إما أن يكون الدوام عادياً أو دواماً مع المبيت، وقد سمعت من بعض كبار السن من أصدقائي ومن عدة مصادر، أن كثيراً من شباب "لواء اسكندرون" عند محنتهم، لجؤوا لمدرسة التجهيز الأولى ومنهم الشاعر الكبير "سليمان العيسى" وكان ذلك عام 1939 للدراسة والمبيت فيها، وفي عام 1960 بدأت الصف الأول الثانوي فيها، كان مديرها الأستاذ الفاضل "هاشم الصيادي"، 1912، وقد درس في مدارس "حماة"، ثم تابع في مكتب عنبر في "دمشق" وتخرج معلماً، ودّرس في محافظة "دير الزور"، ثم "حماة"، ليدرّس في مدرسة دار العلم والتربية، وفي ثانويتي "حماة" الأولى والثانية، ثم أصبح مديراً لثانوية "أبي الفداء"، ثم مديراً لثانوية "ابن رشد"، وكان نجمه يسطع وأصبح اسمه على كل لسان.. وأذكر عندما كنت في الصف العاشر تعذر وجود أستاذ لمادة الرياضيات، فقام بتدريسنا المادة، ولاحظت أن مراجعه عبارة عن دفاتر مدرسية قديمة خاصة به، يكاد ورقها يصيبه التلف، وتجرأت مرة وبادرت بسؤاله عن عمرها فأجابني أكثر من ثلاثين عاماً».

المحامي معتز برازي

أعلام

ويتابع جزماتي الحديث عن أبرز معلمي وطلاب تلك المرحلة ويقول: «كان للمدرسة دور مهم ولايزال في تخريج الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد أساتذة ومدرسين في المدرسة، أمثال أستاذي الرياضيات "أديب تركماني"، و"عبد الرحمن طيفور"، والمدير "هاشم الصيادي"، واللغة العربية "توفيق بدوي كليب"، و"مصطفى الشقفة"، ومادة العلوم "سليمان الأظن "، و"عدنان الصباح"، والراحل "محمود الدبك"، و"نزار الصباغ"، والشيخ "عبد الحميد"، والشيخ "محمد علي المراد"، و"محمد الحامد"، و"أحمد كزكز أبو مصباح"، و"أديب عدي"، والرياضة "طاهر داغستاني"، والموسيقا "توفيق حمدون"، و"يحيى السراج" و"شوقي يعقوب آغا"، إضافة إلى العديد من الضباط ومنهم الشهيد الطيار النقيب "بسام حمشو"، والطيار الملازم الأول "سالم عطا الله"، والعقداء "مصطفى حمدون" و"عبد الغني قنوت" و"عبد الحميد السراج" و"نعسان الذكار" و"عدنان حمدون" و"عبد الكريم الجندي" و"أحمد الأمير"، ومن الألوية "زياد الحريري" والطيار "صبحي حداد" و"محمد إبراهيم العلي" و "محمد ناصيف خير بك" وعدد كبير من الذين خدموا الوطن، أما أبرز الدبلوماسيين الذين درسوا فيها، السفير الراحل "عبد الرحمن فرزات"، والدكتور المهندس "معن عثمان الحوراني"، الذي مازال يدرّس في مختلف الجامعات برغم أن مواليده 1944، والدكتور المحامي "منير شواف"، والمهندس "مروان زكريا"، والمهندس "ناصر الجابي"، والعميد "سعيد النمر" والعميد مرهف حمدون، والعميد "محمد خير دياب" والمهندس "فواز مراد أغا" وعشرات آخرين من جيلنا الأصيل».

نخب النخبة

بدوره يتحدث المحامي "معتز برازي" 1944 عن ذكرياته في المدرسة قائلاً: «سميت مدرسة "ابن رشد" بهذا الاسم نسبة للشارع الذي بنيت فيه، وفي افتتاحها الأول كان التعليم داخلياً، وكان طابقها العلوي لاستيعاب سكن الطلاب، وبعد إلغاء التعليم الداخلي صار مرسماً وغرف إدارة وموسيقا، وكان للمدرسة باب خلفي لدخول الطلاب، ورئيسي لدخول الأساتذة.. لقد تميزت مرحلة دراستنا بأن مدرسينا هم أنفسهم مؤلفو المناهج، فكان "مصطفى الشقفة" للغة العربية، وكان المدير "هاشم الصيادي"، واستاذ الفيزياء "رياض عطوره" و "أديب عدي" أستاذ رياضيات، و"أديب تركمان" و"عدنان صباغ" مؤلفي كتاب العلوم، والأستاذ "نضال صباغ" مادة الكيمياء، أما الاجتماعيات فكان "ناصر كلاس"، ومن أصدقائي "بسام حمشو" أول طيار في "سورية" والذي أسقط طيارة فانتوم، و"أكرم بزبوز" عميد كلية العلوم، و"هيثم أبو طوسه" مدير الزراعة وأنا مدير مؤسسة العمران، و"سليم كبيسي" عميد طيار شارك في حرب الاستنزاف عام 1973».

أجري اللقاء في 2تشرين الثاني 2022.