ارتبط نشوء المدارس في "مشتى الحلو وصافيتا" بنشاط المبشرين الغربيين في المنطقة، وبلغ ذروته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتزدهر المنطقة ثقافياً ويلمع فيها أسماء العديد من الشخصيات خلال وبعد الحقبة الذهبية تلك، نتيجة انتشار المدارس من قبل العديد من الإرساليات وتشجيع المتفوقين لمتابعة تحصيلهم العلمي ليكونوا قدوة ومرجعاً لأبناء المنطقة.

محطات

ابن المشتى "عدنان بدر الحلو"، لا تزال ذاكرته الحية تستحضر الماضي بكل تفاصيله رغم تجاوزه الثمانين من العمر وهو الصحفي والكاتب الذي نهل علمه في تلك المدارس.

يقول "الحلو" :"في البداية كان التعليم بدائياً في المنازل التي تستوعب مساحتها عدداً من الأولاد، كان يتم البدء بتعلم الحروف الهجائية وبعض الصلوات لتختتم بحفظ "مزامير داوود"، التي قسمت إلى سبعة أجزاء، و الولد الذي (ختم العلم) يعدُّ من المتخرجين ويُحتفل به، ثم بنيت المدارس بنشاط المبشرين في المنطقة، وخاصة المدارس "المسكوبية الروسية" التي كان لها دور بارز في تقدم المنطقة على الصعيد الثقافي والعلمي، مثال على ذلك منطقة "مشتى الحلو" التي أسست فيها البعثة القيصرية الروسية (اللجنة الامبراطورية الفلسطينية) وهي بعثة تبشيرية أرثوذكسية، العديد من المدارس في بلاد الشام، وأسست مدرستها في "مشتى الحلو" في عام 1890 تقريباً، وبُني بجوار المدرسة منزلاً لسكن للمعلمين الوافدين من المناطق البعيدة في شارع الدلبة بجوار قنطرة الدلبة القديم الذي بنتها "روسيا"، ويعدُّ من أجمل معالم المشتى التاريخية والسياحية حالياً، و قد أغلقت تلك المدارس أبوابها خلال الحرب العالمية الأولى، مع تخلي الدولة الروسية السوفييتية بعد ثورة 1917 عن دورها الديني القيصري، لتتولى حكومة الانتداب الفرنسي إعادة افتتاحها عام 1920، وبقيت قائمة كمدرسة إلى أن تحولت للمجمع المدرسي القائم حالياً".

مدرسة مشتى الحلو والتي تحولت إلى قسم محاسبة التربية

أسلوب التدريس

مدرسة مشتى الحلو والتي تحولت إلى قسم محاسبة التربية

بلغ عدد طلاب مدرسة "مشتى الحلو" 182 طالباً وطالبة، وتجدر الإشارة إلى أن بناء المدرسة ما زال قائماً حتى الآن بشكله العمراني القديم، بأقبيته من الداخل، وحجره القاطع من الخارج، لكن تحولت المدرسة منذ زمن إلى قسم محاسبة لمديرية التربية حالياً.

يضيف الحلو : "كان التدريس باللغة العربية ويقوم على تعريب بعض المناهج، وكان مجانياً بجميع مراحله التي تشمل الكتب واللباس المدرسي، وتشترط اللجان القيمة على المدارس على من يريد ممارسة مهنة التعليم في مدارسها أن يكون أهلاً لها وذا مستوى جيداً، وكان المنهاج مؤلفاً من مادة التاريخ، الاجتماعيات، الجغرافيا، العلوم، الوطنية، وكتاب الحساب (الرياضيات حالياً) وعندما كان الطالب يكمل مرحلة التعليم الابتدائي، يحصل على "السرتفيكا" ويصبح مؤهلاً لأن يكون معلماً للأجيال لما يمتلكه من سعة اطلاع وثقافة، وهذا كان بحد ذاته حافزاً، فقد كان للمعلم مكانة مرموقة و محترمة في تلك المرحلة وكان ذا شأن كبير في مجتمعه".

عدنان بدر حلو

في رحاب التوثيق

في السياق نفسه يذكر الشاب "حسان عجي" كيف تناول تاريخ المنطقة ككل بأسلوب يكسر النمطي في التدوين والتوثيق، حيث قام بطباعة كتاب بالتعاون مع بعض الغيورين من أبناء المشتى، يهدف إلى الإشارة إلى غنى المنطقة الثقافي والتراثي، بالإضافة إلى مشاركاته بنشر الفيديوهات المصورة لنفس الغاية، فبرأيه أن الصورة المرافقة للهجة المحلية تجذب الجيل الجديد لسلاستها، وكان للشأن العمراني والتعليمي الحصة الأكبر في كتابه، هذه المدارس التي بقي بعضها على قيد الزمن و بعضها الآخر في طي الذاكرة، و قد ورد في الكتاب أهم الأسماء التي ارتادت مقاعد المدارس المسكوبية مثل "دانيال نعمة" العضو البارز في الحزب الشيوعي وفي الجبهة الوطنية التقدمية، الدكتور "ميخائيل الأسعد" عضو جمعية البحوث والدراسات و له العديد من المؤلفات في علم النفس، الدكتور "منير مشابك موسى" خبير الدراسات والبحوث العلمية في تاريخ علم الاجتماع لدى الحضارات القديمة، الدكتور "فاضل فضة" دكتوراه في علم الحاسبات وعمل باحثاً في جامعات وشركات كندية، و استشارياً في مكتب وزير الداخلية في دولة "الامارات العربية المتحدة"، ودائرة نظم البيانات وهو فنان تشكيلي مرموق، وأيضاً الشاعر "نسيم النبع" شاعر الزجل في المغترب، وآخرهم الأستاذ الشاعر "سامي جبرين" آخر من درَس في المدارس المسكوبية، ويعدُّ من الأسماء اللامعة في الجالية السورية في "البرازيل" حتى اليوم وغيرهم الكثير ممن تتلمذوا في تلك المدارس وأصبحوا فيما بعد أسماء سورّية لامعة".