تعيش صناعة القصب في الذاكرة الشعبية المرتبطة بنمط الحياة التقليدية للآباء والأجداد ومن جاء بعدهم، لتتعدد سبل استعمالاته داخل المنزل بدءاً من حصيرة الأرض، حتى السقف ليحصنه من الحر صيفاً والبرد شتاءً، بالإضافة إلى وجوده داخل المطبخ ولأغراض غذائية، وهو صديق البيئة بلا منازع، لكنه ككثير من الحرف القديمة على وشك الاندثار.

سلال القصب

من أعواد نبات القصب التي تنمو أينما وجدت المياه بوفرة، يصنع "بدر محمد حمود" 52 عاماً، من قرية "وادي البركة" ناحية "العنازة" في محافظة "طرطوس"، الكثير من الأشكال والأحجام المصنوعة من القصب وحسب الطلب، هذه المهنة التي توارثها عن والده وجده، منذ أكثر من 20 عاماً، ومازال يشد القصب يدوياً بعيداً عن الآلات وتوابعها.

يصنع "حمود" الأطباق وسلال التين والزيتون، كذلك قنديل دبق، الذي له شكل أسطواني تحفظ فيه أعواد الدبق التي تستخدم لصيد الطيور الصغيرة، وسلال بطبقات عمودية خاصة بالخضار والفواكه، سلال خاصة بالورود بأشكال دائرية أو بيضوية، وقصعة السمك (سلة كبيرة الحجم).

ابتكارات مهنة القصب

روح الطبيعة

بدر محمد حمود

وحسب قول "حمود": "تتميز هذه السلال بجمال الشكل لأن روح الطبيعة فيها، بالإضافة إلى أنها صحية وسهلة الاستعمال مقارنة بمواد أخرى صناعية تدخلها الكثير من الشوائب التي قد تضر بالصحة.

بالرغم من ذلك يشير "حمود" إلى تراجع الطلب على أعمال القصب بنسبة 70 % مقارنة بالسابق، بسبب دخول الصناعات البلاستيكية الأرخص واقتحامها الأسواق، ليكون هذا سبباً في تراجع الحرفة، ناهيك عن صعوبة تأمين أعواد القصب ومستلزماته، وارتفاع تكاليف النقل والمواصلات.

بيت قديم من القصب

يبيع "حمود" ما ينتج من سلال القصب في السوق بشكل مقبول، ويأمل أن يورّث هذه الحرفة لأبنائه من بعده، للحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار، وذلك بالرغم من أنها لا تقدم له اكتفاءً مادياً مناسباً.

حسب النوعيّة

بدوره يقول "حسان علي" الذي امتلأ متجره بالأدوات التقليدية الفخارية وأطباق وسلال القصب: "هذه الأطباق والسلال لها زبائنها لأغراض غذائية أو للزينة، ويتفاوت سعرها حسب نوعيتها، مثال على ذلك تباع سلال التين الكبيرة الحجم بـ 10000 ليرة، وأخرى بالحجم نفسه ولكنها مشغولة بإتقان أكثر بسعر 15000 وما فوق، وتُطلب السلال منفردة أو بكميات، ويُنصح صحياً بالأطباق أو السلال المصنوعة من عيدان القصب وقشوره التي تسمح بالتهوية الدائمة بعكس البلاستيكية، وللحفاظ على السلال أو الأطباق يجب تنظيفها بعد كل استعمال وتعريضها للشمس ثم حفظها".

أم الاختراع

في السياق نفسه يقول "منذر رمضان" عضو مجلس اتحاد الحرفيين في "طرطوس": "حرفة القصب التاريخية لا تنتمي إلى بقعة جغرافية معينة، لأنها انتشرت في أنحاء العالم القديم والحديث، فحيث المياه ينمو القصب، وتصنع منه الخيم، وأقسام من المنازل كالأسقف أو المظلات، وبعد أن طوّر الإنسان من نفسه واهتماماته، صنع السلال لسهولة حمل الاحتياجات وحفظها، ومع تقدم الزمن وتبدل الاحتياجات، دخلت الحداثة لتدخل سحارة الخشب والفلين التي أثرت على صناعة السلال، فحوّل العديد من الحرفيين القصب إلى أمر آخر تبعاً لهذا التطور الاجتماعي".

ويضيف: "يمر القصب بمراحل تبدأ من تجميعه في موسم معين ثم تجفيفه وتخزينه، فتقشيره إلى رقائق تختلف سماكتها باختلاف انحناء الشكل ونوعه، ليتطور نطاق الحرفة التقليدي تزامناً مع تطور المهارات، فظهرت الثريات واللمباديرات واجتاح القصب تصميم أثاث المنازل أيضاً.. وتنتشر حرفة القصب في معظم المحافظات السورية، لكنها كسابقاتها من الحرف تأثرت بالحداثة وبالتالي ضعف الترويج باعتبارها تنتظر الطلب وتتأثر بسعر السوق، مع التنويه إلى تفاوت نسبة الطلب والتسويق بين القرية والمدينة تبعاً للاستعمالات".

دور الجمعيات

ويبين "رمضان" أنه يجب على اتحاد الجمعيات الحرفية الحفاظ على مهنة القصب من الاندثار كمجمل الحرف التقليدية الأخرى، باستقطابها ووضعها في سوق الحرف اليدوية ليتم الترويج لها، وهناك مسعى كبير لتأمين مصادر أو أشخاص معينين لهدف تصدير المنتج حسب الطلب، وتجدر الإشارة أن مساحة الابتكار واللمسة الفنية متاحة للحرفي لإنتاج أنماط جديدة، وفي حال لم تعطِ هذه الخطوات النتائج المطلوبة، سينعكس سلباً على عدد العاملين وبالتالي على اندثار الحرفة، وهنا سينتعش البديل.