يعدُّ مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية والنفسية الواقع شرق مدينة "حلب"، من أقدم وأهم المشافي الموجودة في المدينة، نظراً للدور المهم والمنوط به في استقبال المرضى ومن مختلف الأعمار والأجناس مع الأطفال اليافعين، بغية معالجتهم وفق طرق نفسية وإرشادية خاصة من خلال متابعتهم ومراقبتهم خلال فترة العلاج مع تهيئة كل الوسائل والسبل التي تساعدهم على إتمام شفائهم كي يعودوا إلى وضعهم الذي يساعدهم على الاندماج بالمجتمع بالشكل الطبيعي.

نظرة عامة

موقع "مدوّنة وطن eSyria" التقى مدير "مشفى ابن خلدون" لمعالجة الأمراض العقلية والنفسية الدكتور "بسام حايك" واستمع منه لكم المعلومات عن طبيعة العمل داخل المشفى بالأرقام والوثائق والصور.

مع استجابة المريض للعلاج والشفاء وتحسن حالته حسب تقرير الطبيب الاختصاصي، يتم التواصل مع أهله من أجل استلام مريضهم بعد تقديم كافة الشروحات للأهل لطريقة التعامل للمرحلة المستقبيلة حتى الوصول للشفاء التام وكذلك متابعة تناول الدواء

يقول "حايك": «يعود تأسيس المشفى إلى عام 1943، إلى أن صدر المرسوم الجمهوري رقم 26 لعام 2002 القاضي باعتباره هيئة عامة صحية علمية تدريبية باسم الهيئة العامة لمشفى "ابن خلدون" لأجل أن يقدم المشفى خدماته لسبع محافظات هي"حلب" و" إدلب" و"اللاذقية" و"الحسكة" و"دير الزور" و"الرقة" و"حماة".

الدكتور محمد بسام حايك مدير مشفى ابن خلدون

يقع المشفى شرق المدينة في قرية "الدويرينة" على مسافة 17 كم من مركز المدينة، باتجاه طريق المطار، حيث تبلغ مساحته الإجمالية مئة ألف متر مربع موزعة على عدة كتل وأبنية خدمية وطبية وتمريضية للعلاج والاستشفاء وخدمة المرضى الذين يعانون من الأمراض العقلية والنفسية والإدمان، ومبانٍ أخرى لمعالجة الرجال والنساء والأطفال ومبنى للعيادات الخارجية، مع خاصية تقديم الرعاية الصحية للمرضى والإسهام في برامج تأهيلهم ومساعدتهم على تنمية قدراتهم الذاتية ومن ثم إعادتهم للمجتمع كأعضاء فاعلين ومنتجين لهم أهدافهم وطموحاتهم الحياتية.

ويضيف "حايك": "من أهدافنا أيضاً تقديم خدمات عالية الجودة في مجالات الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية والوقائية والتأهيلية للأفراد الذين يعانون من تلك الأمراض المذكورة، وتثقيف وتوعية المجتمع من أضرار الإدمان والاضطرابات النفسية ضمن إعداد وإصدار نشرات دورية وإطلاق برامج للدعم النفسي للأطفال واليافعين والفئات المستضعفة وضحايا الكوارث والحروب، مع تقديم الخدمات الطبية والأدوية العلاجية المجانية لكل حالة على حدة».

فاصل ترفيهي للمرضى داخل المشفى

خطوات

معاون المدير العام مع صور أخرى تظهر الدمار الذي تعرض له أحد المباني

تقوم إدارة المشفى بقبول المرضى بعد الكشف وإجراء الفحص الطبي والنفسي والعصبي لهم، وإجراء أيضاً التداخلات العلاجية المعرفية والسلوكية عبر المعالجين المختصين والتعامل مع حالات التوحد والاضطرابات النمائية عند الأطفال من قبل لجان طبية مختصة وتنظم لهم فوراً بعد قبولهم أضابير خاصة تسجل فيها كل المعلومات الخاصة والتقارير الطبية ويتم بعدها فرز كل مريض لجناح خاص حسب توصيف حالته المرضية.

يتابع مدير المشفى بالقول: "يقوم العامل بإجراء حمام وتبديل جميع ملابس المريض لتبدأ بعدها خطوات العلاج بالتنسيق والتعاون بين المرشد النفسي وأهل المريض، ويتطلب خلال فترة العلاج مراقبة سلوك المريض وعلاقته بمحيطه، ويقوم المرشد النفسي بعدها بزيارة المريض وتفهم حالته ومساعدته على طرق الحل مع تقديم النصح وجميع الخدمات والدعم النفسي والاجتماعي من أنشطة فنية وموسيقية ورياضية، وفي حال حاجة المريض إلى عناية إضافية تتم متابعة حالته في غرف العناية المشددة تحت إشراف طبي لحين تحسن حالته وعودته للعلاج ضمن غرف الأجنحة".

يقول الدكتور "حايك": «مع استجابة المريض للعلاج والشفاء وتحسن حالته حسب تقرير الطبيب الاختصاصي، يتم التواصل مع أهله من أجل استلام مريضهم بعد تقديم كافة الشروحات للأهل لطريقة التعامل للمرحلة المستقبيلة حتى الوصول للشفاء التام وكذلك متابعة تناول الدواء».

