من موقعها المهم بجوار "قلعة حلب" التاريخية وحملها لاسم أحد زعماء الثورة السورية الكبرى، تقف ثانوية "ابراهيم هنانو" شامخة بتاريخ تأسيسها الذي يعود إلى ما يقارب السبعين عاماً، تعاقب عليها خيرة مدرسي المدينة للتدريس فيها وتخرج من مقاعدها أهم القامات العلمية والفكرية والأدبية، فذاع صيتها وشهرتها التي وضعتها في طليعة الثانويات الشهيرة في المدينة.

عراقة

تجاور ثانوية" هنانو" في موقعها الجغرافي وعلى أمتار قليلة من جهتها الشمالية "قلعة حلب"، ويعود تاريخ تأسيسها إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، ذاع صيتها وشهرتها من خلال تفوق طلابها مع تعاون الإدارات المتعاقبة عليها، فنجحت باستقطاب أفضل مدرسي المدينة وبكل الاختصاصات، وبهذا التعاون الناجح والمثمر مع متابعة أولياء الطلاب، ذاع صيت الثانوية في تخريج أجيال نجحت بتفوق والتحقت بالجامعات وتخرجت منها، وأصبح كثير منها ذا شأن، كل هذه النجاحات بقيت عالقة وثابتة في ذاكرة أهالي الأحياء القريبة منها ما شجعهم على التهافت لتسجيل وتدريس أبنائهم كضمان لمستقبل مشرق لهم.

سمعة حسنة

يقول مدير الثانوية الحالي "فوزي العبيد": << تتمتع الثانوية بخواص وسمعة عطرة بتاريخها وإنجازاتها في التعليم، ويكفي أن يقترن اسمها باسم الزعيم "إبراهيم هنانو" لنعرف قيمة اسم ثانويتنا، التي تعد من أهم وأقدم ثانويات المدينة على الإطلاق، وتحمل الثانوية في صفحاتها وذكرياتها التاريخ العلمي الناصع الذي يشار له بالبنان، حيث عمل فيها أهم مدرسي المدينة وبكل الاختصاصات والعلوم وعلموا فيها أبناء هذه الأحياء الشعبية والفقيرة، ولا أحد ينسى دورهم البارز بنجاح وتخريج الطلاب ونيلهم أفضل العلامات ودخولهم أعلى الكليات العلمية، وتسلمهم أهم المناصب العلمية والإدارية والمهنية في مفاصل الحياة العامة بعد تخرجهم>>.

صور نادرة للثانوية من الخمسينيات وأول مدير لها "جميل محفوظ"

ويتابع "العبيد" شارحاً: <<تقدر مساحة بناء المدرسة بثلاثة آلاف متر مربع، وهي مؤلفة من طابقين يحتويان على خمس وثلاثين شعبة تعليمية وإدارية ومستودعين وقبو، وتستوعب الثانوية بحدود ألف وخمسمئة طالب يأتون إليها من الأحياء المجاورة من "تحت القلعة" و"البياضة" و"المعادي" و"باب النيرب" و"الكلاسة" و"ساحة بزة"، وبعض أبناء "الريف الجنوبي"، ونحرص في الثانوية على نجاح العملية التدريسية من خلال استقدام أفضل المدرسين، والتواصل بعقد لقاءات دورية مع أولياء الأمور لتفهم حاجات أبنائهم وحل الأمور العالقة، مع الإشارة إلى أن الثانوية توقفت لمدة ثلاث سنوات خلال الأزمة، وأعيد افتتاحها بعد إزالة الأنقاض مع بدء العام الدراسي 2018>>.

جسور التواصل

بدوره يلفت المدرس الحالي بالثانوية "كنجو كنجو" كيف تأثرت الثانوية بأجواء الحرب وضعف الإقبال عليها بتلك الفترة، وكيف بدأت تستعيد عافيتها ورونقها وسمعتها المعروفة بين ثانويات المدينة كمعقل علمي مهم.

صورة للمدرس في الثانوية عام الـ55 فاضل ضياء الدين.

