يحتلُّ الفضاء الأخضر مساحات شاسعة من "سورية"، ويعدُّ ملاذاً للكثير من الكائنات الحية ومورداً طبيعياً مهماً، وخير دليل على ذلك محافظة "طرطوس" التي اشتهرت بغاباتها المتشكلة منذ أكثر من 500 عام، لتكون بحق رئة المنطقة ونافذتها على شتى الأصعدة خاصة السياحية.

نظرة عن كثب

البداية من منطقة "صافيتا" حيث تبلغ مساحة الحراج فيها حوالي 4100 هكتار، توزعت على عدة مواقع حراجية.

ويقول المهندس "أسامة زغبور" مدير مكتب الزراعة في "صافيتا" إن أهم المحميات والمواقع في المنطقة محمية "سرستان" التي تبلغ مساحتها حوالي 3000 هكتار، وتعد من أجمل الغابات الطبيعية في "سورية" وأكثرها نظافة، وتعرضت في السنوات الماضية للحرائق، لتتضافر الجهود لاحقاً لإعادة تشجيرها بالأصناف نفسها التي كانت، كالصنوبريات والبروتي ذات المنشأ الطبيعي، وبعض الأنواع الحراجية المرافقة مثل القطلب والسنديان والريحان، وتعيش فيها أنواع معينة من الحيوانات كالزواحف والطيور والضباع والثعالب، وتمتد الغابة لتشمل عدة قرى منها "الحداديات وبسورم والصليب ومجدلون البستان".

محمية سرستان

صديق البيئة

حريق عين عفان

ويذكر "زغبور" غابات أخرى مهمة كغابة "عين عفان"، مساحتها حوالي 160 هكتاراً وتعتبر تحريجاً اصطناعياً وطبيعياً، والنوع السائد فيها هو الكينا والصنوبر، ويقدر عمرها بحوالي 25 عاماً، والأنواع المرافقة هي القطلب والريحان، تعرضت الغابة للحرائق فقد احترق 20 هكتاراً من مساحتها عام 2020، ولا تزال مساحة الغابة على حالها دون تعديات، علماً أن المساحة المحروقة قد أعيد تشجيرها من الأصناف نفسها وهي الكينا والصنوبر، والحيوانات السائدة فيها هي الثعالب والضباع والزواحف والطيور.

كثيرة هي غابات المنطقة التي شكلت رئة حقيقية للمنطقة يذكر "زغبور" منها أيضاً غابة "النبي صالح" التي تبلغ مساحتها 100 هكتار، بعض أجزائها طبيعية وأخرى اصطناعية، وعمرها حوالي 50 عاماً، فيها أشجار الصنوبر والبروتي وبعض أشجار الأرز، وللأسف تعرضت أجزاء منها للحرائق، وبقيت على حالها من دون أي تعديات وتمت إعادة تحريج معظمها بالأصناف التي كانت بها.

حريق نبع كركر

ويبين "زغبور" أن هناك مناطق حراجية في المنطقة أبادتها النيران بالكامل، كغابة "نبع كركر" التي التهمها حريق عام 2020، مساحتها الإجمالية 300 هكتار تحولت إلى محرقة، وكانت أشجارها من السنديانيات الطبيعية، وما زالت الغابة على حالها دون حدوث أي تعديات وتم تحريج بعض من أجزائها، وترك المجال للمساحة المتبقية للتجدد الطبيعي، لأن رحم هذه الغابة من الأساس ذو منشأ طبيعي، ومن أهم الحيوانات التي كانت تعيش فيها الضباع والثعالب والطيور والخنازير والزواحف، وحالياً يلاحظ عودة بعض الحيوانات إلى الغابة تزامنا مع عودة النمو الطبيعي لها.

كما توجد بعض المواقع الحراجية المتناثرة على خريطة المنطقة ومعظمها ذات منشأ طبيعي تسودها السنديانيات الطبيعية وبعض الحيوانات كالثعالب والزواحف والطيور.

