دخل موضوع ربط الموسيقا بفن العمارة طوراً علمياً جديداً وبات من الأبحاث النادرة جداً التي تعتمد المنهجية، ولعل المشروع الذي قدمته المهندسة "مجد أبو طرابه" يعد واحداً من المشاريع الرائدة في هذا المجال والذي حازت من خلاله قصب السبق في محاولة منها لإعادة ألق الإبداع الفني والموسيقي في مشروع علمي حمل صوت "أسمهان" كأحد مرتكزاته، وقدمت مشروعا معمارياً للمعهد العالي للموسيقا وفق أنغام محلية ترتبط بالمكان والزمان والإنسان.

تحليل فلسفي

وحول أهمية وطرائق العمل الهندسي العلمي برؤية تحليلية فلسفية عمرانية، أشارت المهندسة "أبو طرابه" إلى أن لكل علامة موسيقية موقعاً وشكلاً وزمناً وارتفاعاً، ووفق علم "السايمسكس" وهو دراسة الصوت المرئي والاهتزازات، يتم تعريض سطح لوحة أو غشاء إلى اهتزازات معينة ويمكن من خلال هذه التقنية إظهار مناطق الإزاحة الصغرى والعظمى، وذلك عن طريق وضع طبقة من الجزئيات أو السائل أو الذرات الموضوعة على السطح، فعندما يهتز الغشاء أو السطح فإن هذه الاهتزازات توثر في السائل أو الذرات الموضوعة على السطح وتبدأ بالتفاعل مع الصوت والتحرك وفقاً لقوة الاهتزازات الصوتية، و"السويداء" فيها الكثير من عمالقة الفن منهم "أسمهان وفريد الأطرش وفهد بلان" وكثير غيرهم، واخترت فنانة الغناء العربي "أسمهان" لأن طبيعة صوتها موسيقياً تحمل طبيعة أوركسترالية عربية شرقية وصلت للعالمية، واخترت من أغانيها موال "يا ديرتي مالك علينا لوم" وهو من تراث "السويداء" وتمت دراسة المقطع موسيقياً.

فراغ "السكتة"

وتضيف "أبو طرابة" : " قبل البدء بتنفيذ المشروع تمت دراسة النوتة الموسيقية، وتحديد زمن العلامات الموسيقية 2/4 بكل أكتاف زمنين أي عبرت عن الصمت بفراغ "السكتة"، وعن العلامة الموسيقية بكتلة تساوي زمنها، ثم وفق علم" السايمتك" تمت دراسة شكل الاهتزازات بطريقة النغمة الصوتية على مقياس 240 هرتز، فكل علامة أخذت شكلاً هندسياً، ومن خلال العلامات الموسيقية أعطي قالباً، وأخذ شكلاً مستطيلاً من النسبة الذهبية، حين أدخلت به الموسيقا وأحدث تصدعات تمثل شكله، والتصدعات طبقاً لكل "مازور" موسيقي ممكن أن تعطي أشكالاً لا نهائية، لكن هذا الشكل خدم فراغات معمارية إضافة إلى وجود السكتة الزمنية، وهي الفاصل الزمني لاستيعاب النوتة التي عبرت عنها بالمدخل معمارياً".

الأستاذ الدكتور محمد عامر جبري

وتابعت المهندسة "ابو طرابه" : " أما الإيقاع الخلفي المرافق للأغنية "دوم – دوم- تك- دوم"، فبعد الدراسة الصوتية العملية بمقياس الهرتز 240 للصوت، تمت محاولة تنظيم وضبط التشكيل الناتج معمارياً والعلاقة بين الكتلة والفراغ.. وهناك الإدراك البصري الذي يرمز للاستقرار بحركة مستمرة غير منقطعة، ويعطي راحة وسهولة في الحركة، وهذا ما تعبر عنه الموسيقا شكلياً وحركياً فيما يسمى "فينومولوجيا"، وهو شكل العلامات الموسيقية وخطوط مفتاح الصول معمارياً، ومركز بصري يضفي على الشكل قيمة جمالية مسيطرة أي بؤرة بصرية واضحة، وهناك الشكل البيضوي اختير للمسرح فقد خدمها أن الأرض مائلة، وجاء على شكل مغروس في الأرض يعني نقطة علام واضحة، ورد عليه الفراغ الذي هو محفور في الأرض كقبو، مرة يتفاعل الأفراد مع كتلة ألا وهي المسرح ويحقق التوازن في المقابل التفاعل مع الفراغ بجهة أخرى، كذلك تم أخذ من الإيقاع والتواتر الصوتي شكل الاهتزازات والتحكم وفق النغمات على الواجهة، وانعكس ذلك بتشكيل الكتل والخامات والفتح بالواجهات، وكذلك الغرف الداخلية وشكل المبنى من الداخل، وأيضا الخارج من حدائق وساحات ليشكل بالنهاية المعهد العالي للموسيقا بـ"السويداء" على أنغام وكلام وموسيقا تراثية محلية، شكلاً هندسياً معمارياً يجمع تلك المعطيات بإحياء المطربة العالمية "اسمهان".

الرأي العلمي

قبل مشروع "أبو طرابة" لم يكن ثمة عمل علمي في اختصاص العمارة يجمع بين الفن الموسيقي والأشكال الهندسية بالشكل المأخوذ وفق ما قدمته المهندسة، والتي تعد نموذجاً جديداً في تطور تداخل العلوم فيما بينها بالشكل العلمي والإبداعي، وخاصة أن الربط بين الموسيقا والهندسية المعمارية عمل إبداعي.

نموذج من العمل

يقول الدكتور "محمد عامر جبري" المشرف العلمي في جامعة دمشق كلية هندسة العمارة لمدونة وطن eSyria: « يعد العمل الذي قدمته المهندسة "مجد" بحثا نوعياً في المعايير العلمية، ذلك لأنها استطاعت أن تدرس العلامات الموسيقية ودرجات الاهتزازات بها، وفق برامج تقنية ومن خلال تلك الأصوات وتوزيعها على الأشكال الهندسية، وعملت بحرفية في تكوين كيان هندسي يرتبط بالمكان والبيئة في رؤية تفاعلية بين الصوت الموسيقي والبيئة وهندسة العمارة، ووقع اختيارها على صوت المطربة الراحلة "اسمهان"، لما لهذا الصوت من جماليات علمية وعُرب صوتية، وقد أخضعت الأغنية المرتبطة بالمكان وهي على نمط الموال، والمعروف أن الموال يحتاج إلى المد والتنوع في طبقات الصوت بين الانخفاض والعلو، ومنها موال "يا ديرتي مالك علينا لوم"، وكونت مشروعاً لدار الأوبرا بـ"السويداء" يرتبط بالمكان يتفاعل مع صوت "اسمهان" بكلمات هي نابعة من البيئة الشعبية التراثية بحيث جمعت عوامل علمية واجتماعية وتاريخية وتراثية معاً في عمل علمي هندسي، نالت عليه أفضل علامة في جامعة "دمشق"، وفقاً للتطبيقات العلمية والعملية التي قدمتها على شكل مبنى للمعهد العالي للموسيقا في "السويداء"، على أنغام وصوت موسيقي".

م. مجد أبو طرابه مع لجنة العلمية