ويضيف: <<أغلب طلابنا من الأحياء الشعبية الفقيرة حيث يعملون بعد انتهاء دوامهم الدراسي في الورشات القريبة لإتمام تحصيلهم العلمي، ونحن نتفهم حاجاتهم وأوضاعهم المعيشية ونساعدهم في حل الكثير من الأمور، ونتعاون ونجتمع مع أولياء الطلاب بشكل دوري لتحسين مستوى طلابنا ومعالجة المشاكل كي تبقى جسور التواصل ممدودة>>.

ويعترف الكثير ممن درسوا في "ثانوية هنانو" بفضل مدرسيهم، ورغم تعاقب السنين، فأنهم ما زالوا يذكرون ويعددون أسماءهم مدرساً مدرساً، ويحفظون عادات وتقليد كل واحدٍ فيهم سواء بطريقة تدريسه أو صرامته أو بشاشة وجهه وابتسامته.

صورة حديثة تجمع المدير الحالي فوزي العبيد مع الكادر التدريسي الحالي

مديرون ومدرسون

رئيس المكتب الصحفي في مديرية التربية بـ"حلب" الزميل "عبد الجليل العثمان"، الذي زود المدونة ببعض الصور النادرة لبناء الثانوية وعدد من مدرسيها ووثائقها يقول: <<افتتحت الثانوية عام 1951، في محلة "جنينة الفريق" بين "حيي السفاحية والقصيلة" بمحيط "قلعة حلب"، بعد إعادة بنائها مكان "حمام الذهب"، وكان الأديب والباحث التربوي "جميل محفوظ" أول مدير للثانوية، وهو من مواليد حي "الهزازة" الحلبي عام 1914، بدأ بتدريس اللغة العربية في مدارسها بعد تخرجه من دار المعلمين بالمدينة، وبعدها أوفد إلى "فرنسا" ونال الدبلوم ومن ثم الدكتوراه في التربية وعلم النفس، ومن مدرسي اللغة العربية الأوائل في الثانوية الأديب الشاعر "عبد الوهاب الصابوني" مواليد عام 1912، وهو خريج دار المعلمين بمدينة "دمشق"، وقضى حياته في "سورية ومصر"، وعمل مدرساً بقرى "حلب" ثم "سراقب والمعرة"، وفي مدينة "حلب" بثانويات: المعري والمأمون وسيف الدولة، وظل مدرساً في ثانوية "إبراهيم هنانو" حتى التقاعد، وله مؤلفات مطبوعة منها: رواية بعنوان (عصام)، وكتاب (عيون المؤلفات) من ثلاثة أجزاء.. وأيضاً من مدرسي مادة اللغة العربية فيها الخطاط والقاص "فاضل ضياء الدين">>.

ويشير "عثمان" إلى أنه جرى في صيف هذا العام إعادة تأهيل بناء المدرسة بشكل كامل مع صالة مسرحها لتعود إلى ألقها ومهمتها السامية كمنهل للعلم ومنارة للمعرفة، ومع بدء انطلاق العام الدراسي الجديد 2022 أقامت مديرية تربية "حلب" احتفالاً كبيراً فيها باليوم الأول من دوام التلاميذ والطلاب.

شهادات في البال

من جهته يستعيد الصحفي "محمد هاشم إيزا" بعضاً من ذكرياته في المدرسة ويقول: <<درست المرحلة الثانوية فيها بدءاً من عام 1960، وكانت في منتهى الانضباط.. أتذكر كيف كان المدير حينها يرسل لحضور أولياء أمورنا دون أن يعلمنا، وكنا نتفاجأ بحضورهم الثانوية ليشرح لهم تقصيرنا، كان احترامنا لمدرسينا ينتقل إلى خارج أسوار المدرسة، كان الدوام يبدأ الساعة الثامنة وينتهي في الرابعة عصراً باستثناء يوم الخميس، مع استراحة غداء عند الساعة الثانية عشرة ولمدة ساعة.. كنت آتي من "حي الكلاسة" والذي يبعد عنها مسافة أربعة كيلومترات مشياً على الأقدام، كانت الثانوية متفوقة علمياً ورياضياً، وأذكر أننا شكلنا فريقاً لكرة الطائرة ونلنا بطولة المحافظة بعد فوزنا على فريق "ثانوية المأمون" بشوطين مقابل شوط واحد، وأذكر اسم مدرسنا للرياضة وقتها الراحل "محمد نادر مشنوق".. كنا نشعر بالفخر كوننا ندرس "بثانوية هنانو" ونحمل بطاقة طلابية ممهورة من إدارة الثانوية تعطينا حسماً عند ركوبنا الباصات العامة نحو مركز المدينة لمراجعة دار الكتب الوطنية أو المركز الثقافي عندما كنا نكلف بموضوع أدبي يستلزم الحصول على مراجع محددة>>.

