أراد مؤسس "المدارس الغسانية الأرثوذكسية" في "حمص" بأن لا تكون هذه المدارس مجرد بيوت للعلم فقط، بل مساهماً حقيقياً بنشره على أوسع نطاق، ومركزاً لنشر الثقافة بشتى مجالاتها، واستمر خلفه عبر عقودٍ لاحقةٍ متمسكين بتلك الرسالة.

أولى الخطوات

ينطلق المحامي "مرهف شهلا" المشرف العام على المدارس أثناء حديثه مع مدونة وطن "eSyria" من ذلك الوصف معرِّفاً بالخطوات الأولى لتأسيسها فيقول: «كان ذلك سنة 1887 وسط حيِّ "بستان الديوان" الواقع ضمن أسوار المدينة القديمة زمن تولي سيادة المطران "أثناسيوس عطا لله"، أمور "أبرشية حمص وتوابعها للروم الأرثوذكس"، التي تتبع لها هذه المدارس.. لم يكن اسمها كما هو معروف حالياً، بل أُطلق عليها بالبدايات "المدارس الروسية الأرثوذكسية"؛ كون التمويل الأول لإنشائها، قد تمَّ من قِبَل "الجمعية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية" التي كان مقرُّها مدينة "القدس" الفلسطينية – وما زال ليومنا هذا - وهي بالمناسبة جمعية عربية بامتياز، إلى جانب مساهمة كبيرة من تبرعات أبناء مدينة "حمص"».

كان ذلك سنة 1887 وسط حيِّ "بستان الديوان" الواقع ضمن أسوار المدينة القديمة زمن تولي سيادة المطران "أثناسيوس عطا لله"، أمور "أبرشية حمص وتوابعها للروم الأرثوذكس"، التي تتبع لها هذه المدارس.. لم يكن اسمها كما هو معروف حالياً، بل أُطلق عليها بالبدايات "المدارس الروسية الأرثوذكسية"؛ كون التمويل الأول لإنشائها، قد تمَّ من قِبَل "الجمعية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية" التي كان مقرُّها مدينة "القدس" الفلسطينية – وما زال ليومنا هذا - وهي بالمناسبة جمعية عربية بامتياز، إلى جانب مساهمة كبيرة من تبرعات أبناء مدينة "حمص"

باكورة المدارس

ويضيف "شهلا" إن أولى المدارس التي أبصرت النور موجودة حالياً إلى جانب دار المطرانية ومخصَّصةٌ لطلاب مرحلة التعليم الأساسي، ومن ثمَّ أوعز المطران ببناء مدرسة خاصة للإناث كونه كان يرى ضرورة تعلم المرأة وجرى ذلك عام 1894، وتسارعت حركة بناء المدارس لاحقاً في أحياء المدينة القديمة الأخرى، حيث تأسست مدرسة "القديس انطونيوس" ضمن الكنيسة التي تحمل ذات الاسم في حيِّ "باب السباع" عام 1900 ، وتالياً بُنيت المدرسة التابعة لكنيسة "القديس مار جرجس" ضمن حرم بنائها سنة 1902، ولم يقف الأمر هنا، بل قامت العديد من المدارس في القرى التي تتبع للأبرشية خلال تلك الفترة وهي: (الدوير- وريدة- كفرَّام- قطينة- رباح- أم شرشوح- المشرفة- جب عباس)، وهذا إن دلَّ على شيءٍ، إنَّما يدل على رغبة المطران "أثناسيوس عطا لله" الراحل بأن يصل العلم لكل الناس وفي كلِّ مكان -ليس لأبناء الطائفة فقط- بل لكل أبناء مدينة "حمص" على اختلاف مذاهبهم».

المحامي مرهف شهلا

إسهامات

لوحات جدارية تظهر قدم تاريخ بناء المدارس الأرثوذكسية

حركة بناء "المدارس الأرثوذكسية الروسية" استمرت بالنهوض لاحقاً، فتمَّ بناء ما سمي حينها "الكلية الأرثوذكسية" سنة 1910، والتي كانت الدراسة فيها حسب ما يقول "شهلا"، تتم وفق النظام الداخلي للذكور وللإناث معاً، هذا الأمر أفسح المجال لأبناء الريف والمدن السورية الأخرى، وأولئك القادمين من الدول المجاورة للدراسة فيها وبشكلٍ شبه مجاني، والكثير من الشخصيات المشهورة تخرَّجت من تلك الكلِّية ومنهم مثلاً: الأديب والشاعر المهجري المعروف "نسيب عريضة" مؤسس "الرابطة القلمية الأدبية" في "أميركا الشمالية"، نذكر أيضاً "اليان الحلبي" الذي يعدُّ أول طبيب عيون في مدينة "حمص" خلال عشرينيات القرن الماضي بعدما درس "الطبَّ" في "روسيا"، كما لا بدَّ من الإشارة إلى الفكر التنويري الذي كان يحمله المطران "أثناسيوس عطا لله" الذي تُرجم بتأسيس "جريدة حمص" عام 1909، وسبق ذلك بخطوةٍ مهمةٍ حيث استقدم المطبعة الخاصَّة بها بتمويل أحد المغتربين في ذلك الوقت "بشارة محرداوي" بتاريخ 13 تشرين الثاني من العام ذاته، كذلك شُيِّدت داخل "الكلية الأرثوذكسية" قاعةٌ خاصَّةٌ بالمسرح ما زالت قائمةً ليومنا هذا، توافرت فيها عناصره كاملةً من حيث الخشبة وغرف تبديل الملابس، وهذا دليلٌ آخر على نورانية الفكر لدى المطران وقناعته بأهمية نشر الثقافة والفنون بصفوف الطلبة والمجتمع ككل».

