تحتضن منطقة "صافيتا" وبعض القرى المجاورة لها العديد من المدارس التاريخية القديمة، التي أغلق بعضها، فيما لا تزال أبواب بعضها الآخر مفتوحة حتى اليوم، ولعل أشهر تلك المدارس هي المدارس المسكوبية التي انتشرت منذ العام 1882، وتعرف باسم مدارس (الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية – الروسية) في "سورية ولبنان وفلسطين".

صاحبة رؤيا

الدكتور "مطانيوس عدنان بشور" ابن مدينة "صافيتا" وهو الرئيس والممثل الرسمي للمنظمة الدولية الروسية الاجتماعية (الجمعية الامبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية)، يقول: "دخلت "روسيا" في القرن التاسع عشر كسائر الدول العظمى إلى بلادنا لتفتش عن موطئ قدم لها، وتميزت المدارس التي أنشأتها آنذاك بالتميز النابع من النهج الأرثوذكسي الذي اهتم بتعليم المسلم والمسيحي معاً، وقد بلغ عدد المدارس المسكوبية 114 مدرسة، ضمت 15000 طالب وطالبة.

ويضيف "بشور" إن استراتيجية العمل في المدارس قامت على التدريس باللغة العربية، فقد كانت السباقة أيضاً إلى تعريب المناهج، إضافة إلى انتهاج التعليم المجاني في جميع المراحل ويشمل أيضاً تلبية الاحتياجات من كتب ولباس رسمي، بينما كانت المدارس الأخرى تتقاضى الأقساط الباهظة، كما اهتمت المدارس المسكوبية بتأمين الرعاية الشاملة لجميع التلاميذ، وتأمين الطبابة مجاناً، وأيضاً متابعة التحصيل العلمي للطلبة المتفوقين في الجامعات الروسية، لافتاً إلى أن هذه المدارس كانت صاحبة رؤيا، فقد عملت على تهيئة معلميها في دور المعلمين التابعة لها لترفع من مستوى معرفتهم بالمنهاج، وكانت المدارس مختلطة ومنتشرة في جميع المدن والقرى حتى أنك تجد في بعض القرى أكثر من مدرسة.

علم المنظمة الدولية الروسية الاجتماعية في الجمهورية العربية السورية

ويؤكد "بشور" أن الجمعية المشرفة على هذه المدارس لم تحصر نفسها فقط في التعليم، فقد توسع نشاطها وقامت ببناء الكنائس والأديرة والفنادق والملاجئ والمستوصفات، وفي شهر كانون الثاني عام 1907 بلغ عدد الذين تعالجوا في مستوصفات الجمعية 11250 مريضاً، وما يؤكد أيضاً على أن الجمعية كانت صاحبة رؤيا تعليمية - حسب قول "بشور" - هو قرارها الذي اتخذته في مؤتمرها العام سنة 1913 بإنشاء جامعة روسية في "بيروت" على غرار الجامعتين الأمريكية واليسوعية، ولكن ظروف الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 وقيام الثورة الشيوعية عام 1917 حالا دون ذلك.

مدرسة وذكريات

من الذاكرة الذهبية في المنطقة الأستاذ "حبيب ندور" الذي أحيا لمدوّنة وطن ذاكرته عن تلك المرحلة، ويقول :"بنيت مدرسة "كفرون بدرة" المختلطة عام 1887، والفضل الأول يعود لآغا المنطقة "أبو متري" الذي جلب ريشة السلطنة من" تركيا"، وكانت تربطه علاقات وطيدة مع البعثات الروسية الأرثوذكسية، ولا تزال أبواب المدرسة مفتوحة للعلم حتى يومنا هذا تحت اسم مدرسة "الشهيد جورج رامز عكاري"، لكنها بحاجة إلى اهتمام وتأهيل".

مدرسة كفرون بدرة القائمة حتى الآن من الخارج

ويستذكر "ندور" في حديثه للمدوّنة المرحلة الابتدائية من حياته حين كان في الصف الرابع، فقد تألف المنهاج حينها من مادة التاريخ، الاجتماعيات، الجغرافيا، العلوم، الوطنية، وكتاب الحساب، وقد قُسمت المدرسة إلى 3 صفوف (قبوة)، ويوجد في كل صف مقاعد خشبية، بطول 4 أمتار تتسع لـ4 تلاميذ ويوجد في المقعد جرن حديدي صغير لوضع الحبر، ويعطى التلاميذ الريشة التي كان يطلق عليها تسمية "الريشة الغط" أي المشبعة بالحبر للكتابة.. كان هناك أستاذان فقط استلما تدريس الصفين هما المرحوم "عزيز خوري" والمرحومة "نجاح طيار" حيث توزع تلاميذ الصف الأول والثاني والثالث في قبو من الجهة الشرقية، وتلاميذ الرابع والخامس والسادس في قبو من الجهة الغربية، وخصص القبو الثالث الذي توسط القبوين للشتاء، ووضعت فيه مدفأة "صب قرميد" تم إحضارها من "لندن"، وكان لكل صف عريف مسؤول عن "القرضة" مهمته الإشراف على التلاميذ الذين يحضرون من منازلهم الحطب، فكل تلميذ لا يجلب قرضة أو حطبة يعاقب، وكان عدد التلاميذ ما يقارب 112 تلميذاً من قريتي "نبع كركر" و"كفرون بدرة"، وقد توزعوا على دوامين، فترة صباحية ومسائية.

بين الأمس واليوم

يشير "ندور" إلى الفروقات الهائلة بين الماضي والحاضر، والتي وعلى حد قوله "جُزئت وتعقدت، فكتاب الرياضيات اليوم كان سابقاً كتاب الحساب، وكتاب العلوم أصبح علوم وفيزياء وكيمياء، بالإضافة إلى اللغات، وما زلنا نعتز بالمنهاج القديم الذي استوفى غايته، فالذي أكمل المرحلة الدراسية حتى الصف الخامس آنذاك يستطيع الحصول على (السرتفيكا) وفيما بعد لتحصل على (السرتفيكا) عليك إكمال الصف السادس الذي ضمته المدارس الخاصة في "عيون الوادي و مشتى الحلو"، ومن أكمل المرحلة الابتدائية آنذاك، امتلك ثقافة واسعة أتاحت له كتابة الشعر وممارسة مهنة التدريس، ليكون هذا من أهم الحوافز المقدمة لطلب العلم".

مدرسة كفرون بدرة القائمة حتى الآن من الداخل

ويختم "ندور"حديثه بالإشارة إلى والده الذي تعلم في المدرسة نفسها عام 1922، وكان المنهاج عبارة عن كتاب واحد اسمه "مجاني الأدب" والتسمية تأتي من فكرة جني الثمار أو العسل، وقد تم تقسيم الكتاب إلى 6 أقسام يحتوي مادة الحساب، ومادة اللغة العربية التي شملت الشعر والقصص والأدب والقراءة ومواضيع التعبير وتركيب الجمل.