ومن أهم المدرسين يذكر "إيزا" أسماء "عبد القادر خانطوماني" و"جورج طرابيشي" ومدرس مادة الرياضيات "أحمد طالب أشقر" ومدرب الفتوة "محمد بشير قباني" والموجه "علي كردي" والمدير "محمد حمدان"، ومن الزملاء "أحمد جلال جابري" والدكتور "محمد مصباح تسقية"، والمهندس"محمد علي باشا"، والدكتور "أحمد بي" و"أحمد وجيه" وطبيب البولية الراحل "محسن دندل"، ومن لاعبي منتخب "سورية" لكرة القدم "محمود سلطان" والراحل "يحيى حجار".

ذكريات

يستذكر الأستاذ في كلية الآداب الدكتور "صلاح كزارة" على صفحته الشخصية دراسته في ثانوية "هنانو" ويقول: <<درست المرحلة الثانوية بين أعوام واحد وستين وأربعة وستين من القرن الماضي، وكان في المدرسة خيرة مدرسي المدينة، وكان يومئذ مديرنا أديب "حلب" الكبير الروائي" مظفر سلطان"، الحاصل على شهادة الماجستير وصاحب رواية "المفتاح" والمجموعة القصصية "ضمير الذئب"، ثم خلفه بالإدارة الدكتور "فيصل الغزي" ابن مؤرخ "حلب" "الشيخ كامل" صاحب "كتاب نهر الذهب"، كما كان يحتشد في الثانوية لفيف من كبار مدرسي المدينة من مختلف الاختصاصات أمثال "عبد الوهاب الصابوني" و"محمد خير حلواني" و"عبد الحميد الأصيل" و"بدر الدين علاء الدين" و"عبد البر عباس" و"إبراهيم حلمي الغوري" و"سهيل عثمان" وغيرهم كثر>>.

الطالب السابق في الثانوية "بهاء خبازة" يقول: <<منزل أهلي مقابل للثانوية، درست فيها، ولي فيها أجمل الذكريات، وأذكر من مدرسينا "أحمد نعسان" وبشير خبازة" و"أحمد رحماني" و"نضال قصير" ومدرس الرياضة "حسين ضعضع"، الذي أسس فريقاً أحرزنا به بطولة المدارس"، ولا أنسى صلابة مدرب الفتوة "مصطفى بلال"، والموجه "عبد الرحمن جوماني" الذي كان يقف صباحاً على باب المدرسة ينتظر قدومنا ويغلق الباب بتمام الساعة الثامنة ومن يتأخر بعد ذلك يقع في ورطة ويطلب منه حضور والده مع تعهد بعدم تكرار ذلك>>.

تبقى الإشارة إلى أن الثانوية تميزت بنشاطها الثقافي والأدبي حيث كانت تصدر مجلة ثقافية وأدبية سنوية، عدا عن تعاون المدرسين والطلاب بإعداد مجلة الحائط بشكل متجدد وشهري بمعلومات متنوعة في مواضيعها، يحرص جميع الطلاب على قراءتها ومتابعتها خلال الفرص، وضمن الثانوية كان هناك فرقة موسيقية للكشافة تعزف النشيد الوطني والأغاني بالمناسبات الوطنية والاجتماعية يقودها مدرس مادة الموسيقا.

تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل الثانوية بتاريخ العاشر من شهر تشرين الأول لعام 2022.