وعن سبب تسمية المدارس الحالية وسبب اعتمادها، وأهم ما يميز مسيرتها يقول المحامي "شهلا": «لا بدَّ من الإشارة هنا إلى أنَّ المطران "أثناسيوس عطا لله" المؤسس الأول للمدارس كان ذا أصلٍ عربيٍّ ومن "لبنان" تحديداً، خلافاً لكل المطارنة الذين تولوا كرسي الأبرشية من قبل وكذلك من خلفوه هم من أبناء المنطقة العربية أيضاً، وتأكيداً على الهوية السورية لها، فقد اعتمدت تسمية "لجنة المدارس الغسانية الأرثوذكسية" نسبةً لقبائل "الغساسنة" الذين سكنوا في هذه البلاد، أمَّا بالنسبة لميزة المدارس الأهم برأيي، هي: استمرارية قيامها وممارستها للرسالة التي تحملها رغم فترات الحروب التي شهدتها "سورية" خلال عقودٍ مختلفة، وأهمها الحرب الأخيرة التي نالت مدينة "حمص" نصيباً كبيراً منها، فقد تابعت المدارس عملها ضمن بناء المدرسة الابتدائية الواقعة في حيِّ "المحطة" التي بنيت سنة 1984، وهذا الأمر كان محطَّ اهتمام ورغبةٍ لدى المطران "جاورجيوس أبو زخم" راعي الأبرشية الحالي الذي أخذ على عاتقه مسؤولية المحافظة على سير العملية التربوية والتعليمية؛ لذا انتقل طلاب المدارس الأخرى بجميع فئاتهم لإكمال دراستهم هناك، ومع إعلان تحرير المدينة، كان قرار سيادة المطران بأن تعود المدارس لفتح أبوابها بالسرعة الممكنة وهذا ما حصل، حيث كانت مدرسة "القديس انطونيوس" في حيِّ "باب السباع" -بعد خروج المسلَّحين منه- أولى المدارس التي فتحت أبوابها عام 2014، تلتها مدرسة "بستان الديوان" في العام التالي، وبعد استكمال عمليات الترميم في المدارس الثانوية عادت لتستقبل الطلبة فيها سنة 2018 بشكلٍ جزئي وفي سنة 2019 كانت العودة الكاملة لها».

مبنى الكلية الأرثوذكسية إلى جانب المدرسة الثانوية وصور تذكارية للمدرسين والطلبة فيها

مزايا تعليمية

يستعرض "شهلا" أهم المزايا الأخرى للمدارس والتي تتمثَّل في تطبيق أفضل نظم التعليم والرعاية التي تقدِّمها لطلبتها البالغ عددهم في يومنا هذا 2343 طالباً وطالبة، تمثَّل ذلك بالمحافظة على خلو المدارس من أيَّة حالة مرضية سببها وباء "كوفيد- 19"، إضافةً لتطبيق معايير السعة الصَّفية المناسبة لجودة العملية التعليمية، ولأنها لا تعتمد الهدف الربحي منذ نشأتها، فإنَّ الأقساط الدراسية فيها هي الأدنى مقارنةً بمثيلاتها من المدارس الخاصَّة، إلى جانب ذلك، تقدِّم فرصة الدراسة المجانية فيها لأبناء الشهداء والجرحى والعائلات غير الميسورة أيضاً، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها من حيث تأمين الكادر التدريسي المؤهَّل والذي يتميَّز بأنَّه نتاج أجيالٍ تعلَّمت وتخرَّجت من المدارس أيضاً، وهذه سمةٌ متوارثةٌ عبر عقود طويلة ماضية».

نشير أخيراً إلى أنَّ لقاءنا مع المحامي "مرهف شهلا" قد جرى بتاريخ 13 أيار 2022 في مقرِّ "مطرانية حمص وتوابعها للروم الأرثوذكس" الواقعة في حيِّ "بستان الديوان".