تحولت العديد من الصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية في الساحل السوري، إلى نافذة اقتصادية ازداد الطلب عليها محلياً وخارجياً، فقد فتح انتشار شجرة الزيتون المباركة على مساحات شاسعة من الأراضي، المجال لتنوع طرق استثمارها، كصناعة الصابون المصنوع من زيت الزيتون، والتي تعد صناعة سورية بامتياز، يزيد عمرها على أربعة آلاف عام .

مهنة عريقة

للإضاءة أكثر على هذه الصناعة التقت مدونة وطن " esyria" السيد "جورج جريج" من قرية "حابا" في محافظة "طرطوس"، الذي ورث مهنة صناعة الصابون البلدي عن جده ووالده، يقول : " تشتّم رائحة الأجداد المعتّقة في هذه الصناعة العريقة، التي تعرضت في فترات معينة لبعض الانتكاسات ما أدى إلى تراجعها، بسبب دخول الآلات المتطورة وبخلطات مستوردة أغرت الأسواق، لكننا كعائلة تعمل في هذه المهنة، استطعنا المحافظة على جذور هذه الصناعة في منطقتنا وفي المناطق المجاورة بأدواتنا التقليدية الخالية من أي تحديث، معتمدين على الخبرة والجودة في العمل، ومؤخراً ازداد الطلب وكثرت اليد التي تعمل في هذه الحرفة تزامناً مع الوضع المعيشي الصعب".

مراحل عمل

خصص "جريج" غرفة واسعة في منزله بمواصفات ملائمة من ناحية المساحة والإضاءة والتهوية، تتم فيها مراحل صنع صابون الزيت وصابون الغار، ويشير إلى ارتباط كمية الإنتاج بنسبة ارتفاع أو انخفاض موسم زيت الزيتون في كل عام، ويأمل "جريج" أن يكون موسم هذا العام خيراً ليعود بالفائدة على عمله.

جورج جريج

ويشرح "جريج" مراحل صناعة الصابون، حيث يبدأ العمل بتكييل الزيت المستخرج من مخلفات الزيتون أثناء العَصر، أو الذي مضى على عصره فترة زمنية طويلة، يوضع هذا الزيت في حلّة كبيرة ويتم إشعال النار تحته، تسمى هذه الحلة "القَصَّة" وهي عبارة عن برميل توضع فيه المكونات، ويحرّك الزيت داخلها بواسطة عصا خشبية، وكبعد الغليان يتم وضع الماء حتى تشتد المكونات، ثم يضع بالتدريج مادة كوستيك الصودا المنقوعة مسبقاً، ويمزجهم جيداً حتى يجمد المزيج وتبقى "القَصّة" على النار حتى يتجانس الزيت مع كوستيك الصودا، وبعدها يتم سحب المياه الراكدة تدريجياً، وفي آخر مرحلة يتم فصل الماء عن المزيج بشكل كامل ويصب في ألواح كبيرة على الأرض، لحين جفاف القالب وتماسكه يُقطّع إلى مكعبات بأحجام معينة أو حسب الطلب، يترك عدة أيام في الهواء الطلق للتخلص من الرطوبة وحتى يجف تماما، وهنا -حسب قوله-يجب مراعاة شروط النظافة بحماية القالب من الشوائب الخارجية من غبار أو أوراق وغيرها، ثم تعبأ المكعبات في أكياس وتصبح جاهزة للبيع.

ويبين "جريج" أن الفترة الزمنية التي يبقى فيها الصابون معرضاً للهواء الطلق لحين جفافه، هي التي تتسبب في تبدل لون القشرة الخارجية من الأخضر إلى الأصفر الغامق بسبب عملية الأكسدة مع محافظة اللب الداخلي على لونه الأخضر.

معوقات ولكن

يشير "جريج" إلى الأثر السلبي لتطفل البعض على هذه الصناعة وتسويق منتجاتهم بمواصفات تجارية حاولت سحب البساط من المنتج الأصلي، وتباع بسعر أرخص ما أدى إلى تذبذب تسويق الصابون الطبيعي، لافتاً إلى أن صناعة الصابون مهنة شاقة وشيّقة، ويصر على تعليم أولاده هذا الإرث ولثقة الناس بخبرته يجلبون له الزيت ليصنع لهم الصابون البلدي.

طبيعي بالكامل

في السياق نفسه تؤكد الصيدلانية "غرام" على أهمية الصابون المصنوع من المواد الطبيعية الخالية من أي مواد كيمياوية، وتشير إلى العدد الكبير من السيدات اللواتي تزرن العيادات الجلدية بسبب تهيج البشرة لاستعمالهن الصابون العطري المصنوع في شركات التجميل، بينما يعدّ صابون زيت الزيتون أو الغار الخالي من أي عناصر كيمياوية صديقاً للبشرة لاحتوائه على مكونات طبيعية صرفة، وتكمن أهم فوائده في الوقاية من بعض مشاكل الجلد، وتقوية الشعر، يرطب البشرة ويمنع جفافها لاحتوائه على مضادات الأكسدة وبعض المواد الطبيعية التي تعيد توازن درجة حموضة البشرة، بالإضافة إلى تعقيم الجلد من البكتيريا.

وتضيف الصيدلانية أنه يمكن في حالة واحدة فقط أن تسجل آثاراً جانبية في حال لم تكن خواص الزيت المستعمل جيدة أو لم تصنّع المراحل بطريقة صحيحة.

بدوره، يقول صاحب محل تجاري في منطقة "صافيتا" : " لطالما حافظ الصابون الطبيعي على مكانته في منطقتنا الغنية بشجر الزيتون، وقديما كان الجميع يصنع الصابون المنزلي كمؤونة أساسية للمنزل، وحالياً ازداد الطلب بكثرة عليه لرخص سعره مقارنة بالأنواع الأخرى وتنوع استعمالاته في النظافة الشخصية والطبية، حتى أن البعض بات يستخدمه بديلاً عن الشامبو، وفي غسيل الملابس، ويمتاز الصابون الطبيعي بطول أمد استعماله مقارنة بأنواع أخرى.