قدم آوابدها الأثرية، والذي تجاوز عمرها الزمني أكثر من ألفي عام، لم يستطع أن يطمس الهوية التاريخية، لقرية "نمرة القريا"، والتي تناثرت على ساحتها، منازل مبنية بالحجارة البازلتية، ما زال يقرأ على جدرانها تاريخ من بنى وسكن تلك المنطقة، ومدافن حجرية تؤرخ لعصور تاريخية عدة، فرائحة الماضي ما زالت تعبق بالمكان، لتنثر عطرها في كل أنحاء تلك الأمكنة الذي لا يمل زائرها من إمعان النظر إليها.

مستوطنة قديمة

في حديثه للمدونة، يقول رئيس دائرة آثار "السويداء" "وليد أبو رايد" لمدونة وطن eSyria": "بيوتها المبنية من الحجارة البازلتية تعانق هضبتها الترابية العالية، لتشكلا معاً ثنائية سياحية وتاريخية بآنٍ واحد، والقارئ لسجلاتها المدونة على أعمدة وجدران منازلها، يُدرك أن "نمرة القريا" هي عبارة عن تجمع سكني، أشاد بنيانها معماريو العصر الروماني، ليضاف إلى هذا التجمع مبانٍ مركزية، تحاكي منازل القرية بالبناء البازليتي القديم، تدل على وجود مستوطنة بشرية قديمة، محاطة بسور عالٍ".

ويضيف" أبو رايد": "لا يمكن لزائرها أن يخرج منها دون أن تكتحل عينيه، ببركة مائها القديمة، التي كانت مطفئ ظمأهم في تلك الحقب الزمنية عندما كانت تغيب المياه، إلا أن ذكريات من مروا عليها لم تمحها السنين الماضية، ومن يتابع بحثه الأثري لا بد من مشاهدة عين مائها، التي ما زالت ترقب من يأتيها من نساء القرية، طلباً للماء، ولعل الأجمل هو درجها الذي ساعد من أتاها زائراً للوصول إليها، ليضاف إلى قائمة تلك الآوابد مدافنها، التي تعود للعصر الروماني والإسلامي".

وليد أبو رايد

تجويف صخري

قرية نمرة القريا

إذا كنت متجهاً جنوباً قاصداً بلدة" القريا"، فعلى يسارك تقع" نمرة القريا" بجانب طريق رومانية، كانت بمنزلة صلة الوصل ما بين" بصرى الشام" غرباً، وقلعة" صلخد" جنوباً.

يتابع "أبو رايد" قائلاً: "في جنوب القرية، اكتشف مؤخراً تجويف طبيعي يقع ضمن أراضٍ زراعية من قبل أحد فلاحي القرية، أثناء قيامه بالأعمال الزراعية، حيث يقع التجويف ضمن محيط طبيعي في منطقة يوجد فيها بعض المظاهر الأثرية كطريق قديم ومدافن متناثرة تعود إلى عصور البرونز لافتاً إلى أن التجويف يبدو أنه استخدم فيما سبق كخزان للمياه.

فراس زيتونة

بقايا فخار

الباحث الأثري "فراس زيتونة" يبين أن قرية "نمرة القريا" ولأهميتها التاريخية، لم تغب عن أخبار الرحالة، بدليل ذكرها في نهاية القرن التاسع عشر من قبل الرحالة، "الليدي آن بلند"، فالقرية وكما هو الغالب عنها من سكنها منذ مئات السنين، ما زال تاريخهم حاضراً تتحدثه أبنيتهم، التي ما زالت شامخة تخفي خلف جدرانها قصصاً وحكايات متعددة، هي القرية القديمة التي تغفو على سفح تلةٍ مرتفعةٍ، يحيطها سور من الحجارة البازلتية، تفننت في إبداعه أيادٍ ماهرة متمرسة، والباحث في تاريخ "نمرة القريا" سيلحظ أنه تعاقبت عليها حقب زمنية عدة، نبطية، ورومانية، وبيزنطية، وإسلامية، والمتصفح لسجل اكتشافاتها، يوثق لاكتشاف بقايا من الفخار الكثيف، يعود للفترة الفاطمية، إضافة لاكتشاف نوع آخر من الفخار الأخضر المزجج، وترجع أهمية القرية من خلال وجود لبقايا أبراج مراقبة، تقع بالقرب من الطريق الرومانية، والقارئ لتاريخ مدينة "صلخد وبصرى الشام" ، يكتشف مكانة "نمرة القريا" الواقعة بنفس النطاق الجغرافي، كما عُثر على شاهدة قبر مكتوبة بالخط العربي، تعود للفترة الأيوبية، وهي تشابه نمط الكتابة الموجودة في قلعة "صلخد".