لم يتبقَ في الذاكرة البصرية للمدارس القديمة في محافظة "السويداء"، والتي ساهمت في إغناء المحتوى العلمي على مستوى المحافظة، سوى بعض المدارس القليلة والتي تتصدرها "ثانوية الحكمة"، الواقعة إلى جانب كنيسة "يسوع المُلك للآباء الكبّوشيين"، تلك المدرسة التي يشعر الواقف أمامها بقيمة سبعة عقود خلت على تأسيسها.

70 عاماً

حيث تسمع شهادات كثير من الأدباء والمفكرين في "السويداء" ومنهم الروائي الاديب "وهيب سراي الدين" والكاتب والمفكر "إسماعيل الملحم" وهما من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب أيضاً، ودرسوا في مدرسة التجهيز الأولى، تشعر بأهمية المكان علمياً وفكرياً واجتماعياً، ذلك ما أوضحه لموقع مدونة وطن eSyria "حسام معذى حسن" مدير ثانوية "الحكمة الخاصة" حالياً، والذي يشير إلى أن مدرسة التجهيز الأولى لم يبقَ منها سوى الأطلال، وربما تأتي ثانوية "الحكمة" بالعمر الزمني من بعدها حيث رسم على أحد جدرانها تاريخ 1952 لعله هو تاريخ إنشاء البناء الذي تم الاستيلاء عليه فيما بعد من قبل وزارة التربية بموجب القرار رقم 1616 الصادر عام 1967، ولكن حين سؤال الكنيسة تبين أن البناء التبشيري بني لنشر العلم والتعليم منذ عام 1930، ليكون مركزاً تنويرياً تعليماً خاصاً، والأهم فقد ضمت صفوفه العديد من الشخصيات الفكرية والاجتماعية المهمة منها عضو مجلس الشعب الأسبق وأحد أركان جبل العرب في حل النزعات والخلافات بين الأفراد الراحل "عبد الله الأطرش"، وهو سليل الشيخ "عبد الغفار الأطرش" الذي شغل منصب وزير الدفاع مع بداية أربعينيات القرن الماضي، إضافة إلى شخصيات علمية وثقافية وأدبية وسياسية مهمة في التاريخ المعاصر.

نخبة النخبة

بدوره يقول "مانع أبو مغضب" وهو من أوائل المدرسين فيها: "تعدُّ ثانوية "الحكمة الخاصة" من الثانويات الأقدم في "السويداء"، فقد كانت الأولى كمدرسة خاصة، ثم تم الاستيلاء عليها من قبل الدولة منذ عام 1952، بعد محاولة من الكنيسة استرجاع الثانوية كونها خاصة لتحقيق إيراد مالي، إضافة إلى أنها رائدة في درجات التعليم فقد خرّجت آلاف الطلاب الذين هم اليوم في أماكن ومراتب علمية متقدمة من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات، ولها في الذاكرة مكانة مرموقة.

حسام معذى حسن

ومن المدرسين أشار "ثائر ملاك" إلى أن المدرسة تعد صرحاً علمياً، وشكّلت في ذاكرة المجتمع رؤية متجددة لأنها ضمت في صفوفها أهم الأساتذة الكبار الذين لهم في ساحة المحافظة شأن في الحياة العلمية التعليمة والتربوية والثقافية، وهم من أعلام الفكر والثقافة والإدارة منهم "رضوان رضوان" الذي كان محافظاً ومدير معارف في ستينيات القرن الماضي، والموجه الأول في "السويداء" الأديب والمترجم "صياح الجهيم"، وكذلك المربي والباحث في التربية والأدب "إسماعيل الملحم" الذي ترأس فرع اتحاد الكتاب العرب وله أكثر من ثلاثين كتاباً، وهناك باحثون في التاريخ أمثال "تركي الزغبي" صاحب العديد من المؤلفات، وأصحاب أبحاث ودراسات فلسفية وفكرية كالباحث سعيد أبو الحسن وغيره الكثير" وربما الذاكرة لا تسعف في ذكر العديد من أعلام التربية والتعليم الذين كان لهم فضل تنشئة جيل بات اليوم ذا شأن كبير.

بحاجة للدعم

"رضوان أبو مغضب" أحد المشرفين والقائمين على العملية التعليمة في الثانوية حالياً، يؤكد أن هناك تعليمات وزارية نقوم بتنفيذها مثل إجراء فحوص متممة من صفوف العاشر والحادي عشر، كأن يرسب الطالب في المدارس الحكومية في إحدى الصفوف الثانوية ويخرج لمدة عام أو أكثر ثم يتم قبوله بموجب فحص قبول، وكانت هذه الخطوة بمنزلة إنقاذ للعديد من الطلاب التي ظلمتهم ظروف الحياة ويرغبون إتمام تعليمهم، بحيث دخلوا سوق العمل لزمن حتى استطاعوا دفع الأقساط المترتبة وعادوا إلى التعليم وباتوا اليوم أعلاماً في العلم ومواكبة التطور العلمي التقني.

اللوحة الأثرية على جدرانها

ويناشد الأساتذة أنه لا بدّ من المحافظة على هذه الثانوية لأهميتها التاريخية وموقعها الجغرافي من جهة، ومناهجها التعليمية التي غالباً ما تحقق التفوق في المرحلة الثانوية، وبالتالي دعمها يعني بقاء الأمل في استيعاب الطلاب الذي يظلمهم الزمن والظروف...وهذا يتطلب الدعم المادي والمعنوي والإداري.

الثانوية من الداخل