عقود من السنين مرت لا يزال فيها سوق بلدة "ملح" التجاري مشرّعاً أبوابه، حيث لا تزال رائحة بضائعه ومواده الغذائية، والمستلزمات الزراعية، تعبق في كل زاوية من زواياه، لتعيدنا إلى ما تركه لنا آباؤنا وأجدادنا من ذكريات، ما زالت تسكن ذاكرتنا وتستوطن قلوبنا، رغم مضي نحو مئة عام عليها، والصورة الأجمل، المنقولة لنا بالأبيض والأسود عبر كاميرا التاريخ، هي أبنية المحال التجارية للسوق، المشغولة، على يد معماريي البلدة، الذين بنوا فأبدعوا، وتفننوا فأجادوا فن العمارة، وليبقى السوق نابضاً بالحياة.

تاريخ وذكريات

كان سوق بلدة "مَلح التجاري" يعد ملتقىً لكل من أتاه من أهالي القرى والبلدات المجاورة قاصداً بضاعته، فعند أبواب محاله التجارية احتسى البائعون والمتسوقون القهوة المرة، وذكريات روّاد السوق وأصحاب محاله، ما زالت مؤرشفةً في سجلات السوق التاريخية.

ولدت الحركة التجارية في تلك المنطقة، مع ولادة السوق، فكان الحاضن الأساسي لها، وصمام أمانها، ولاسيما مع توافر كل ما تحتاجه الأسر في ذلك الزمان، بدءاً من المواد الغذائية، وانتهاءً بالمستلزمات الزراعية، ويعد سوق مَلح من أطول الأسواق التجارية في المحافظة، وهو ما زال قائماً ليبقى حاضره يحاكي ماضيه، وليبقى نهر الحياة جارياً من دون انقطاع، لتطلع الأجيال الحاضرة على عراقة ما تركه لهم آباؤهم وأجدادهم

يقول مدير سياحة السويداء "يعرب العربيد" لمدونة "وطن eSyria": «الزائر لهذا السوق التاريخي، ومن يقلب صفحاته، سيشعر أن الماضي بين يديه، ورهن إشارته، فلغة حجارة أبنية محاله، تُنبئك بأنها منقولة على ظهور سفن الصحراء آنذاك ألا وهي الجِمال، وذلك من خربة "براق والصافي" التي تبعد عن بلدة مَلح عشرات الكيلومترات، وقد بنيت بطريقةٍ هندسية غاية في الدقة والجمال، كصورة مصغرة عن فن العمارة الذي كان سائداً منذ نحو ألفي عام.. كان سوق بلدة مَلح بمنزلة الشريان التجاري، لأهالي المنطقة كافةً، ليضخ الحياة في منازلهم، نظراً لما كان يتوافر به من مواد وبضائع، ناثراً محاله المبنية من الحجارة البازلتية، ذات النحت الروماني، البالغة ستون محلاً، وسط البلدة، معانقاً بيوتها، فاتحاً بوابته الرئيسية ليل نهار، بوجه من أتاه سائلاً أو شارياً، ولتكتمل جمالية السوق، بقناطره، وأقواسه المشغولة بالحجارة البازلتية، لتشكلا مع المحال التجارية ثنائية معمارية ولا أجمل».

جزء من السوق

ويتابع العربيد قائلاً: «ولدت الحركة التجارية في تلك المنطقة، مع ولادة السوق، فكان الحاضن الأساسي لها، وصمام أمانها، ولاسيما مع توافر كل ما تحتاجه الأسر في ذلك الزمان، بدءاً من المواد الغذائية، وانتهاءً بالمستلزمات الزراعية، ويعد سوق مَلح من أطول الأسواق التجارية في المحافظة، وهو ما زال قائماً ليبقى حاضره يحاكي ماضيه، وليبقى نهر الحياة جارياً من دون انقطاع، لتطلع الأجيال الحاضرة على عراقة ما تركه لهم آباؤهم وأجدادهم».

عبق التراث

لم يكن الوصول إلى سوق مَلح أمام من أتاه من القرى متعسراً، فقد تم رفد السوق -حسب الباحث الأثري "حسن حاطوم"- بالعديد من الطرق الفرعية المرصوفة بالحجارة البازلتية، ليبقى ملتصقاً بجسده الخارجي، من دون انقطاع، ولصبغه بصبغة تاريخية، وتراثية، تم ضمه إلى سجلات الأسواق التراثية والتاريخية، فأبنية محاله تأخذ منحى مرتفعاً، مُطلةً على شارعها الرئيسي، بواجهات على الشارع الرئيس، حيث تم تشييدها بالحجارة البازلتية، وفق الطراز المعماري الجميل، واللافت هو أنه يوجد ضمن كل محل فتحة على شكل بابٍ صغير يقود إلى الدرج يخدم الطوابق العلوية أو الأسطح، والأهم هو أن المحال متقابلة وتأخذ كتلة معمارية واحدة، والفراغ المعماري لكل محل كبير ما يسهل الحركة ضمنها، كما أنه لا توجد أروقة للسوق بل واجهات مباشرة على الطريق».

يعرب العربيد

تنوع واستمرارية

محال السوق

يقول باسل الملحم أحد سكان البلدة: «إن سوق بلدة ملح التاريخي، يعد سوقاً أساسياً ليس للبلدة فحسب، وإنما لكافة القرى والبلدات المجاورة، وذلك لتنوع بضائعه، فهناك الكثير من المحال ما زالت محافظة على مبيعاتها التي كانت قبل خمسين عاماً، والتي تتضمن المستلزمات الزراعية للفلاحين، إضافة للمستلزمات الخاصة بالثروة الحيوانية، ولاسيما أن البلدة محاذية للبادية، وهناك مئات المربين، يقصدون السوق طالبين احتياجاتهم من المستلزمات، بينما بعض المحلات باتت مبيعاتها تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، إلا أن السوق يبقى المقصد الشرائي لأبناء المنطقة كافة».

بدوره يقول "أنور الأطرش" أحد زبائن السوق: «السوق يلبي طلبات كل من أتاه قاصداً الشراء، فهناك نحو خمسة محلات مبيعاتهم لم تتبدل، وهي المستلزمات الزراعية، والمستلزمات الخاصة بمربي الثروة الحيوانية، إضافة لوجود محمصة عمرها أكثر من مئة عام، ما زالت تعمل لتاريخه وهي مشهورة على مستوى المحافظة، بينما هناك بعض المحال باتت مبيعاتها مختلفة عما كانت عليه سابقاً، فالبعض حوّل محله إلى مطعم، وبعضهم حوله لبيع المواد الغذائية، ومواد البناء، إلا أن أبنية المحال ما زالت كما هي لم يتم تغيرها».