ستة وثلاثون عاماً بالتمام والكمال ولازالت جماهير كرتنا السورية تستذكر أحداث المباراة المثيرة، التي جمعت منتخبنا الوطني مع المنتخب العراقي لحجز بطاقة التأهل إلى كأس العالم في "المكسيك"، تلك الفرصة التي كانت الأقرب إلى المونديال والتي ظلت تفاصيلها وذكرياتها، عالقة بالبال بحلوها ومرارتها إلى الآن رغم انقضاء كل تلك السنين.

اهتمام كبير

حظيت المباراة في وقتها باهتمام إعلامي غير مسبوق، وقبل اللقاء كتبت وسائل الإعلام المقروءة العربية الكثير عن المنتخبين وحللت نقاط القوة والضعف في صفوفهما، وانفردت القنوات التلفزيونية حينها، بتغطية مسبقة عن تلك المباراة الفاصلة لحظة بلحظة، وأعطت نسبة وحظوظاً متكافئة لكلا الفريقين للوصول لكأس العالم في "المكسيك"، وشغلت أحداث المباراة قبل انطلاقتها جماهير الكرة السورية، حيث تفاعلت مع المنتخب مقدمة له كل الدعم والتشجيع لأجل تحقيق الفوز.

لازالت أذكر ما كتبه الراحل "عدنان بوظو" بالمانشيت العريض في "صحيفة الاتحاد الرياضية": "عند الطائف توقفنا وتلك هي حدودنا"

وتزامناً مع المباراة، قام التلفزيون السوري حينها بإذاعة الكثير من الأغاني الرياضية عن نجوم منتخبنا وانتصاراتهم السابقة، وجرى تغطية هذا الحدث الرياضي، حيث لُعبت المباراة الأولى بـ"استاد العباسيين"، ونقلت إذاعياً وتلفزيونياً بصوت المعلق الشهير الراحل "عدنان بوظو"، والتي انتهت بالتعادل السلبي، لينتقل الفريقان بعدها للعب مباراة الإياب في "الطائف"، والتي حسمها المنتخب العراقي لصالحه بثلاثة مقابل واحد، وليخيم الحزن على لاعبينا بعد انتهاء المباراة على ضياع فرصة كانت ولا تزال الأقرب لمنتخبنا للوصول إلى كأس العالم.

كابتن محمد دهمان يقطع كرة خطرة من أمام مهاجم المنتخب العراقي الراحل أحمد راضي.

نجوم من ذهب

أثارة وحضور جماهيري ملفت بين المنتخبين السوري والعراقي عام 1986

كابتن المنتخب الوطني حينها "محمد دهمان" يستعرض في حديثه للمدونة بعضاً من كواليس ذلك الحدث بمباراتيه الأولى والثانية، ويكشف كيف خسرنا فرصة التأهل للأولمبياد.

يقول "دهمان": «رغم انقضاء السنوات على مباراتنا منتخبنا أمام المنتخب العراقي الشقيق، تظل التفاصيل حاضرة ولم تغب عن ذاكرتي، وأستطيع سردها لحظة بلحظة مع كافة تفاصيلها المهمة وكأنها أمامي الآن.. كان منتخبنا بوقتها في أفضل أيامه، ويضم نجوماً من وزن الذهب وهم "عبد القادر كردغلي ووليد أبو السل ونزار محروس ورضوان الشيخ حسن ومروان مدراتي وهيثم شحادة وجهاد أشرفي ومحمد جقلان والراحل عصام محروس وراغد خليل وجورج خوري" وغيرهم، كان منتخبنا منتشياً بتحقيق الانتصارات الواحد تلو الآخر، حيث أبعدنا المنتخب الكويتي من التأهل بعدما عادلناهم بـ"الكويت" وفزنا عليهم بـ"دمشق"، وبات علينا مواجهة المنتخب العراقي، وأصبحنا على بعد خطوة من الوصول للنهائيات في "المكسيك"، وفي الطرف الآخر كان منافسنا المنتخب العراقي العنيد، والذي يملك مثلنا الطموح بالوصول للنهائيات، وكان في أحسن أيامه ويضم أفضل لاعبي آسيا والعرب أمثال "حسين سعيد وأحمد راضي والحارس رعد حمودي وعدنان درجال وخليل علاوي وحارس محمد وشاكر محمود"».

