تعدُّ "ثانوية المعري" بمدينة "حلب"، واحدة من أهم الصروح العلمية القديمة والمشهورة برفعتها ومكانتها العلمية والتي ساهمت وعلى مدار أكثر من سبعين عاماً بتخريج أجيال بصمت وأثبتت كفاءتها وقدرتها في مختلف العلوم والاختصاصات.

ذاع صيت الثانوية كثيراً ما جعلها القبلة المفضلة للطلاب بغية ضمان مستقبلهم العلمي، ولعل ما زاد في أهميتها اقتباس اسمها من اسم الشاعر العربي "أبو العلاء المعري".

موقع مدوّنة وطن eSyria" زار "مدرسة المعري" والتقى بعضاً من العاملين على إدارتها، وآخرين درسوا وتخرجوا وما زالوا يحملون في مخيلتهم ذكريات الصبا وفضل هذه الثانوية التي ساهمت في صنع المستقبل المشرق لهم.

باحة ثانوية المعري تستقبل البطولات الرياضية والاحتفالات المركزية.

موقع وتاريخ

شهادات معاصرة المدير عبدالله إبراهيم - المدرس عبد الرحمن رمضان - الجامعي جمال نسلة - المدرس المتقاعد خالد قوجة.

تقع ثانوية "المعري" في "حي الحميدية"، وبالقرب من أحياء ذات كثافة سكانية كبيرة مثل "ميسلون والنيال والعزيزية والسليمانية"، كل ذلك جعل من موقعها محط اهتمام جميع أولياء الطلبة لدراسة أبنائهم فيها، عدا عن رغبة طلاب الأحياء البعيدة الأخرى من "الشعار والصاخور وسليمان الحلبي" للالتحاق والتعلم فيها.

البداية كانت مع أمين سر المدرسة المتقاعد حديثاً "خالد قوجة" الذي يقول للمدونة: <<أمضيت 28 عاماً بلا انقطاع في خدمة هذه الثانوية وبمهام إدارية متعددة، أحفظ كل تاريخها وزواياها وشعبها، وطالما عددت طلابها خلال خدمتي الطويلة فيها، بمنزلة أبنائي وقدمت لهم شتى أنواع المساعدة لتأمين مستقبلهم العلمي، وفي فصل الشتاء، كنت حريصاً على تأمين مادة المحروقات وتشغيل المدافئ قبل بدء الدوام، وكنت أقوم مع المستخدمين بتفقد حالة النظافة العامة للشعب مع نظافة خزانات المياه للشرب، كل ذلك انطلاقاً. من حبي الشديد لهذه المدرسة التي كنت فيها طالباً ثم أصبحت معلماً، كما جمعت المعلومات عنها، وهي التي تأسست في منتصف حقبة الأربعينيات من القرن الماضي وكان موقعها ضمن جناح خاص داخل "ثكنة هنانو" بطلعة "حي العرقوب"، ونقلت لمقرها الحالي في "حي الحميدية" في عام 1953 تحت اسم ثانوية التجهيز الثالثة بعد الأولى (المأمون) والكواكبي (الثانية).

لوحة الشرف بأسماء المدراء للثانوية منذ بدء التأسيس وحتى الآن.

ويضيف "قوجة": "ذاع صيت المدرسة كثيراً في الأوساط التعليمية بالمدينة، وشهدت حالة تنافس علمي مع شقيقتها الكبرى "مدرسة المأمون"، وكان التعليم يتم فيها بفوجين صباحي ومسائي، وفي عام 1980 أصبح دوام الطلاب واحداً، يبدأ في الثامنة صباحاً وينتهي في الواحدة ظهراً، ويكفي المدرسة فخراً تخريجها لقمم علمية كبيرة عملت في كل المواقع والمراكز الطبية والهندسية والقضائية>>.

التعليم المتمازج

وعن "ثانوية المعري" يقول المدير الحالي لها "عبد الله إبراهيم": <<تحظى الثانوية بشهرة وسمعة طيبة في الأوساط التربوية والتعليمية في مدينة "حلب"، بسبب جودة التدريس فيها وارتفاع معدلات نسب النجاح التي تتحقق كل عام والتي تخول طلابها التسجيل في الكليات المتقدمة بالجامعة، وحتى المعلمين الذين يتم فرزهم للمدرسة يبدون السعادة والنشاط والعطاء انسجاماً مع اسم وشهرة المدرسة".

