تعدُّ كرة الأحياء الشعبية بمدينة "حلب"، واحدة من أهم الأنشطة الرياضية بالمدينة، حيث عملت على صقل المواهب الكروية والتحكيمية بأسلوب منظم بعيداً عن الارتجالية والعشوائية، وفق قواعد وضوابط وأسس صحيحة أعطت ثمارها، ما أكسب تلك العناصر المزيد من الخبرة والتميز، ومهد الطريق أمامها لضمها لصفوف الأندية الرسمية ومنها اللعب للمنتخبات الوطنية.

ملاعب وفرق شعبية

تضم مدينة "حلب" أكثر من ملعب تقام عليه مباريات دوري الأحياء، نستذكر منها وحسب أقدميتها، ملعب "معهد حلب العلمي" مقابل الكرة الأرضية في "حي سيف الدولة"، وعدّ هذا الملعب بدءاً من عام 1980 أشهر الملاعب الشعبية بحضوره الجماهيري الكثيف، وضمه للعديد من لاعبي الأندية الحلبية، وحتى لاعبين من أندية محافظات أخرى، واشتهرت فيه فرق "النضال" و"التحرير"، و"الحكمة" و"الأولمبي" و"الترسانة" و"بلنسية" و"صلاح الدين" و"النجمة الذهبية" و"الكفاح" و" النداء" و"التضامن" و"سلام الخالدية" و"الرسالة" و "تشرين السكري" و"تشرين الميسر" و"نجمة بدوان" و"الفنار" و"الاعتماد" وغيرها.

وتم تصنيف الفرق فيها لدرجتين أولى وثانية، ولعبت هذه الفرق مباريات باسم كأس الجمهورية ودوري آخر للشباب، وفي عام الفين ونتيجة استملاك الملعب لأغراض تعليمية انتقل الدوري لأرض "معهد الأخوة" بـ "حي المحافظة".

فريقا "الصمود" و"النداء" من دوري الأحياء الشعبية بحلب

مؤسسو الرياضة الشعبية

مشرفا التحكيم في الملاعب الشعبية "ياسر الحسين وثابت شعبوق"

موقع مدونة وطن "eSyria" التقى العديد من الخبرات الرياضية القديمة التي لها الفضل في تنظيم وإطلاق تجربة أول دوري للأحياء الشعبية في المدينة، واستمعت منهم لحكاية ملاعبهم وتأسيس فرقهم، ومبارياتهم وبطولاتهم الجميلة التي ما زالت في البال.

يقول الكابتن "عمر شعبان" مؤسس ملعب "الصمود" في "حي باب النيرب": <<في بداية الثمانينيات كنا نلعب كرة القدم بين الأزقة الضيقة في حي "باب النيرب"، وبعدها وبمساعي المحافظة ومديرية التربية، تم منحنا قطعة أرض لإقامة ملعب كرة قدم شعبي، وبجهودنا الذاتية وعلى نفقتنا الخاصة قمنا بتسوير الملعب وفرشناه بالرمل، وتم تركيب المرميين وتخطيطه وتمديد شبكتي الماء والكهرباء له، وبدأ نشاطنا الرياضي عليه ينمو، وتشكلت لجنة إشراف على النشاط الكروي مؤلفة من "عدنان الشاوي" و"زكريا الشاوي" و"عمر الشعبان"، ونال فريق "الاستقلال من "حي المعادي" لقب أول بطولة على الملعب بعد فوزه على فريقنا "الصمود" بركلات الترجيح، وحرصنا على استقطاب المواهب الشابة لانضمام كل لاعب إلى فريق حيه، ويحسب للكابتن "ثابت شعبوق" جهوده وإشرافه على تنظيم المباريات في ملعبنا وتنسيب وتطوير الحكام، وانضم للجنة بعدها الكابتن "عبد الرحمن دندل" والإعلامي "أحمد علي النبهان" "والدولي "عبد الله الناصر">>.