خطط وبرامج

وحول القطع الجائر والعقوبات القانونية، يقول "زغبور" إنه ليس هناك قطع جائر بالمعنى المتداول من قبل البعض، هناك تعديات على المواقع الحراجية، وتقوم عناصر الضابطة بملاحقة فاعليها وتنظيم الضبوط وإحالتهم إلى القضاء المختص، بالإضافة إلى مصادرة الحطب المقطوع، حيث حدد قانون الحراج عقوبة جريمة الحراج بالسجن ويمكن أن تصل العقوبة حتى الإعدام .

وبرأي "زغبور" لا توجد صعوبات من حيث تأمين الغراس الحراجية، فهناك خطة على مستوى الوزارة لإنتاج الغراس سنوياً وتأمينها، حيث تسير عملية التحريج وفق برامج زمنية تمتد من بداية شهر تشرين الثاني حتى نهاية شهر آذار، تتحكم بها حالة الطقس والظروف الجوية مع الأخذ بالحسبان ترك مجال للتجدد الطبيعي للمواقع.

ويشير إلى تفاعل المجتمع الأهلي مع عمليات التحريج أو إخماد الحرائق أو بالإبلاغ عن أماكن التعديات وفاعليها، وقرية "البارقية" خير مثال، إذ تم تشجير مساحة 10 دونمات في "غابة الشهيد"، ونشاط آخر في موقع جبل السيدة في "الكفرون" تبلور في غرس العديد من الأشجار الحراجية، و أخيراً حملة دعم الغابة من قبل الأسرة، والخطة الذي طرحتها وزارة الزراعة بتزويد مجالس البلديات بنحو 20400 غرسة حراجية، وزعت بواقع 5 غراس لكل دفتر عائلة وزراعتها في المواقع الحراجية أو الخاصة.

التكيف مطلوب

من جهته يشير الدكتور "محمود علي" الاختصاصي بالغابات، إلى أن تغير المناخ أصبح واقعاً يؤثر في النظم البيئية الحراجية والمائية والزراعية، ويكون تأثيره عالياً في النظم البيئية الهشة البسيطة.

ويرى أنه يجب التكيف مع التغيرات المناخية بتخفيف الآثار السلبية لها على النظم البيئية، من خلال مساعدة المواطنين والحكومات على معالجة قضايا ارتفاع منسوب مياه البحر، وحرائق الغابات، الجفاف والتصحر والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية.

حرائق 2020

لقد شكلت تلك الحرائق كابوساً حقيقياً على الجميع، وشكلت لجان علمية وفنية لتقييم المواقع المحروقة وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة لإعادة تأهيلها، بتكثيف الجولات الميدانية على امتداد أشهر وتقييمها موقعاً موقعاً، فتم تصنيف الوضع وقدمت الاقتراحات والتقارير التي للأسف لم يؤخذ بمعظمها.

أوصت اللجان بإزالة الجذوع المحروقة بالسرعة الكلية، ومراقبة المواقع المحروقة بشكل دوري للوقوف على تطور عملية التعاقب النباتي وعودة الغابات، وتحديد الإجراءات الضرورية عند الحاجة لتسريع عودة الغابة، لكن العديد من الأشجار المحروقة ما زالت في مواقعها وقد تكسر معظمها بفعل العواصف.

أما مبررات إزالة الجذوع المحروقة فعديدة أهمها أن بقايا الحرائق ستكون مرتعاً للحشرات والأمراض في السنوات القادمة، وغاباتنا ستدفع الثمن، ومن خلال مشاهداتنا في جولاتنا الحراجية مؤخراً وجدنا انتشار الخنافس بكثرة وكذلك الإصابات الفطرية .

وفي المستقبل القريب سوف تتداخل النموات الجديدة والبادرات الحديثة مع ما هو محروق وجاف، الأمر الذي سوف يزيد من حمولة وحدة المساحة من الوقود الطبيعي المقصود به كل المواد العضوية تكون جافة وميتة، وبالتالي هناك خطر كبير في حال اندلاع حريق جديد لأنها ستكون أشد ضراوة ويصعب التعامل معها بالوسائل والأدوات المتاحة، لأن الوقود الخشن أي الجذوع والأفرع الجافة لا تبتل بالماء بسهولة بسبب انخفاض نفاذية الماء ضمنها.

كما أن الإزالة المتأخرة لقطع وسحب الجذوع المحروقة ستؤدي إلى القضاء على البادرات الحساسة للدوس أو إسقاط الجذوع عليها.