لن تجد مكاناً يعبر عن عمق العلاقة التاريخية بينه وبين حجر البازلت في "السويداء"، كمبنى السرايا أو الحكومة الذي يعود تاريخه إلى أكثر من قرن من الزمن، وهو ما زال يستقبل الزوار والمراجعين ليصبح مركز الإدارة والشؤون العامة والمرجع الخدمي لأهالي المحافظة منذ تأسيسه إلى يومنا هذا.

حكاية تاريخ

يشكل مبنى المحافظة في هندسته انعكاساً لحقبة تاريخية مهمة، وإن بان ظاهرياً اليوم كمبنى حديث إلا أن بناءه يصنف كنمط معماري يعود إلى عام 1924، أي قبل ما يقارب قرن من اليوم.

الملاحظ من خلال البحث أن الأشكال الهندسية وطريقة البناء شكلت جمالية خاصة، فقد بُني العديد من أبنية الحكومة في عهد الاستعمار الفرنسي في العديد من المناطق، ولكن مبنى السرايا في "السويداء" أخذ صفة التميز بالمنظر الجمالي لأهمية موقعه الجغرافي، وإقبال الناس عليه ورمزيته باعتباره المكان الذي استقبل فيه الأهالي الثوار بعد عودتهم من المنفى في ذلك الوقت

ويوضح المحامي "وسيم عز الدين" لموقع "مدونة وطنeSyria " أن عملية تشييد المبنى تمت على عدة مراحل، فكانت المرحلة الأولى متزامنة مع إنشاء مشفى تحول فيما بعد لثانوية سميت بثانوية "الفتاة"، ومنزل عرف تاريخياً وما زال باسم بيت المحافظ، بحيث كل من تسلم منصب محافظ سكن فيه، ولعل الباحث المتعمق في جذور التاريخ يعلم أن البناء سُمي بالسرايا نسبة إلى الضابط الفرنسي "سراي"، الذي كان مندوباً فرنسياً إلى جبل العرب، وهناك مدونات ربما لم تصل إلى المعلومات ذات الدقة، إلا أن المعلومات التاريخية والصور التوثيقية تشير إلى أن بناء السرايا أو بناء الحكومة، تم في عهد الاستعمار الفرنسي، ولعل الاختلاف هو في الزمن الذي شيد فيه، ولكن الطريقة الهندسية واضحة المعالم وتنم عن علاقة ترابط بين المبنى والمجتمع، والأهم أن بناءه تم بسواعد أهالي الجبل، ولكن لم يكن البناء وتنفيذه بعيداً عن العلم، فالمكان جهز وفق مخططات هندسية علمية، وشيد بجانبه متحف حمل أهمية بالغة، وقام بعض الفرنسيين بجمع الآثار التي كانت فيه ثم نقلوها إلى متاحف أخرى إبان الاستقلال".

الاستاذ وسيم عز الدين مع المراسل

الحداثة والمهام

السرايا قديماً

ويلفت المحامي "عز الدين" إلى أنه في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تسلم المهندس الراحل "إبراهيم هنيدي" مهامه محافظاً في "السويداء"، وقد قام حينها ببناء الطابق الثالث وفق الرؤية الهندسية التي شيد بها الطابقان في الأساس، لأن بناء السرايا أو الحكومة بالبداية أقيم على طابقين، بحيث ضم جميع دوائر الدولة والمحاكم القضائية، وبعد التوسع الإداري والعمراني، خلصت المحافظة إلى مجموعة إدارات خدمية ومجلس محافظة والمكاتب التنفيذية، إضافة إلى مكتب المحافظ وغيرها من الإدارات المالية والإدارية.

ويتكون مبنى المحافظة اليوم من مجموعة مكاتب لأعضاء المكتب التنفيذي للمحافظة، إضافة لمكاتب أخرى للدوائر التابعة، إضافة لأخرى مخصصة لمجلس المحافظة.

اثناء استقبال الثوار في السرايا

ويبين "روي السمور" مدير الخدمات العامة والآليات في الأمانة العامة لمحافظة "السويداء" أن المبنى يضم مكاتب للدوائر الخدمية بالمحافظة يراجعها آلاف المواطنين يومياً لمتابعه قضاياهم المختلفة، كما يتم عقد الاجتماعات الدورية الرسمية واستقبال الوفود والزوار في المناسبات.

محطّات

الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" يشير في حديثه للمدونة، إلى أنه في عام 1924 أقدم الحاكم الفرنسي الكابتن "كاربية"، وكان معروفاً بسطوته وجبروته، على بناء مقر متحف "السويداء"، وجمع مئات اللوحات واللقى الأثرية وذلك بعد بناء مقر السرايا أو الحكومة المعروفة، والتي شيدت لتكون مقراً للجنرالات الفرنسيين، وفي عام 1930 أرسل المفوض السامي في بيروت "دي جوفنيل" مهندساً معمارياً لتصميم دار للحكومة المنتدبة، سميت من الأهالي باسم "السرايا"، وما زالت إلى يومنا الحالي تعرف باسم "السرايا" الحكومية، وهي تسمية عثمانية دارجة لأي عمل إنشائي كبير، وفعلاً بدأ الإنشاء بأيدي أبناء المنطقة وبإشراف الفرنسيين، وبعض فنيي العمارة من "دمشق"، حيث أصبح المبنى بحالة شبه جاهزة 1934، وتم تجهيزه بالكساء والمفروشات التي جلبت من "دمشق"، وشهد أول استقبال شعبي حاشد عام 1937، وذلك بعد عودة الثوار من "وادي السرحان".

ويضيف "جودية": «الملاحظ من خلال البحث أن الأشكال الهندسية وطريقة البناء شكلت جمالية خاصة، فقد بُني العديد من أبنية الحكومة في عهد الاستعمار الفرنسي في العديد من المناطق، ولكن مبنى السرايا في "السويداء" أخذ صفة التميز بالمنظر الجمالي لأهمية موقعه الجغرافي، وإقبال الناس عليه ورمزيته باعتباره المكان الذي استقبل فيه الأهالي الثوار بعد عودتهم من المنفى في ذلك الوقت».