تكريم الفرق نهاية كل موسم تقليد ثابت

نجوم وحكام

يتابع الكابتن "شعبان" حديثه بالقول : <<ذاع صيت نشاطنا الرياضي في ملعبنا، وتهافتت علينا الفرق الرياضية للاشتراك بالدوري، وكل ذلك أعطى ثماره بصقل المواهب وتخريج نجوم لعبوا للأندية والمنتخبات الوطنية مثل "ياسر هواش" و"عمار ريحاوي" و"محمد زينو" والحارس الدولي "محمود كركر" وكابتن نادي الاتحاد "عمر حميدي" و"صلاح شحرور"، مع مشاركة الحكام الدوليين أمثال "يوسف شيخو" و"عبد الله الناصر" و"محمد شهاب "، وحكام الدرجة الأولى "عمر كرمو" و"عادل كريز " و"مهدي عساني" و"ياسر الحسين"و "أحمد أورفلي"و "فائز علي" والراحل " عبد العزيز حمود" و" زهير النعمة" و"عمار الصالح" و"صلاح محي الدين"، والراحلون الدولي "عبد الله جركس" و"محمد ديب هباش" و" محمد كزارة"، وهذه الكوكبة من حكام الكرة اكتسبت التحكيم والخبرة من ملعب "الصمود"، وتابعت وشقت مسيرتها في الدوري العام كحكام مميزين.. ولعل أبرز ما كان يميز تلك المباريات الحضور الجماهيري الكثيف حتى الآن>>.

خبرات لها بصمة

انتقلت المدونة لسماع حديث ذكريات الكابتن "ثابت شعبوق" الذي يعد واحداً من أهم أركان الكرة الشعبية الحلبية، وله الفضل بتنظيم وإدارة الكثير من المباريات، حيث يتحدث "لمدونة وطن" بالقول: <<تعود بدايات وانطلاقة كرة الأحياء الشعبية في مدينة "حلب" إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، من خلال انتشار عدة ملاعب شعبية بين الأحياء نذكر منها ملعب "الصاخور" و"المسلخ" و"الإسلامي بالزبدية" وملعب "كرم البيك بحي طريق الباب" وملعب " النيرب"، وكل تلك الملاعب كان النشاط الرياضي فيها عفوياً يعتمد على إجراء لقاءات محدودة بين فريقين، وفي منتصف السبعينيات تم تطوير العمل بالملعب "الإسلامي"، وتشكلت لجنة مؤلفة من "زهير علاف" و"عبد الغني كبة" والصحفي "محمد هاشم إيزا" و"عبد الجواد كاتبة" و"صبحي بيطار" والراحلين "أحمد ياسرجي" و"عبد العزيز سمان"، وكانت مهمة تلك اللجنة الاجتماع مع رؤساء تلك الفرق لإطلاق تجربة أول دوري منتظم بين الفرق، ونجحت الفكرة

ولاقت الدعم والتشجيع، وانخرط العديد من لاعبي المدينة للعب في فرقهم الشعبية وبعضهم كان من الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين، ونظراً لصغر مساحة "الملعب الإسلامي"، انتقل اللعب بعدها في بداية الثمانينيات إلى "معهد حلب العلمي"، وهناك تشكلت لجنة جديدة برئاسة "عبد الجواد كاتبة"، وجرى لعب مباريات الدوري بانتظام حتى موسم 1993، عندها تم حل اللجنة القديمة، وتشكلت لجنة جديدة برئاسة الراحل "محسن دياب" والحكم الدولي "خالد دلو" و"أحمد دلو" و"عمر كرمو" و"محمد مقصود" وأحمد سالم بسوت" والراحلين "محمد بدوان" و"محمد مؤذن" و"أحمد دحو"، استلموا مهام التنظيم والإعلام والانضباط والأمور المالية، وعملت تلك اللجنة على دعوة أبرز الفرق الشعبية من جميع الأحياء للعب، وتصنيفهم إلى مستويات ودرجات، وطُلب من الاتحاد الرياضي العام حينها التعاون لاستقطاب حكام الدوري للمساعدة في تحكيم المباريات، وبرزت وتألقت فرق "النضال" و"التحرير" و"الكفاح" و"الحكمة" و"الأولمبي" و"التضامن" بنيل لقب البطولة فيما بينهم>>.

