لا يزال جيل الأربعينيات والخمسينيات يتذكر كيف كان أباؤهم وأجدادهم -وبهدف الوصول إلى القرى المجاورة- يسلكون تلك الطرق المرصوفة بالحجارة البازلتية، التي ألبستها المواصلات الطرقية فيما بعد ثوبها الأسود الحالي، ليختلف الشكل، ولتبقى هذه الطرق صلة الوصل بين المناطق وصولاً إلى المدن الرئيسية.. طرق تجاوز عمرها الألفي عام، والزائر لقرى ريف المحافظة لا يمكن له أن يغادرها قبل أن يعبر أزقتها القديمة التي ما زالت تحتفظ بتاريخ كتبه الأقدمون وحافظ عليه السكان الحاليون.

معبر للقوافل

على حجارتها البازلتية مشى الأجداد بقوافلهم التجارية إلى "بصرى والشام"، ومن خلالها وصل الثوار إلى عمق اللجاة لملاقاة الاستعمار الفرنسي، إنها الطرق "الرومانية" القديمة التي شقتها ورصفتها أيادٍ فنية ماهرة منذ أكثر من ألفي عام.

عن هذه الطرق تحدث لمدونة وطن "eSyria" الباحث الأثري "كمال الشوفاني" قائلاً: "الشبكات الطرقية المصغرة التي خطّ مسارها الأقدمون منذ مئات السنين، أوجدها قاطنو تلك المنطقة، لربط القرى بالمدن الرئيسية في تلك الحقب الزمنية، وهي ما تُسمى بالطرق المحلية إضافة للطرق الرئيسية والتي كانت معبراً للقوافل التجارية، وهي التي أسست للشبكات الطرقية الحالية، ومن أهم الطرق التجارية في تلك الحقبة "طريق الحج" حالياً أو ما يسمى قديماً الطريق الروماني، الذي يخترق قلب اللجاة ذات الطبيعة الصخرية، ليبدأ مساره الأولي من مدينة "السويداء"، ولينتهي عند مدينة "دمشق"، فسِجلُ أحداثه التاريخية لم يُغلق لتاريخه، وعلى رصيفه حدا الثوار ضد المستمر الفرنسي أهازيج النصر، ومشى التجار إلى "دمشق" لإنفاق بضاعتهم".

من الطرق القديمة

هوية رومانية

كميل سعيفان

وتابع "الشوفاني": "تؤكد الأبحاث التاريخية والأثرية أن هذا الطريق هويته الأساسية رومانية، وقد أنشأه واستخدمه الرومان في الحقبة الواقعة بين ضم الولاية العربية للحكم الروماني (106 م ) وحكم "ماركوس أوريليوس" (161-180 م)، ورغم المسافة الكيلو المترية الطويلة التي يقطعها هذا الطريق، فمن الملاحظ أنه لا يلامس أي موقع سكني باستثناء مروره بمحاذاة خربة "الخريبات" الواقعة إلى الشمال من قرية "وقم" على مسافة قريبة من بداية ما بقي من الطريق الأصلي الحجري، قبل أن يتم قبل سنوات إنشاء طريق جديد معبّد على أنقاض الطريق الروماني القديم "طريق الحج" الحالي، من "السويداء إلى جنوب "عريقة" إلى الغرب من "وقم"، والمثير للدهشة هو مساره المستقيم رغم اختراقه منطقة صخرية صعبة، وهذه الاستقامة أوجدها مؤسسو هذا الطريق من خلال قيامهم بردم الأراضي المنخفضة لتصبح بموازة الطريق، حيث وصلت الردميات في بعض مقاطع الطريق إلى ثلاثة أمتار، وهنا يكمن ما كان يتمتع به الأقدمون من قوة بدنية كبيرة".

أصل التسمية

ويضيف "الشوفاني" أن هذا الطريق سمي بطريق "الحج" وذلك لأن قوافل الحج القادمة من "دمشق" باتجاه "مكة" استخدمته، وقد كانت قرى حوران سهلاً وجبلاً محطات استراحة لتلك القوافل خاصةً مدينتي" السويداء" و"بصرى الشام"، ويشهد على ذلك البركتان الكبيرتان الموجودتان في كل منهما والمعروفتان باسم "بركة الحج" لاستراحة الحجاج قربهما، لكن يبدو أن طريق اللجاة أصبح يشكل خطراً ما على تلك القوافل في فترة لاحقة، فتغير سير القوافل إلى الفرع الثاني من طريق الحج المتجه من "المسمية" إلى "نوى" وباقي مناطق السهل الحوراني.

كمال الشوفاني

أسماء وتاريخ

ويقول أحد ساكني قرى المحافظة "كميل سعيفان": "للطرق الرومانية القديمة ذكريات لا تنسى فأعيننا تفتحت على وجودها، وذلك في وقت لم يكن للطرق المعبدة الحالية اي وجود، ومن يزور قرى المحافظة خاصة القديمة، سيلحظ أن أزقتها لا تزال محتفظة بهذه الطرق، مضيفاً أن هذه الطرق وجدت منذ العصر الروماني وبهدف ربط المناطق المأهولة بمراكز المدن، وهي تحمل شهادة ميلاد تفوق الألفي عام، ولهذه الطرق اسماء متعددة ما زال يتناقلها السكان المحليون حتى هذا التاريخ، فهناك مثلاً "طريق صميد" وهو يربط قرية "ذكير" بقرى اللجاة غرباً، إضافة لذلك فهي تؤرخ أيضاً للحقب الزمنية التي تعاقبت على المنطقة، وهي التي أسست للشبكات الطرقية الحالية، ليبقى نهر الحياة جارياً دون انقطاع، فالماضي لم يمت فولادته ما زالت متجددة فما بناه الأجداد سار على خطاه الأحفاد".