ويتابع المدير "إبراهيم" بالقول: <<طلبتنا دائماً في عداد الطليعة المتفوقة على مستوى المحافظة والقطر، وفي العام الماضي تمكن 24 طالباً لدينا من الالتحاق بالكلية التحضيرية، و54 دخلوا كليات الهندسة، ومنذ عام 2006 طبقنا تجربة التعليم المتمازج أي دمج التقنية بالتعليم في تجربة طبقت على ثلاثين طالباً نجحوا باختبارات الأتمتة وفق البرنامج المعلن عنه من قبل وزارة التربية، وفوراً تم تسليم الناجحين أجهزة حواسيب لإتمام تطبيق التجربة العلمية بغية متابعة تحصيلهم العلمي وبالتشاركية والتعاون والترتيب مع مدرسيهم، ولاقت العملية نجاحاً منقطع النظير، وثانويتنا ممثلة بالطالب "برنارد جورج" وهو ضمن الفريق السوري العلمي المشارك بالمونديال من أصل 24 طالباً من باقي الثانويات السورية.

ويختم مدير المدرسة حديثه بالقول: <<من حسن حظي وسعادتي تكليفي منذ ثلاث سنوات بإدارة هذا الصرح العلمي الذي خرّج الأطباء والمهندسين والأدباء والمحامين والمعلمين، وأصحاب المناصب العليا، وبعضهم كلما سنحت له الفرصة يزور الثانوية ويدخل إلى الباحة والصفوف مسترجعاً ذكريات الزمن الجميل لأيام الدراسة في "المعري" حيث مهدت له الطريق للوصول للمراتب العليا".

صرح علمي كبير

تتميز مدرسة "المعري" باتساعها حيث تتألف من طابقين وتضم أربعين غرفة للتدريس، وثلاث غرف للمخابر وللمستودع، وفيها مسرح يتسع لأكثر من مئتي شخص جلوساً، تقدر مساحة المدرسة الإجمالية بسبعة آلاف متر مربع، وفي وسط باحتها ملعب لكرة القدم يستقبل البطولات المركزية على مستوى المحافظة.

المدير السابق للمدرسة "عبد الرحمن ديوان /75/ عاماً يقول :<<كنت مديراً لثانوية "المعري" بين 1976 و1979"، وفي تلك الفترة قفزت الثانوية في نتائجها إلى نسبة 75% في معدلات نجاح طلبتها، وذلك بفضل جهود أساتذتها الذين كانوا في قمة الشباب والعطاء والنشاط، وأصبحوا من اشهر المدرسين في مدينة "حلب" وحتى على مستوى القطر ومنهم نذكر معلم الفيزياء الراحل "منذر سليمان" والرياضيات "بهاء دالاتي" و"جان أودو" و"الياس سبع" وغيرهم>>.

في الذاكرة

بدوره "جمال نسلة" /61/ عاماً وهو مدير المكتبات السابق في "جامعة حلب" يقول: <<أنا من روّاد طلاب ثانوية "المعري" ومنزل أهلي كان مقابلاً لها، وفيها وجد أهم المدرسين الذين ما زالت أسماؤهم في ذاكرتي مثل المدرس "خليل ديب" و"بكور جبقجي" و"جان آجي" و"سهيل كورية " و"طالب أشقر" وأغلبهم رحلوا عن عالمنا بعدما أفنوا عمرهم في التعليم، وتركوا لنا بصمة وإرثاً لا ينسى حتى الآن، وما زلت أذكر المعرض العلمي الذي أقمناه في مسرح المدرسة بالتعاون مع زميلي رئيس فرع نقابة الفنانين الحالي بالمدينة "عبد الحليم حريري" وعلى إثر ذلك منحنا مدير التربية وقتها مكافأة قدرها مئة ليرة لكل واحد منا، قمنا بالتبرع فيها لمصلحة صندوق الثانوية، كان فيها خليط حقيقي وجميل من كل أحياء المدينة والريف، وكنا حريصين على بعضنا بعضا وعلى استضافة أبناء الريف في أيام الشتاء الصعبة، وطوال دراستي فيها كنت مكلفاً بمهام أمين رابطة وحدة المعري (الشبيبة)، وبالتعاون مع مديرنا وقتها "عبد الحميد ديوان" الذي وفّر لنا كل مستلزمات التفوق، نال طلاب ثانويتنا أعلى المعدلات".

ختام جولة المدوّنة داخل "ثانوية المعري" كان مع المدرس الحالي لمادة اللغة العربية "عبد الرحمن رمضان" الذي يقول": <<يكفي أن اسم الثانوية من اسم الشاعر العربي الكبير "أبو العلاء المعري" لنعرف قيمة وأهمية هذا الصرح العلمي ومكانته، ورغم ابتعاد منزلي كثيراً عن الثانوية وقد أتيح لي التدريس أكثر من مرة والانتقال لثانويات قريبة من سكني، لكنني فضلت البقاء هنا للعام السادس على التوالي، حيث نشأت علاقة ود واحترام ومحبة بيني وبين الطلبة والأهالي ولمصلحة العملية التدريسية.. الثانوية هي قلعة شامخة بالعلم والمعرفة والكادر العامل فيها يعمل مثل خلية النحل>>.

تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل "ثانوية المعري" بتاريخ الثاني عشر من شهر أيلول لعام 2022.