قصص نجاح

يسرد الدكتور "حايك" بعضاً من الحالات المرضية والطريقة العلاجية التي يتم التعامل فيها مع مرضى داخل المشفى. ويقول: «وصلت إلى المشفى المريضة (س) عن طريقة إحالة من مركز الدعم النفسي في "مشفى الرازي"، وكانت المريضة في وضع سيئ للغاية وهي عارية من الملابس ومغطاة بحرام صوف وأظافر طويلة وشعر منكوش ومتسخ، ومقيدة بجنازير ورائحة كريهة، تم قبولها مباشرة والتواصل مع مشفى الجامعة لإجراء عملية جراحية لنزع بعض القيد المعدني الذي غرز في معصم يدها وبنى فوقه اللحم، وبعد نجاح العملية وعودتها إلينا باشرنا بعلاجها من خلال الجانب النفسي والفيزيائي، ومع هدوء حالتها النفسية أقمنا لها حفلة بمناسبة عيد ميلادها بحضور ذويها، وبعد رحلة علاج استمرت تسعة أشهر تم تخريجها بعد تحسن ملحوظ في وضعها الصحي والنفسي.

وبتاريخ العشرين من شهر شباط لعام 2018 تم إحضار الشاب "حسين" وهو في العقد الرابع من العمر حيث وجد في أحد أرياف مدينة "حماة" مجهولا الهوية، وبعد الفحص تبين أنه يعاني من نوبة دهائية حادة تستوجب قبوله لحين استقرار حالته واستعادة عافيته، ومع تقديم العلاج الدوائي النوعي مصحوباً بالرعاية الاجتماعية والنفسية والعلاج السلوكي، استطاع "حسين" تزويد الفريق الطبي المرافق له بالكثير من المعلومات الخاصة عن سكنه وحياته وأهله، وبعد رحلة علاج استمرت قرابة الستة أشهر تم التواصل مع أهله لاستلامه وشرح حالته وتقديم التثقيف النفسي لذويه بطريقه التعامل مع ابنهم».

أبرز الأمراض

ويعدد الدكتور المعاون "زكريا وراق" أهم الأمراض النفسية وهي الاكتئاب وثنائي القطب والإدمان، وأغلب مصدر هذه الأمراض يكون إما بالعامل الوراثي او تحت شدة الظروف المهنية والتعقيدات الحياتية التي تؤدي لظهور هذا المرض، وغالباً ما تكون نسبة الشفاء مرتفعة جداً ويمكن لمدمن المخدرات الشفاء خلال خمسة عشر يوماً.

وأكد على ضرورة الاهتمام بمرضى الأطفال واليافعين مع تقديم الرعاية النفسية، وتقديم التداخلات العلاجية اللا دوائية ومنها السلوكية والمعرفية والتعامل مع جميع الاضطرابات التطورية الشاملة للأطفال، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع الأهل بشكل دائم ودوري.

ولفت الدكتور "وراق" النظر إلى الخدمات المنزلية التي قدمتها الهيئة لبعض المرضى الذين لم تسمح لهم ظروفهم الصحية بالقدوم للمشفى.

أرقام وأحصائيات

ويضيف الدكتور "وراق" بلغ إجمالي عدد الخدمات المقدمة في الهئية لعام 2021 /152600/ خدمة وبلغ عدد مراجعي العيادات النفسية 29 ألفاً و743، تم تقديم الخدمة لهم وبلغ عدد المرضى المقيمن لعام 2021 ألفاً ومئتي مريض .

بينما أكد المرشد النفسي "أحمد عمران" أن مركز الدعم النفسي يتألف من العيادات النفسية والعصبية والإرشادية والتداخل النفسي عند الأطفال والنطق، لافتاً إلى الدور المهم والجوهري الذي يقدمه المرشد النفسي بالعلاج السريع لجميع الاضطرابات النفسية لحالات (الانفصام- والوسواس - وثنائي القطب والقلق والمشكلات السلوكية والإدمان) وفق تطبيق مبادئ الإرشاد النفسي الحديث، واستخدام البحث والتشخيص وتقديم المساعدة النفسية للتعامل مع ضغوطات الحياة، ومن أهم الوسائل التي يتبعها المرشد النفسي التقرب من المريض بلطف ودراسة حالته السلوكية والنفسية وتقديم كل وسائل المساعدة والعلاج من مقابلات دورية، بالتعاون والتواصل مع ذوي المريض.

فعاليات وتشاركية

تحرص إدارة الهئية العامة لمشفى ابن خلدون على التفاعل والتواصل مع مختلف الفعاليات الطبية والفنية لأجل تطوير العمل، من أجل تقييم الدعم النفسي والعلاج الدوائي. حيث تم منح العيادة المعتمدة في مشفى "زاهي أزرق" لمرضى التصلب اللويحي كل المساعدات والدعم مع تقديم الخدمات الاستشارية والنفسية والاجتماعية إلى 36 مريضاً، وكذلك تم التعاون مع فروع الهلال الأحمر. وكلية التربية قسم الإرشاد النفسي، لشرح العقد العلاجي وتدريب الطلاب على دراسة بعض الحالات السريرية وكيفة إجراء المقابلات النفسية والإرشادية السرية والخصوصية، وتمت المشاركة بالدورة التدريبية التي أقامتها وزارة التربية، وتضمنت تعريف ومفاهيم اضطرابات الكرب ما بعد الصدمة وحالات الاكتئاب وكيفة التعامل مع تلك الحالات.

ترميم بعد الدمار

بقي أن نقول أن المشفى خرج عن الخدمة خلال فترة الحرب الأخيرة وتعرض لكثير من الأضرار في منشأته وبعض مبانيه، وعلى الفور تمت الاستعاضة عنه بسبعة أماكن بديلة متفرقة داخل المدينة، وبعد التحرير أعيد استلام المشفى من الجيش العربي السوري في عام 2014 بسعة 60 سريراً، وفي عام 2015 أصبح المشفى جاهزاً للخدمة وبسعة مئتي سرير.

تم إجراء المقابلة والاطلاع على عمل المشفى والصور داخل عيادة الدكتور "بسام الحايك" بتاريخ العشرين من شهر نيسان لعام 2022.