جمهور ونجوم

تميزت مباريات دوري الأحياء الشعبية في جميع الملاعب بالندية والإثارة والحضور الجماهيري الكثيف والتشجيع، وانخراط أغلب لاعبي الأندية في فرق شعبية مثل الراحل "عبد الرحمن كاتبة" و"جهاد اشرفي" و"محمد جقلان" و"وليد الناصر" و"جمال زغنون" و"عبد الغني كبة" و"محمود السيد" و"جمال هدلة" و"رياض بحسيتي" و"محمود اليوسف" و"عبد اللطيف الحلو" و"ياسر السباعي" و"أحمد بنود" وغيرهم ما أعطى تلك المباريات أهمية وزخماً واهتماماً من قبل أسرة كرة القدم بالمدينة للمتابعة.

يقول الكابتن "طه جديد": <<في بداية الثمانينيات تأسس في حارتي "قهوة الشعار" فريقاً شعبياً باسم فريق "النداء"، وانضم للعب معنا العديد من لاعبي الأندية، وشاركنا بدوري الأحياء الشعبية في "معهد حلب العلمي"، وكنا من الفرق العنيدة والمميزة، وحققنا نتائج مبهرة وفزنا على أغلب فرق الدوري، وكان ينقصنا الدعم المادي، حيث كنا ندفع من جيوبنا أجور المواصلات وثمن اللباس وأجور التحكيم وصرف مكافات بسيطة عند الفوز، استمر فريقي بالملاعب الشعبية طيلة عشرين عاماً، وتخرج منه الكثير من المواهب اللامعة التي انضمت فيما بعد لفرق "الأهلي والحرية والعمال والشرطة"، و أثبتت علو كعبها في الملاعب والمتتخبات الوطنية>>.

مدرسة للتحكيم

وعن تجربة التحكيم في الملاعب الشعبية يقول الحكم الاتحادي "ياسر الحسين" :<<عرض علي الكابتن "ثابت شعبوق" فكرة الانتساب للتحكيم وراقت لي الفكرة، وبدأت بقيادة مباريات الأحياء الشعبية في ملعبنا لتطوير وصقل مهاراتي، وبعدها تم اعتمادي كحكم درجة أولى في الدوري العام لقيادة المباريات حتى تاريخ اعتزالي العام الماضي، وحالياً أنا مكلف بتسيير أمور الدوري في ملعبنا مع الكابتن "محمود العلوش" والحاج" عبد الرحمن دندل"، ونعمل على تنشيط رياضة كرة القدم في "حي باب النيرب" والأحياء المجاورة، من خلال تنظيم مباريات الدوري ودعم اللاعبين المميزين والاهتمام بهم وتطوير المواهب التحكيمية>>.

فيما يقول الكابتن "محمود العلوش" من لجنة ملعب "الصمود" : <<يعد ملعبنا من أهم الملاعب الشعبية في المدينة، همنا تنشيط لعبة كرة القدم، ونحرص على تحقيق العدالة بين جميع اللاعبين ومكافأة الفرق المتميزة بالبطولات والأخلاق الرياضية، وادخال البهجة والفرحة للجمهور الحاضر الذي يدعم نشاطنا وإصدار نشرة أسبوعية>>

تكريم ووفاء

وفي لفتة وفاء اعتمدت جميع لجان فرق الأحياء الشعبية بالمدينة وبجميع الملاعب مبدأ التكريم، ففي نهاية كل موسم يقام حفل سنوي تدعى إليه جميع الفرق واللاعبين والخبرات، لتكريم الفرق المتوجة بالبطولات مع الهدافين والجمهور والفرق المثالية التي تتمتع بالروح والأخلاق الرياضية.

تم إجراء اللقاءات والتصور بملعب "الصمود" بـ "حي باب النيرب" بتاريخ الثامن والتاسع من شهر آب لعام 2022.