كابتن محمد دهمان قائد المنتخب السوري أمام المنتخب العراقي عام 1986

لقاء "العباسيين"

ويضيف: «جاءت القرعة الأولية لتعطيهم أفضلية نسبية بلعب المباراة الأولى على أرضنا، ولعبناها وسط حضور وتشجيع جماهيرنا التي ملأت المدرجات منذ الصباح الباكر، وحضرت روابط المشجعين من مختلف المحافظات السورية، قاد المباراة الحكم الفرنسي الشهير المهندس البحري "ميشال فوترو"، وفي المباراة ضغطنا كثيراً نحو المرمى العراقي لتسجيل هدف يريح أعصابنا، وأتيحت لنا عدة فرص مناسبة لم تترجم بسبب تكتل الفريق العراقي في منطقة دفاعه وحرصه على عدم تعرض مرماه لهدف، معتمداً على الهجمات المباغتة نحو مرمانا، لتخرج المباراة الأولى بتعادل سلبي أعطاهم أفضلية نسبية نوعاً ما، وفي هذه المباراة تعرض مدافعنا "جهاد أشرفي" لجهد بدني، وتم تبديله بين الشوطين باللاعب الراحل "هيثم شحادة"، ومع انتهاء أحداث لقاء الذهاب بأرضنا تأجل الحسم لمباراة الإياب ولقاء الحسم بعد أسبوع في مدينة "الطائف" أرض الفريق العراقي».

"الطائف" والحسم

ويتابع الكابتن "دهمان" حديثه للمدونة عن لقاء الإياب مع المنتخب العراقي ويقول: «وصلت بعثة منتخبنا الوطني إلى "الطائف" قبل ثلاثة أيام من موعد مباراة إقامة الإياب، ونزلنا في الفندق نفسه الذي تواجد به الفريق العراقي، كانت أولى المنغصات التي واجهتنا تعرض قلب الدفاع منتخبنا "رضوان الشيخ حسن" لوعكة صحية أبعدته عن لعب المباراة، وتم الإيعاز من مدربنا الكابتن الراحل "أواديس" لمدافعنا الراحل "هيثم شحادة" ليكون في أهبة الاستعداد واللعب كأساسي في صفوف المنتخب، ومع ذلك لم تتبدل ثقتنا وعزيمتنا بتحقيق الفوز، لما لفريقنا من قوة وثقة وتجانس وقدرة على انتزاع الفوز في المباراة التي قادها الحكم السويدي "أريك فريدكسون"».

شريط المباراة

في الدقيقة التاسعة والعشرين -يضيف "دهمان"- سبقنا الفريق العراقي وباغتنا بتسجيل هدف السبق من كرة أرضية سددها نجمهم "حسين سعيد"، وبهذا الهدف انتهى الشوط الأول، وبين الشوطين طلب منا المدرب التقدم بجرأة أكثر نحو المرمى العراقي، وقال لنا يجب أن نعدل النتيجة والفريق العراقي ليس أفضل منكم، ونتيجة اندفاعنا الزائد سجل المنتخب العراقي هدفه الثاني بواسطة "شاكر محمود" لينطلق فريقنا بعدها نحو مرمى المنتخب العراقي بعدة هجمات خطرة أثمرت عن ركلة جزاء ترجمها مهاجمنا "وليد أبو السل" لهدف التقليص، وهنا شعر المنتخب العراقي بالحرج الكبير لأن نجاحنا بتسجيل هدف التعادل الثاني يعني تأهلنا وخروجهم، ولكن وفق منتخبهم بتسجيل هدف الاطمئنان الثالث عن طريق مهاجمهم "خليل علاوي"، وبه انتهت أحداث المباراة وتأهل المنتخب العراقي لنهائيات "المكسيك"، وفقدنا فرصتنا التي حلمنا بها طويلاً مع جماهيرنا العاشقة، وأذكر أن جميع لاعبينا بعد المباراة رفضوا النزول للمطعم لتناول طعام العشاء وأجهشوا بالبكاء على فرصة حلم هربت من بين أيدينا.

ويختم الكابتن "دهمان" حديثه بالقول: «لازالت أذكر ما كتبه الراحل "عدنان بوظو" بالمانشيت العريض في "صحيفة الاتحاد الرياضية": "عند الطائف توقفنا وتلك هي حدودنا"».

تبقى الإشارة إلى مشوار منتخبنا الناجح في تلك التصفيات، ففي الدور الأول فاز منتخبنا على "اليمن" مرتين، في "اليمن" بهدف من دون رد، وفي أرضنا بثلاثية نظيفة، وتعادل مع المنتخب البحريني في "المنامة" بهدف لهدف، وفاز في ملعبنا بهدف سجله "عبد القادر كردغلي"، وواجه المنتخب الكويتي في أرضه وتعادلنا معه سلباً، وفاز عليه في ملعبنا بهدف رأسي لمهاجمنا "مروان مدراتي". لنصل لمواجهة المنتخب العراقي.